مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ إبراهيم السنّي التاروتي
عن الكاتب :
الشّيخ إبراهيم بن الحاج حسن بن محمد السنّي (أبوعلي) من فضلاء جزيرة تاروت. درس في قمّ المقدّسة، مرحلة المقدمات والسّطوح على يد نخبة من أساتذة الحوزة العلمية فيها، أبرزهم آية الله السيد حسين الشاهرودي، وآية الله السيد جعفر علم الهدى، وسماحة الشيخ حسن الرميثي، وسماحة الشيخ محمد رضا القائيني، كما درس مرحلة البحث الخارج عند آية الله الشيخ حسين الوحيد الخراساني، وآية الله السيد كاظم الحسيني الحائري، وسماحة السيد منير الخباز. تولّى أثناء دراسته، مهام تدريس المقررات الحوزوية لجمع من الطلبة القطيفيين والأحسائيين والخليجين.

التفاوت في الإيمان بين المؤمنين

الشيخ إبراهيم السنّي التاروتي

 

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاه والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين، (وبلغ بإيماني أكمل الإيمان، واجعل يقيني أفضل اليقين، وانتهِ بنيتي إلى أحسن النيات، وبعملي إلى أحسن الأعمال).

 

هذا الدعاء مصدره مكارم الأخلاق للإمام زين العابدين سلام الله عليه، (اللهم بلّغ بإيماني أكمل الإيمان)، فالإيمان درجات، والإمام زين العابدين - الدّاعي - يدعو أن يبلّغه الله، وهو دعاء لنا أن يبلّغنا الله أكمل الإيمان، الذي هو عشر درجات، ففي الروايه أن سلمان المحمدي هو مَن بلغ عشر درجات في الإيمان، وكان يدخل بيت عليّ عليه السلام فيقول له أمير المؤمنين عليه السلام: (آتِ لنا برطب من نخلتنا التي في البيت)، فيقول سلمان: (ما عهدت في بيتكم نخلة). لذلك يقال: إمّا أن سلمان لم يرَ نخلة في البيت، وإنما أمير المؤمنين حين أرسله إلى البيت أوجد نخلة إعجازية، وإمّا أنّ في البيت نخلة لم يلتفت إليها سلمان لشدّة إيمانه الذي لم يجعله يلتفت ويتأمل ما في بيت أمير المؤمنين عليه السلام، فهو كان يدخل لغرض ويخرج منه، فحالته الإيمانية كانت تمنعه من أن يلتفت إلى ما في البيت أو يتأمّل ما فيه.

 

وهنا مطلبان

 

المطلب الأول: أنّ كلّ شيء متاح للإنسان، فلولا أنّ أكمل الإيمان كان متاحًا، لـما أمرنا الله بالدّعاء، فأكمل الإيمان أمر متاح وليس مستحيلاً، إنّما يحتاج إلى إرادة واختيار، ولهذا ورد في دعاء المبعث الشريف، أن السّفر إلى الله سبحانه وتعالى يحتاج إلى عزم إرادة (وقد علمت أن زاد الراحل إليك عزم إرادة يختارك بها).

 

 وكما أن الإنسان يصل إلى درجات رفيعة وكمالية بالأمور المادية والعلمية بعزم إرادته واختياره، فإنّ السّائر إلى الله والمسافر إليه، لا يحتاج إلّا إلى عزم إرادة، (وأن الرّاحل إليك قريب المسافة)، فالإيمان الذي هو حالة قربيّة من الله بدرجاتها العشر، متاح ولكن يحتاج إلى اختيار وإرادة وعمل، ولهذا عبّدنا الإمام زين العابدين بهذا المطلب، لأن نطلب ما عند الله من الخير والعطاء، والله سبحانه وتعالى يوفّق الإنسان ويعطيه ما لا يحتسب، فإذا كان الدّعاء بشروطه فليس هناك شيء مستحيل.

 

المطلب الثاني: اليقين، هنالك يقين فاضل، ويقين حسن، ويقين أحسن، وهذه المقامات يبيّنها أهل البيت عليهم السّلام، والله تعالى في كتابه: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾. وهنا نقطة مهمّة، بأنّ التفاوت بين بني البشر حاصل وقطعي وجداني، والحال واقع في المشكلات الأسرية ومشكلات الطّلاق، ويجب على الزّوجين أو يوطّنا نفسَيهما على الفوارق بينهما، فقد يصرف الرجل على زوجته، وقد تصرف عليه، وذلك يعود إلى الفوراق، بما لا يعني توطين المفضول لنفسه، بل توطين الأفضل نفسَه، فقد تزوّج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بخديجة وبنسائه، وكان أفضل الأنبياء والمرسلين (أنا سيد ولد آدم ولا فخر) ووطّن نفسه على الفوارق، حتى أن أم سلمة كانت تقول: (عندي سوء خلق) فقال صلى الله عليه وآله وسلم: (أدعو الله سبحانه وتعالى أن يحسّن خلقك). فوطّن نفسه، وكذلك فعل أمير المؤمنين سلام الله عليه، وهو أفضل من زوجاته بما فيهنّ سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين.

 

وقد تكون الزوجة أفضل، فإن السيدة زينب عليها السلام أفضل من عبدالله بن جعفر، وبنات أمير المؤمنين عليه السلام أفضل من أزواجهن، وهذا التّوطين يكون بسبب الحتمية التّكوينية في الفوارق، ولهذا جعل الله تعالى بعضنا لبعض سخرية، أي سخّر بعضنا تسخيرًا محبوبًا، كلّ بحسب قدراته وإمكاناته.

 

وليست السخرية دائمًا بمعنى الاستهزاء، فقد تكون تسخيرًا بالظّلم من أجل العمل والعطاء والخدمة، حتّى أن فرعون سخّر هامان فقال: ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ﴾. وإنّ السخرية بمعنى الاستغلال مذمومة، ولذلك قيل: (أعطِ الأجير أجره قبل أن يجفّ عرقه). فالفوارق حتميّةٌ إيمانيًّا وعلميًّا ومادّيًّا واجتماعيًّا... ولهذا (لا يقول صاحب الاثنتين لصاحب الواحدة لستَ على شيء فيكسره، فيكسره الذي فوقه).

 

ولعلّ من أهمّ الأسباب لما نحن فيه من التفكك والشتات والطلاق، أنّ الفاضل لا يتقبّل المفضول، ولهذا ورد في الرواية (لا يقول صاحب الاثنتين لصاحب الواحدة لست على شيء فيكسره، فيكسره الذي فوقه، ولكن يأخذه برفق). اذًا فلابدّ من الاعتقاد بالفوارق كالإيمان، فإذا بلغ الإيمان أكمل الإيمان، واليقين أفضل اليقين، يصل الإنسان إلى أن لا يرى في أحلامًا في منامه بل شهودًا. جاءَ في الرواية: (ولا تعادِ أحدًا حتّى تعرف الذي بينه وبين الله تعالی، فإن كان محسنًا فإنّه لا يسلّمه إليك، وإن كان مسيئًا فإنّ علمك به يكفيكه، فلا تعاده). لذلك فإنّ مقامات -أمثال الشّيخ بهجت من العلماء- اشتراطيّة، على فرض أنهم يكتشفون الإنسان على حقيقته، لكن لا يقولون أو يرتبون على ذلك أيّ أثر، بل يتعاملون معه كإنسانٍ مؤمن كامل.

 

وفي المحصّلة فإنّ من أهمّ الأمور، الصبر والاقتناع بالفوارق، (وبلغ بإيماني أكمل الإيمان، واجعل يقيني أفضل اليقين، وانتهِ بنيتي إلى أحسن النيّات، وبعملي إلى أحسن الأعمال، اللهم وفِّر بلطفك نيَّتي، وصحِّح بما عندك يقيني).

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد