فجر الجمعة

الشيخ الحبيل يتحدّث عن الإمام الجواد (ع) ويوجّه كلمة إلى حجّاج بيت الله الحرام

خطبة الشيخ عبدالكريم الحبيل في مسجد الخضر بجزيرة تاروت في القطيف، يوم الجمعة 7 يونيو 2024

 

الخطبة الأولى

اللهم صلِّ على أبي القاسم محمد صلى الله عليه وآله، عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق، فأظهر به الشرائع المجهولة، وطمع به البدع المدخولة، وبيّن به الأحكام المفصولة. اللهم فصلِّ عليه وآله صلاةً لا يقوى على إحصائها أحد إلا أنت، وبلّغه منا تحيةً كثيرةً وسلامًا. عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوه تقيّة من أحيا قلبه وأمات نفسه، وجعل الذكر جلاءً لقلبه، فإن لذكر الله أهلًا أخذوه من الدنيا بدلًا، فلم تشغلهم تجارة ولا بيع عنه، يقطعون به أيام الحياة، ويهتفون بالزواجر عن محارم الله في أسماء الغافلين، ويأمرون بالقسط ويأتمرون به. أولئك الذين قال عنهم في محكم كتابه: "رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، يخافون يومًا تتقلب فيه القلوب والأبصار" جعلنا الله وإياكم من خير عباده المتقين الصالحين.

 

أيها الإخوة الكرام، نرفع أحرّ التعازي إلى مقام سيدنا ومولانا الإمام المهدي الموعود المنتظر، وإلى مراجعنا العظام، وإلى جميع شيعة آل محمد ومحبيهم، وإليكم أيها الإخوة الكرام، بمناسبة ذكرى وفاة سيدنا ومولانا الإمام أبي جعفر محمد بن علي الجواد، صلوات الله عليه وسلامه عليه وعلى آبائه وأبنائه الطاهرين، سائلين العلي القدير أن يعظّم لنا ولكم الأجر، ويجزل لنا ولكم المثوبة إنه سميع مجيب.

 

الإمام الجواد عليه السلام وُلِد سنة 195 للهجرة، وانتقل إلى الرفيق الأعلى شهيدًا سنة 220 للهجرة، عن عمرٍ لم يتجاوز 25 سنة. والدته أَمّ ولدٍ من بلاد النوبة، اسمها خيزران، وأبناؤه الإمام الهادي وموسى المبرقع وثلاث بنات أشهرهن حكيمة. وحكيمة هذه سيدة من سيدات بيت النبوة، عُرِفت بجلالة قدرها ومكانتها ورفعتها عند الأئمة، صلى الله عليهم من بعد أبيها، وكانت تُكنّى بالعمّة، وهي من سيدات بيت النبوة رفعةً ومكانةً وعلمًا وفضيلةً. لا أطيل عليكم، فلقد بيّن الخطباء، جزاهم الله خيرًا، الكثير من فضائل الإمام عليه السلام ومواقفه وكراماته ومعاجزه، ولكن تبركًا ننقل هذه الكلمات المروية عن الإمام عليه السلام وهي من حكمه، وكل كلامه حكمة. فقد رُوِي عنه عليه السلام أنه قال في كلمةٍ جميلةٍ موجزةٍ في مكارم الأخلاق: "حسب المرء من كمال المروءة تركه ما لا يجمل به".

 

ينبغي للإنسان أن يتحلى بالمروءة، والمروءة تختلف من إنسان إلى إنسان قوةً وضعفًا. فكل إنسان بحسب مكانته ومنزلته في المجتمع، بل ومكانته كذلك في أسرته. حسب المرء من كمال المروءة تركه ما لا يجمل به. فعالم الدين ينبغي له أن يتحلى بمروءة تليق بمكانته ومنزلته في المجتمع، وتمثيله لمقام الشريعة الإسلامية، الداعية إلى الله سبحانه وتعالى، والرادود كذلك، وخطيب المنبر الحسيني كذلك، ومدير مثلاً المدرسة ينبغي له أن يتحلى بمروءة معينة، وهكذا مدير المستشفى والطبيب، مدير شركة وما شابه ذلك. مسؤول مثلاً معين، حتى بالنسبة مثلاً في السلك العسكري، الضابط ينبغي أن يكون لديه من المروءة أعلى وأرفع مستوى ممن هو دونه من الرتب العسكرية الأخرى. وهكذا كل إنسان حسب منزلته، ورب الأسرة كذلك ينبغي أن يتحلى بمروءة تليق به كأب ومربٍّ وموجّه في الأسرة، فلا ينبغي مثلاً بربّ الأسرة إذا كان، وخصوصًا إذا كان عنده أبناء وبنات، أن يجلس معهن بلباس غير لائق لكي يحتشمن هنّ كذلك. وبالتالي لكل مكان أيضًا لباس، ولكل مجتمع لباس، ولكل مكان زينة. وللمسجد مروءة معينة، زينة معينة للمسجد أيضًا تختلف عن أي مكان معين. فالشاب الذي يذهب إلى الملعب بالشورت مثلاً، ذاك لباس الملعب، ولا ينبغي أن يأتي بذلك اللباس إلى المسجد. فإذًا لكل مكان أيضًا لباس معين وزي معين. إذاً المروءة تختلف باختلاف المكان وباختلاف الشخص بحسب موقعه ومنزلته. "حسب المرء من كمال المروءة تركه ما لا يجمل به". وهذا طبعًا ما ذكرت مثالاً في اللباس كذلك في الكلام مثلاً، نفرض عالم دين جالس وأفرض مع مجموعة ويقهقه في الضحك وما شابه ذلك، أو يأتي مثلاً أمام الناس الآخرين بنكات لا تليق به كمربٍّ وموجّه أمام مريديه، أو يأتي للناس بما يكرهون. أنت تكره ذلك فينبغي بك أن لا تلقاهم بما تكره أنت، أنت لا تحب ذلك، أن تلقى الناس بشيء تكرهه ولا تحبه. "ومن عقله حسن رفقه"، كمال العقل حسن الرفق بالآخرين، أما أن الإنسان الذي مثلاً يكون رب أسرة أو مدير أو مسؤول أو ما شابه ذلك، أو إمام مسجد يصير مثلاً فظًا غليظًا، هذا غير صحيح. هذا خلاف العقل أن يتصرف الإنسان بتلك الكيفية. "ومن عقله حسن رفقه، ومن أدبه أن لا يترك ما لابد له منه"، من الأدب ألا تترك ما لابد لك منه. فهذه من الأدب مثلاً، أنت كانسان مؤدب في المجتمع في الأسرة ألا تترك الأمور التي لابد لك منها، مثلاً من زيارة إخوانك الذين لابد لك من تعزيتهم، أو مثلاً التبريك لهم في المناسبات أو ما شابه ذلك من الأمور التي لابد لك منها. "ومن عرفانه علمه بزمانه"، العارف هو العالم بزمانه وبملابسات زمانه الذي لا تلتبس عليه الأمور.

 

"ومن ورعه غض بصره وعفة بطنه"، الإنسان الورع يغض بصره عمّا لا يحل النظر إليه، ويعف بطنه عن الشبهات وعن المحرمات. "ومن ورعه غض بصره وعفة بطنه، ومن حسن خلقه كفّ أذاه"، الإنسان حسن الخلق لابد أن يكون كافيًا الأذى عن الآخرين. أما والله هذا إنسان يقول هذا أخلاق ما شاء الله، وهو يغتاب ويبهت وما شابه ذلك وإلى آخره في الآخرين. هذا يؤذي الآخرين من جهة، يجيب نكات وما شابه ذلك ويضحك الآخرين، ومن جهة أخرى يغتاب ويبهت ويظلم، والخ. "ومن حسن خلقه كف أذاه"، حسن الخلق ليس فقط بالضحك والابتسامة، وإنما بكف الأذى عن الآخرين. "ومن سخائه برّه بمن يجب حقه عليه، وإخراج حق الله من ماله"، الإنسان السخي الذي قال عنه هذا إنسان سخي كريم أن يبرّ بمن يجب حقه عليه، هناك أناس لهم حقوق عليك تبرّهم ولا تنساهم من فضلك، وتخرج حقوق الله سبحانه وتعالى المالية التي تجب عليك. "ومن إسلامه تركه ما لا يعنيه، وتجنبه الجدال والمراء في دينه"، من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، الإنسان المسلم الذي حسن إسلامه لا يتدخل في أمور لا تعنيه، ويتجنب الجدال والمراء في دينه، لا يجادل في أمور دينه، بل يسلم تسليمًا إلى دين الله سبحانه وتعالى. وهنا أود أن ألفت الشباب إلى بعض الأسئلة التي يسألونها والتي ليست في محلها، أحيانًا يسأل أسئلة لا محل لها، وكثير من الأمور ينبغي للإنسان أن يسلم بها تسليمًا وإذعانًا لله سبحانه وتعالى. يقول العلماء، وخصوصًا في مباحث علم الأصول، إن الله سبحانه وتعالى يريد أحيانًا أن يتعبد عباده بحق الطاعة، يعني يريد أن يرى العبودية لله، مو كل شيء أسأل هذا ليش! وليش الله أمر بكذا وكذا وليش الله قال كذا وليش هلمّ جرًّا وكل شيء تعال أسأل عنه ليش ليش ليش.

 

يا أخي اخضع وتعبّد وامتثل لأمر الله، وقل سمعًا وطاعة لما أمر الله سبحانه وتعالى. أما كل شيء تسأل عنه، حتى أحيانًا السؤال يكون في غير محله. واحد سألني: ليش نحن؟ ليش جاءت زيارة الإمام الرضا يوم 25 من ذي القعدة (يوم دحو الأرض)؟ ليش جاءت زيارة الإمام الرضا؟ قلت له: لا أدري، هكذا ورد أن هذا اليوم يزار فيه الإمام الرضا، أما ليش؟ لا أدري، أخذها تعبدًا، (أزور) إن هذا اليوم يزار فيه الإمام الرضا، أزور الإمام الرضا. أما ليش؟ تعال، كل شيء ليش! هنا لا ينبغي للمؤمن أن يسأل عن كل شيء ليش؟ ولماذا؟ بل ينبغي به أن يسلّم ويذعن لكثير من الأمور، لأمر الله سبحانه وتعالى. الله يريد منك ذلك، يريد منك إظهار حق الطاعة له سبحانه وتعالى.

 

"ومن صبره قلة شكواه"، الصابر لا يشتكي. والله المعاش ما يكفي، المعاش ما يجي كذا إلا خلّص، وما شابه ذلك، وما عندنا شيء، ومرة يتشكى من قلة المعاش، ومرة يتشكى من مرض، وما تأتي له، إلا سرد عليك قائمة طويلة مما يعاني منه، ومن ومن.. يا أخي اصبر، وارض بما قسم الله سبحانه وتعالى، وكن من الشاكرين، وانظر إلى من هو دونك، "ومن صبره قلّة شكواه". يصبر على ما يصيبه من ضيق في المعيشة، أو من بلاء وابتلاء في بدنه أو غير ذلك، يصبر على ما ابتلاه الله سبحانه وتعالى "ومن صبره قلة شكواه، ومن عقله إنصافه من نفسه". العاقل ينصف من نفسه، إذا أخطأت قل نعم أنا أخطأت، قل أنا أخطأت وينصف من نفسه "ومن عقله إنصافه من نفسه، ومن حلمه تركه الغضب عند مخالفته" إذا خالفوك في الرأي أو في المواقف لا تغضب، خولفت في كلام خولفت في موقف لا تروح تواجه بعصبية، ـ هاه وخالفوك خير يا طيرـ "ومن حلمه تركه الغضب عند مخالفته، ومن إنصافه قبول الحق إذا بان له" الإنسان المنصف إذا بان له الحق يذعن ويقول نعم الحق معك، كنت في نقاش مع شخص معين وتبين لك أن الحق مع زميلك الذي يناقشك؛ فأذعن وقل له نعم الحق معك، كما يُروى عن أحد العلماء الأجلاء ذهب مع جمع من تلامذته لزيارة أحد العلماء فطرحت مسألة وصار فيها النقاش وتبين أن الحق مع ذلك الـمَزُور الذي ذهبوا إلى زيارته، فأذعن ذلك العالم له وقال له نعم الحق معك ولما خرجوا قال له تلامذته لا يليق بك أن تذعن أمام ذلك الشخص وتقول له الحق معه، بل جادل وجادل وما شابه ذلك واخرج وأنت مرفوع الرأس في الجدال، فرد عليهم: لئن أكون ذنبًا في الحق خير لي من أن أكون رأسًا في الباطل. تبغوني أصير رأس في الباطل أو أكون ذنبًا في الحق، أتبعه في الحق ولا أكون رأسًا في الباطل، "ومن إنصافه قبول الحق إذا بان له، ومن نصحه نهيه عمّا لا يرضاه لنفسه" ما لا ترضاه لنفسك انصح الآخرين بتركه، "ومن حسن جوارك تركه توبيخك عند إساءتك مع علمه بعيوبك" من حسن الجوار تركك توبيخ الجار حتى مع إساءة الجار لك، مع علمه بعيوبك، الآن زماننا نحن هنا يا ما شاف من جاره شيء مباشرة راح اشتكى عليه، مباشرة راح اشتكى عليه، "ومن حسن جوارك تركه توبيخك عند إساءتك مع علمه بعيوبك"، والله إذا أنت جاره بعد وعرف بعض عيوبك وراح جارنا فلان ترى يفعل كذا وكذا يسوي كذا وكذا جيراننا كذا وكذا وينشر عيوب جاره، "ومن شكره معرفته إحسان من أحسن إليه" من أحسن إليك احفظ له إحسانه، أحسن إليك أخوك زميلك أي واحد من الناس اشكر له ذلك الإحسان واعرف له ذلك الجميل ولا تنساه، لا تنسى وتنكره بعد، يجيلك ويقول لك اقرضني مبلغًا وهو بأمس الحاجة، فتقوم تقرضه، بعدين لا يؤدي إليك وإذا بعد طالبته قال لك روح مالك شيء عندي، ينكرك بعد وينساك، هذا رد الإحسان، هذه المروءة، هذا من الأدب، "ومن شكره معرفته إحسان من أحسن إليه، ومن صداقته موافقته لك وقلة مخالفته، ومن سلامته قلة حفظه لعيوب غيره وعنايته بإصلاح عيوبه"، إنما يعتني بإصلاح عيوبه ويهتم بعيوبه، وقبل أن ينظر إلى عيوب الآخرين ينظر إلى عيوبه ويسعى في إصلاح نفسه. هذه مجموعة من مكارم الأخلاق قالها الإمام الجواد عليه السلام في هذه المقطوعة الأدبية الأخلاقية الرفيعة المليئة بالحكم والمواعظ وكل واحدة منها تحتاج إلى كلمة بل تحتاج إلى بحث مستقل. سردتها عليكم سريعًا، ولكن كل واحدة منها تحتاج إلى محاضرة كاملة.

 

أسأل الله أن يوفقنا للتمسك بإمامته وإمامة آبائه وأبنائه الطاهرين والسير على نهجهم، وأن يجعلنا من المتمسكين بولايتهم. لقد كان عليه السلام وحيدًا في ذلك البيت، أغلقوا عليه الأبواب وظل عليه السلام يتقلب على فراش مرضه إلى أن فاضت روحه المقدسة. وإماماه وسيداه، اللهم صلّ على محمد بن علي بن موسى علم التقى ونور الهدى ومعدن الوفاء وفرع الأزكياء وخليفة الأوصياء وأمينك على وحيك، اللهم فكما هديت به من الضلالة، واستنقذت به من الحيرة، وأرشدت به من اهتدى، وزكيت به من تزكى، فصلّ عليه أفضل ما صليت على أحد من أوليائك وبقية أوصيائك إنك عزيز حكيم. ألا وإنّ أبلغ الحديث وأحسنه كتاب الله، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم: "إنا أعطيناك الكوثر * فصل لربك وانحر * إن شانئك هو الأبتر".

 

 

الخطبة الثانية:

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي بطن خفيات الأمور، ودلت عليه أعلام الظهور، وأشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا صلى الله عليه وآله عبده ورسوله. اللهم اجعل أفضل صلواتك ونوامي بركاتك وشرائف تحياتك على نبيك وصفيك وخيرتك من خلقك، أشرف الأنبياء والمرسلين، حبيبك من العالمين، أبي القاسم محمد صلى الله عليه وآله، وصلِّ على علي أمير المؤمنين، وصلّ على الصديقة الطاهرة فاطمة سيدة نساء العالمين، وصلّ على سبطي الرحمة وإمامي الهدى الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة، وصلّ على أئمتنا الهداة المهديين من ذرية الحسين السجاد علي والباقر محمد والصادق جعفر والكاظم موسى والرضا علي والجواد محمد والهادي علي والزكي الحسن والخلف الحجة المهدي بن الحسن حججك على عبادك وأمنائك في بلادك. اللهم صلِّ عليهم صلاة كثيرة، اللهم وثبتنا على ولايتهم والبراءة من أعدائهم، إله الحق آمين. عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله.

 

أيها الإخوة الكرام، يطل علينا هذه الليلة شهر ذو الحجة الحرام، وهو من الأشهر الحرم وكذلك من أشهر الحج الثلاثة، فأشهر الحج ثلاثة، والأشهر الحرم أربعة، وهذا هو ثاني أشهر الحرم. هذا الشهر كله مناسبات وكله أيام فضل، فيبتدئ بالأيام الأول العشر الأوائل التي جاء في بعض الروايات أنها الأيام العشر التي أتمها الله لنبيه موسى عليه وعلى نبينا السلام، بعد أن واعده 30 ليلة ثم أتمها له بعشر فتم ميقات ربه 40 ليلة. إن هذه العشر هي العشر الأوائل من شهر ذي الحجة، وفي شرعنا الإسلامي الحنيف، إن هذه العشر الأوائل يستحب صيامها، وهي أيام ذات فضل فيها يوم عرفة، وفيها كما جاء في الروايات زواج علي عليه السلام من فاطمة الزهراء سلام الله عليها. فأيام هذه الأيام العشر الأوائل فضلها عظيم وشرفها كبير، وقد جاء في الدعاء "اللهم هذه الأيام التي فضلتها على غيرها من الأيام وقد بلغتنيها بمنك ورحمتك" إلى آخر الدعاء. وجاء في الرواية "ما من أيام العمل فيها أحب إلى الله من أيام هذه العشر"، ففضلها عظيم وشرفها كبير، يستحب صيامها والقيام فيها والدعاء والمناجاة والتسبيح وقراءة الأدعية الواردة في هذه العشر ذات الفضل العظيم. وفي هذا الشهر كذلك زيارة الحسين عليه السلام وهي من أفضل زياراته في يوم عرفة، بل جاء في الروايات أن من فاته الحج فليعرف على قبر الحسين عليه السلام.

 

وفي هذا الشهر أيضًا كذلك يستحب في يوم العيد الأضحية، وهي من السنن المؤكدة كثيرًا، وقد حثت الروايات الواردة عن رسول الله وأهل البيت عليهم السلام عليها كثيرًا، يستحب للمؤمن في يوم العيد يوم العاشر وإن لم يكن في العاشر ففي الحادي عشر أو الثاني عشر أو الثالث عشر أن يضحي، يعني له أربعة أيام يستحب له أن يضحي فيها، بأضحية يذبحها ويقول اللهم هذه عن نفسي وعن أهل بيتي ويقسمها ثلاثة أقسام، ثلث يأخذه لنفسه إلى بيته وعياله، وثلث يتصدق به على الفقراء، وثلث يهديه إلى من يحب من إخوانه وأرحامه. وفي هذا الشهر كذلك مناسبة الغدير، وما أدراك ما الغدير بيعة علي أمير المؤمنين عليه السلام، وفيه المباهلة يوم المباهلة، وما أدراك، وفيه يوم التصدق بالخاتم، وفيه وفيات الأئمة، صلوات الله عليهم، الإمام الباقر والإمام الجواد على رواية كذلك، وفيه يوم خروج الإمام الحسين عليه السلام من مكة إلى كربلاء، وفيه فريضة الحج الأكبر، وما أدراك.

 

وأنهي كلامي بكلمة موجزة إلى الإخوة المؤمنين المتوجهين إلى حج بيت الله الحرام، وأقول لهم: أيها الإخوة الحجيج، أولاً ينبغي بكم أن تتوجهوا إلى الله بقلوب مليئة بالشوق إلى الله وإلى لقاء الله سبحانه وتعالى، فقد اختاركم الله من بين خلقه لتكونوا من وفده، ومن حجاج بيته الحرام في هذا العام. حينما رفعت الأكف متضرعة لله سبحانه وتعالى بأنكم تسألون الله أن يرزقكم حج بيته الحرام، فاستجاب الله لكم ذلك الدعاء وجعلكم من وفده؛ فينبغي بكم أن تحمدوا الله سبحانه وتعالى على تلك النعمة العظيمة وذلك الفضل الكبير، وأن تراعوا حرمة تلك الأماكن المقدسة، وتذهبوا بقلوب ملؤها الإيمان والخشوع، وأن تراعوا الأنظمة هناك، وأيضًا تراعوا كذلك كونكم حجاج بيت الله الحرام، تراعوا السلوك والآداب في طوافكم في سعيكم في مواقفكم هناك.

 

إذا طفتم في بيت الله تطوفوا بتذلل وخشوع وإجلال وإعظام لله وللبيت الحرام، ولا تكونوا كأولئك الذين لا يعرفون حرمة ذلك البيت، يأتون في الطواف وكأن الطواف لهم فقط، يدفعون هذا ويدفعون ذاك، وكأن المطاف لهم لوحدهم. وهم الالتزام بلبس الكمامات وأخذ التطعيمات اللازمة، ويراعي ذلك مراعاة جيدة. أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفق الحجيج لما يحب ويرضى، وأن يشركنا في دعائهم الصالح، وأن يتمم لهم مناسكهم ويرجعهم سالمين غانمين إنه سميع مجيب.

 

جميعًا في يوم الدعاء وساعة الدعاء ومكان الدعاء، نرفع أيدينا متضرعين لله بالدعاء. اللهم صلِّ على محمد وآل محمد، اللهم بحق محمد وآل محمد وبحق القرآن العظيم وما فيه، صلِّ على محمد وآل محمد واغفر لنا ذنوبنا كلها جميعًا، فإنه لا يغفر الذنوب كلها جميعًا إلا أنت. اللهم اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات. اللهم انصر الإسلام والمسلمين، اللهم اجعل كلمة الإسلام هي العليا، وكلمة الكافرين السفلى، اللهم وعجل لولي أمرك الفرج والنصر والعافية، إله الحق آمين.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: "والعصر * إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر". إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون. وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.