علمٌ وفكر

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد محمد حسين الطبطبائي
عن الكاتب :
مفسر للقرآن،علامة، فيلسوف عارف، مفكر عظيم

رسالة في أسماء الله سبحانه وتعالى (3)

المبحث الرابع في الاعتبارات وحيثيات الأسماء

 

وجل هذه الأسماء مشتملة على معان ثبوتية غير أن بينها ترتبًا كما مرّ إجماله فهو تعالى من حيث أن ذاته المقدسة غير متألفة من أجزاء عقلية ولا وهمية ولا خارجية فهو بسيط الذات أحد وهذه اللفظة لا يستعمل في الإثبات من غير إضافة إلّا فيه سبحانه قال تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ولا يقال: جاءني أحد البتة، ويقال: ما رأيت أحدًا فينتفي حينئذ الواحد والاثنان والجماعة، بخلاف ما رأيت واحدًا فإنه لا ينتفي حينئذ إلّا الواحد دون الاثنين والجماعة فيظهر أن الأحد في اللغة وحدة لا تأبى عن الاجتماع مع الكثرة بخلاف الواحد فهما كاللابشرط وبشرط لا فالأحد وحدة صرفة لا يقع في قبالها كثرة لا اثنان ولا جمع فهو بسيط الذات ولذلك لم يصح استعماله في الإثبات إلّا فيه سبحانه لصرافة وجوده وبساطته وتركب وجود غيره فغيره تعالى إذا أخذ واحدًا لم يكن كثرة ذاته منظورا فيه وإذا أخذ جزء الكثرة انمحت وحدته وأما هو تعالى فلا يتصور في ذاته كثرة البتة هذا.

 

ومن هنا يصح استعمال أحد في الإثبات إذا أضيف نحو هو أحد القوم فافهم. وهو سبحانه من حيث أنه ليس له شريك ولا صاحبة ولا ولد، ومن حيث أن جميع أسمائه شيء واحد هو الذات وأن تعددت مفاهيمها فهو واحد.

 

ومن حيث إن ذاته ثابتة بذاته وفي ذاته وعلى جميع التقادير حق. وهو تعالى من حيث حضور ذاته لذاته وانكشافه له وحضور الموجودات عنده عالم وعليم. والعليم من حيث كونه موجودًا عند جميع جهات ذات المعلوم محيط. ومن حيث كونه حاضرًا هناك شهيد. وإذا نسبه إلى الغيب علام الغيوب. وإذا انتسب إلى جميع الغيب والشهادة فهو عالم الغيب والشهادة. وإذا لوحظ نسبته إلى المبصرات فهو بصير أو إلى المسموعات فهو سميع.

 

ومن حيث تحفظه على المشهودات حفيظ. والعليم من حيث إحصائه المعلومات حسيب. ومن حيث تعلقه بالدقائق خبير. ومن حيث إتقانه معلوماته حكيم. وهو تعالى من حيث مبدئيته لغيره وهي كون وجود ذاته عين الوجود وصرفه يبتدي منه وينتهي إليه كلما فرض غيره قادر وقدير. والقادر من حيث أن إفاضته الوجود من غير اقتضاء من الغير وإيجاب رحمن.

 

وهو من حيث أنه مفيض لذات الغير الباري. ومن حيث أنه جامع بإفاضته لخلق ذاته وأجزائها خالق. ومن حيث رحمته الخاصة وهو السعادة رحيم. والرحيم من حيث إفاضته لكل دقيق لطيف. ومن حيث أنه رحيم ولطيف رؤوف. ومن حيث يحب ما تعلق به رحمته ودود. ومن حيث عدم توقعه في إيصال الرحمة الجزاء كريم. والكريم من حيث يجازي بالجميل من يثني عليه شاكر وشكور.

 

ومن حيث لا يجازي من أساء عليه بتعجيل العقوبة حليم. ومن حيث ستره موانع الإفاضة عفو وغفور كل باعتبار. ومن حيث قبوله وعدم ردّه من به ذلك وقد آب إليه تواب وقابل التوب. ومن حيث إجابته لما يسأله الغير مجيب. والقادر الخالق من حيث أن ما لمقدوره الممكن فله وهو معه محيط والمحيط من حيث قربه قريب. ومن حيث أنه محيط لا يخلو منه شيء أول يبتدئ منه الشيء وآخر ينتهي إليه الشيء وظاهر يظهر به الشيء وباطن يقوم به الشيء.

 

والقادر الخالق المحيط من حيث أنه يمحو ما يتصور من المقاومة ويستهلك المحاط المقدور عليه ولا تبطل قدرته فيما تتعلق به ولا تزلزل قدرته واحاطته غالب قاهر قوي متين كل باعتبار. وما هذا صفته إذا نسب إليه المقدور بحقارته فهو عظيم كبير أو نسب إليه بدناءته فهو علي أعلى متعال. وإذا توهم من المقدور مقاومة ومنه اعمال مقدرة وإحاطة فهو مقتدر. وإذا زيد على ذلك المجازاة فهو ذو انتقام. ومن هذا كلّه وصفه فهو مجيد.

 

وإذا انعكس وصفه الكذائي لذاته فهو متكبر. وإذا لوحظ القادر الخالق الرحمن من حيث إنه يوصل كلا إلى كماله برحمته فهو رب. والرب من حيث إنه يفطر الوجود من العدم فاطر. ومن حيث أن أمره أعجب الأمور بديع. ثم فالق الحب والنوى وفالق الإصباح أي الصبح إذا طلع وهو اسم جزئي. ومن حيث أنه يفيض الأمن عن وحشة ظلمات العدم وكل نقيصة ومحذور مؤمن. ومن حيث أنه يفيض ما لا يسوء سلام.

 

ومن حيث أن ما يفيضه عطية من غير غرض فهو وهاب. ومن حيث أنه يفيض ما يدوم به بقاء الموجودات بعد إحداثها فهو رازق. ومن حيث أن عطاءه لا يوجب نقصًا فيه فهو واسع. ومن حيث أنه هو المؤجل لعطياته فهو مقيت. ومن حيث أن أعظم الثناء عليه هو ما يفيضه من رحمته فهو حميد. ومن حيث أنه يجبر كل كسير ويتم كل منقصة في خلقه فهو جبار. ومن حيث أنه يقوّي كل مغلوب فهو نصير.

 

ومن حيث أنه يلي أمر مخلوقه الذي لا يقدر ولا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا ولا موتًا ولا حياة ولا نشورًا فهو ولي ومولى ووكيل كل من وجه. ومن حيث أنه يقبض الحياة فهو محيي. ومن حيث أنه يفيض الصور فهو مصور. ومن حيث أن ذلك كلّه منه إحسان فهو بر. ومن حيث أن الرب به يظهر كل ما في الوجود فهو نور ثم هو مبين. ومن حيث أن له كل شيء وهو يدبره فهو ملك ذو العرش.

 

ومن حيث أن عنده ما عند كل شيء من غير عكس فهو عزيز. ومن حيث أنه لا يحتاج إلى شيء ولا إلى ما عند شيء فهو غني. ومن حيث أن الرب ملك ذو العرش ليس غيره فهو أحكم الحاكين خير الفاصلين والحاكمين والفاتحين. ومن حيث أن الرب يصمد ويرجع إليه المربوبون في حوائجهم فهو صمد. والصمد من حيث يطلب منه الراجعون عونه وإعانتهم فهو مستعان. والرب من حيث يعبد بالتوجه إليه إله.

 

ثم أن ما مرّ من الأسماء غير ثلاثة منها وهو الواحد الأحد الحق واقعة تحت الاسمين القادر العليم وهما إذا نسبا معًا إلى الغير كانت القيومية فهما تحت الاسم القيوم وهو تعالى بما أنه عليم قدير في ذاته فهو حي: فسيطرة الاسمين الحي القيوم واقعة على جميع الأسماء الثبوتية غير الوحدة قال تعالى: اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ. فبالتوحيد في الآية يتم شمولها لجميع الأسماء الثبوتية.

 

وأما السلوب وانتفاء النواقص والإعدام فيجمعها الاسم القدوس. ويجمع الكل أعني الأسماء الثبوتية والسلبية والجلال والجمال والذاتية والفعلية جميعا الاسم ذو الجلال والإكرام تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ فهذا نوع تفرع الأسماء بعضها على بعض والترتب والتنزل الذي بينها وربما أمكنك بالتدبر والتأمل أن تجد بينها مناسبات معنوية أخرى غير ما ذكرناه توجب تفرعات أخرى وهاك فيما مرّ شجرة.

 

وأجمع خبر لجميع معاني المباحث السابقة ما في الكافي مسندًا عن إبراهيم بن عمر عن الصادق (عليه السّلا ) أن الله تبارك وتعالى خلق اسمًا بالحروف غير متصوت وباللفظ غير منطق وبالشخص غير مجسد وبالتشبيه غير موصوف وباللون غير مصبوغ منفي عنه الأقطار مبعد عنه الحدود محجوب عنه حس كل متوهم مستتر غير مستور فجعله كلمة تامة على أربعة أجزاء معًا ليس واحد منها قبل الآخر فأظهر منها ثلاثة أشياء لفاقة الخلق إليها وحجب واحدًا منها وهو الاسم المكنون المخزون بهذه الأسماء الثلاثة التي أظهرت فالظاهر هو الله وتبارك وسبحان لكل اسم من هذه أربعة أركان فذلك اثنا عشر ركنًا ثم خلق لكل ركن منها ثلاثين اسمًا فعلاً منسوبًا إليها فهو الرحمن الرحيم الملك القدوس الخالق الباري المصور الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم العليم الخبير السميع البصير العزيز الجبار المتكبر العلي العظيم المقتدر القادر السلام المؤمن المهيمن البارئ المنشئ البديع الرفيع الجليل الكريم الرازق المحيي المميت الباعث الوارث فهذه الأسماء وما كان من الأسماء الحسنى حتى تتم ثلاثمائة وستين اسمًا فهي نسبة لهذه الأسماء الثلاثة وهذه الأسماء الثلاثة أركان وحجب للاسم الواحد المكنون المخزون بهذه الأسماء الثلاثة وذلك قوله عزّ وجلّ: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى .

 

وهو من غرر الأحاديث يشتمل على وجازته. على كيفية حقيقية الأسماء وقيام حقائق بعضها ببعض بالظهور وبالبطون. وعلى كيفية تكثّرها وتكثر الأسماء الخاصة بنسب الأسماء العامة. وعلى كيفية فاقة الخلق إليها وهو احتياجهم في ذواتهم إليها وقيام وجودهم بها. وعلى أن هذا الترتب والتنزل أمر حقيقي ليس بالاعتبار اللغوي الأدبي فحسب.

 

وقوله (صلّى اللّه عليه وآله): إن الله خلق اسمًا . . . الخ يريد به التعين والتنزل الأول عن الإطلاق الذاتي الذي ينمحي هناك كل اسم ورسم وعين وأثر وهو المورد الوحيد الذي وجدنا فيه إطلاق لفظ الخلق في مرحلة الأسماء والمراد به ما عرفت ويشهد به أنّه (عليه السّلام) عدّ اسم الخالق في ذيل الحديث من جملة الأسماء الفرعية.

 

ويظهر منه أن المراد بالاسم الواحد المكنون المخزون هو مقام الأحدية إذ هو المحجوب بهذه الأسماء الثلاثة التي هي الله وتبارك وسبحان وهي الهوية والجمال والجلال إذ الخلق محتاجون في تحقق أعيانهم وصفاتهم وأفعالهم إلى هذه الجهات الثلاث من الهوية وصفات الثبوت وصفات السلب وأما إذا لوحظ الخلق بالنسبة إلى مقام الأحدية ففيه ارتفاع موضوعهم من الأعيان وآثارها كما لا يخفى وقد عبر (عليه السّلام) في مبتدأ كلامه عنه سبحانه بهذه الأسماء الثلاثة أيضًا فقال: «إن الله تبارك وتعالى» ثم فسر (عليه السّلام) قوله تعالى: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى، بما ذكره من احتجاب الاسم الواحد بالأسماء الثلاثة وتفرع باقي الأسماء على الثلاثة الحجب وهو ظاهر في أن الضمير في قوله تعالى: فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى، راجع إلى هذا الاسم المكنون المخزون أي راجع إليه سبحانه من حيث أنه متعين بهذا التعين الأحدي إذ الدعاء توجه ما وهو لا يكون إلّا إلى متعين متبين وإذ بيّن سبحانه أن جميع الأسماء الحسنى له وبأي دعا دعا، فالدعاء بجميع الأسماء التي لها تعين ما والمدعو هو الذات من حيث تسميته بها أي هذه الأسماء وهي قائمة بالذات والذات لا نسبة له مع شيء إلّا مع تعين ما وقد فرض جميع التعينات في ناحية الدعاء فلم يبق إلّا تعين هو عين الإطلاق وهو مقام الأحدية إليه ينتهي السائرون بعد طي مراحل الأسماء وعنده تحل الرحال فافهم.

 

إلى ذلك يشير ما في بعض الأدعية قال (عليه السّلام): باسمك المكنون المخزون الحي القيوم. الدعاء. وأنت بعد التدبر فيما مرّ من الكلام يمكنك أن تستخرج معاني أخر من هذا الحديث الشريف والله الهادي.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد