المبحث الخامس
قد عرفت أن ذاته سبحانه هي الهوية الحقيقية العينية التي تقوم وتظهر به كل هوية في الأعيان، ومن هنا يظهر أن الأسماء الثلاثة التي للخطاب والتكلم والغيبة وهي أنت وإنا وهو ثابتة أسماء له تعالى فإنها أسماء للهوية باعتبار الخطاب والتكلم والخلو عنهما وقد قال سبحانه: لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ، وقال تعالى: لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي، وقال تعالى: اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ، وقال تعالى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، وقال تعالى: وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ.
وأما اسم الإشارة والموصول فقد ورد الإطلاق لكن لم يتعرض أحد بالاسمية فيها قال تعالى: ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ، وقال تعالى: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ، وقال: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ.
المبحث السادس
قد شاع في الألسن أن أسماء الله تعالى توقيفية وقد أرسلوه إرسال المسلمات وليس المراد بالاسم هاهنا حقيقته وهو الذات المأخوذ بوصف ما لعدم رجوعه حينئذ إلى معنى محصل بل المراد به الاسم اللفظي وهو اسم الاسم حقيقة وحينئذ فالمراد من التوقيف أما التوقيف على الرخصة الشرعية الكلية أو الشخصية فيمكن توجيه القاعدة بوجهين:
أحدهما أن معاني الألفاظ على المتداول المفهوم عندنا حيث لم تخل عن جهات النقص والإعدام وإن كانت مختلفة من هذه الجهات أيضًا وذلك مثل الإغواء والمكر والحيلة والإضلال ومثل الكبير والجسيم ونحوهما ونحن لا تفي عقولنا بإدراك ما هو اللائق بحضرته المقدسة وتشخيصه وتمييزه عمّا لا يليق احتيج إلى ورود رخصة ما في الإيقاع والإطلاق ولضعف العقول عن الشرح والتفصيل في كل مورد مورد احتيج إلى ورود كل اسم أريد اطلاقه بنحو الاسمية عليه تعالى.
والثاني أن الأمر كذلك، لكن مجرد ضرب القاعدة بقوله تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ، يكفي في مقام التعليم وأن نحذر عن إطلاق ما لا يليق بساحته المقدسة بحسب المعاني المفهومة من الألفاظ الدائرة في لغاتنا هذه.
وهذان وجهان مختلفان بحسب النتيجة فعلى الأول لا يجوز إطلاق الاسم ما لم يرد شرعًا وإن علمنا خلوّه عن جهات النقص والإعدام. وعلى الثاني يجوز ذلك سواء ورد بالخصوص شرعًا أم لا.
والظاهر أن مراد أكثر المتمسكين بهذه القاعدة هو المعنى الأول وهو عليل لقوله تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى، وقوله تعالى:
اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى، وقوله تعالى: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى، وغير ذلك من الآيات التي يأبى سياقها عن الحمل على العهد الذهني بل ظاهرها لام الجنس وقد حل بالجمع فتفيد الاستغراق وإن كل اسم أحسن فله تعالى وقد مرّ تقريبه في الفصول السابقة مع أن مقتضى الاستدلال لزوم التوقف في كل معنى يطلق بلفظ ما عليه تعالى أعم من أن يكون بنحو الإفراد والتسمية أو بنحو التوصيف أو الحكاية بجملة أو كلام تام كما لا يخفى.
وأما ما ورد من الروايات أن لله سبحانه تسعة وتسعين اسمًا كما مرّ نقلها فليس في مقام الحصر من حيث العدد. ويشهد بذلك أن الأسماء التي درجت فيها وذلك في روايتين منها مختلفة متفاوتة وقد أهمل فيهما شيء كثير من الأسماء الواردة في القرآن كما مرّ.
ويشهد بذلك أيضًا أن الرواية الأخرى وهي رواية الكافي في خلق الأسماء المنقولة سابقًا تثبت من الأسماء الحسنى ثلاثمائة وستين اسمًا بل ظاهر هذه الرواية أن الأسماء الحسنى غير مقصورة على مجرد ما يفيد التسمية من الأسماء كالرحمن الرحيم الملك، بل يعم الجمل التي تفيد بمجموع ألفاظها بمعنى لا يقال له تعالى فإنها عدّت من الأسماء الحسنى لفظة تبارك وسبحان ولا تأخذه سنة ولا نوم، وإذا صحّ عدّ مثل هذه الجمل من الأسماء الحسنى صح في سائر الجمل التي أطلق عليه سبحانه في الروايات والخطب والمواعظ والأدعية وهي على اختلاف مواردها بحيث لا يشك المتتبع فيها أن هذا النحو من الإطلاق والتوصيف غير موقوف على ورود تحديد شرعي شخصي البتة، وإنما اللازم في مواردها خلوّها عن إثبات النواقص ومنافيات الكمال هذا.
فصل 5
قد عرفت أن الأسماء هي حقائق الكمالات الوجودية وإنها مترتبة متفرعة نشأ بعضها من بعض وظاهر أن الاسم الذي ينشأ منه آخر فهو أوسع دائرة وأرفع محلاًّ وأعظم أثرًا منه ولا يذهب هذا الترتب والتنزل أخذًا من تحت إلى فوق إلى غير النهاية فما ينتهي إليه جميع الأسماء هو أعظم الأسماء وإليه ينتهي جميع الآثار الوجودية التي لها في دار الوجود.
فصل 6
وقد تواترت الآثار من الأخبار والأدعية الصحيحة الواردة عنهم (عليهم السّلام) في وجود الاسم الأعظم وهي على كثرتها لا تحتاج إلى النقل في هذا المختصر وإنما المهم بيان شيء آخر وهو أنك إذا تأملت الأخبار والأدعية وما يثبت فيها من الآثار للاسم الأعظم علمت أنه الاسم الذي يترتب عليه كل أثر متصور من الإيجاد والإعدام من الإبداء والإعادة والخلق والرزق والإحياء والإماتة والحشر والنشر والجمع والفرق وبالجملة كل تحويل وتحول جزئي وكلّي ومن الواضح أن هذه التأثيرات غير مترتبة على اسم لفظي وهو صوت مسموع عرضي قائم بمخارج الفم، فإن بل صادرة من ناحية المعنى وهذا المعنى أيًضا غير مؤثر بما أنه صورة ذهنية خيالية مثلا بالضرورة فإنها مثل اللفظ، على أنها فانية في المصداق الخارجي، على أن هذا المؤثر كائنًا ما كان فهو مؤثر بوجوده العيني ومن المستحيل دخول مثل هذا الوجود في الذهن فليس الاسم المزبور إلّا اسمًا خارجيًّا حقيقيًّا وهو الذات مأخوذًا بوصف فهو بعض مراتب الذات المقدسة نعم هو أرفع المراتب وأعلاها وهذا هو المراد من اسم الله الأعظم الواردة في الآثار هذا.
وفي البصائر مسندًا عن عمار الساباطي قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السّلام): جعلت فداك أحب أن تخبرني باسم الله الأعظم. فقال: إنك لا تقوى على ذلك. قال: فلما ألححت. قال: فكأنك إذًا. ثم قام فدخل البيت هنيئة ثم صاح بي أدخل فدخلت فقال لي: ما ذلك؟ فقلت: أخبرني به جعلت فداك. قال: فوضع يده على الأرض فنظرت إلى البيت يدور بي وأخذني أمر عظيم كدت أهلك، فضحك (عليه السّلام). فقلت: جعلت فداك حسبي لا أريد.
وروي في البصائر أيضًا شبيه القضية عن عمر بن حنظلة وأبي جعفر (عليه السّلام). وروي في البصائر أيضًا مسندًا عن جابر عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: إن اسم الله الأعظم على ثلاثة وسبعين حرفًا، وإنما عند آصف منها حرف واحد فتكلم به فخسف بالأرض ما بينه وبين سرير بلقيس ثم تناول السرير بيده ثم عادت الأرض كما كانت أسرع من طرفة عين وعندنا نحن من الاسم اثنان وسبعون حرفًا وحرف عند الله استأثر به في علم الغيب عنده ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم.
وفي البصائر أيضًا مسندًا عن البرقي يرفعه إلى أبي عبد الله (عليه السّلام) قال: إن الله جعل اسمه الأعظم على ثلاثة وسبعين حرفًا فأعطى آدم منها خمسة وعشرين حرفًا وأعطى منها إبراهيم ثمانية أحرف وأعطى موسى منها أربعة أحرف وأعطى عيسى منها حرفين يحيي بهما الموتى ويبرئ بهما الأكمه والأبرص وأعطى محمدًا اثنين وسبعين حرفًا واحتجب حرفًا لئلا يعلم ما في نفسه ويعلم ما في نفس العباد.
وأنت بعد معرفتك أن للنفس الإنسانية أن تفنى في مرتبة من مراتب الذات ولا يبقى حينئذ إلّا تلك المرتبة تعرف معنى هذه الأخبار ولو كان هناك في الحقيقة لفظ كان حاله حال سائر ألفاظ الدعاء بالنسبة إلى الاستجابة. ومن هنا يظهر أن المراد من الحروف في الرواية ليس هو حروف الهجاء وهو كذلك قطعا فإن الاحتجاب حينئذ غير معقول. ويؤيده ما في الخبر أن أحرف الاسم الأعظم متفرقة في القرآن والإمام يؤلفها ويدعو بها.
وفي العيون وتفسير العياشي: أن بسم الله الرحمن الرحيم أقرب إلى اسم الله الأعظم من ناظر العين إلى بياضها. ومن هنا يظهر معنى ما ورد عن أئمة أهل البيت أنهم (عليهم السّلام) الأسماء الحسنى وأنهم اسم الله الأعظم ويظهر ذلك أيضًا من رواية الكافي السابقة.
وإذا تذكرت تلك الرواية وما ورد في روايات الحجب علمت أن محجوبية الاسم الأعظم واستئثاره في علم الغيب إنما هو لكونه مسلوب التعينات فلا تصل إليه الأيدي إلّا بمسألة الفناء والخلق حينئذ والملك يومئذ لله ولعل هذا هو المراد باستئثار الحرف الواحد والله العالم.
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ محمد جواد مغنية
السيد محمد حسين الطبطبائي
عدنان الحاجي
الشيخ علي رضا بناهيان
السيد عادل العلوي
السيد عباس نور الدين
الشيخ محمد صنقور
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ علي المشكيني
أحمد الرويعي
حبيب المعاتيق
حسين حسن آل جامع
عبدالله طاهر المعيبد
حسين آل سهوان
أسمهان آل تراب
أحمد الماجد
فريد عبد الله النمر
علي النمر
زهراء الشوكان