تعريف البحث لغةً
البحث، (وجمعه بحوث)، أصله في اللغة العربية بمعنى طلب الشيء في التراب1، ومنه قوله تعالى: ﴿فَبَعَثَ اللّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ﴾2.
وتستعمل مفردة البحث أيضاً بمعنى السؤال عن الشيء، والاستخبار عنه، وطلب العلم به3، والتفتيش4، والاستقصاء5، والتنقيب6، والفحص، والتنقير عن الشيء7.
تعريف البحث اصطلاحاً
عُرّف البحث اصطلاحاً بتعريفات متعدّدة متناسبة مع المعنى اللغوي، واستقراء مجموعها8 يفيد في المحصّلة: أنّ البحث عبارة عن بذل جهد فكري منظّم، في دراسة مشكلة أو موضوع ما تفتيشاً، وتحقيقاً، واستقصاءً، وتحليلاً، ووصفاً، ومقارنة، وعرضاً، ونقداً...
بهدف حلّ المشكلة أو تحصيل المعرفة بأحوال الموضوع، وكشف حقائق جديدة عنه، والتأكّد من صحّتها بالبرهنة عليها، وإسنادها بالشواهد والحجج والأدلّة.
ويستخدم بالمعنى الأخصّ في الجامعات، بمعنى التقرير الموضوعي الوافي المسند بالشواهد والأدلّة، الذي يقدّمه الطالب الجامعي، حول موضوع أو مشكلة ما، إلى لجنة متخصّصة، بهدف الحصول على درجة علمية معيّنة: ماجستير، أو دكتوراه9.
وفي هذا السياق، يعرّف كول ArthurCole الرسالة بأنّها: تقرير وافٍ يقدّمه باحث عن عمل تعهّده وأتمّه، على أن يشمل التقرير كلّ مراحل الدراسة، منذ كانت فكرة، حتى صارت نتائج مدوَّنة، مرتّبة، مؤيَّدة بالحجج والأسانيد"10.
تعريف المنهج لغةً واصطلاحاً
المنهج والمنهاج، وجمعه مناهج، معناه لغة: الطريق الواضح11، ونهج لي الأمر: أوضحه12. واستخدم في القرآن الكريم بهذا المعنى، قال تعالى: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجً﴾13.
والمعنى الاصطلاحي يناسبه، لأنّ المنهج اصطلاحاً هو طريقة البحث.
وبعبارة أخرى: هو مجموعة القواعد والأساليب والأدوات العامّة التي تشكّل خارطة الطريق الواجب على الباحث الالتزام بها والسير عليها في دراسته للموضوع ومعالجته للمشكلة البحثية، من أجل التوصّل إلى النتائج والأجوبة المطلوبة، وإيجاد الحلول المناسبة لها.
وقد عُرّف بتعريفات مختلفة، منها:
- فنّ التنظيم الصحيح لسلسة من الأفكار العديدة، إمّا من أجل الكشف عن الحقيقة، حين نكون بها جاهلين، أو من أجل البرهنة عليها للآخرين، حين نكون بها عارفين"14.
- الطريق المؤدّي إلى الكشف عن الحقيقة في العلوم، بواسطة طائفة من القواعد العامّة تهيمن على سير العقل وتحدّد عملياته حتى يصل إلى نتيجة معلومة"15.
- الطريق الذي يسلكه الباحث في إثبات المحمولات لموضوعات القضايا المبحوث عنها في العلم... والأداة المعتمَدة في الكشف عن أحوال وحقائق الموضوعات قيد الدراسة والمعالجة"16.
- الأداة التي يستخدمها الباحث للوصول إلى غرضه أو غايته واكتشاف الحقيقة أو الوصول إلى المعرفة"17.
- الأسلوب أو الطريقة التي يتّبعها الباحث أو العالم في معالجة موضوع بحثه، بهدف الوصول إلى نتائج معيّنة"18.
أنواع البحوث
يميّز علماء البحث العلمي بين ثلاثة أنواع من البحوث، وهي:
1- المقالة:
عبارة عن بحثٍ قصير أو معتدل الطول نسبيّاً، يعالج موضوعاً واحداً على وجه الخصوص، بشكل مركّز ومكثّف. وتصنّف - غالباً - إلى نوعين:
أ- المقالة العلمية، الصادرة عن عالم متخصّص في ميدان من ميادين المعرفة: فلسفة، فقه، أدب، طب، فيزياء...، تسلّط الضوء على موضوع معيّن بشكل مكثّف ومختصر، بهدف المساهمة في نموّ المعرفة الإنسانية وإثراء التقدّم العلمي. ويتوجّه الباحث فيها عادة إلى قارئ لا يملك وقتاً كافياً لمطالعة الأبحاث المطوَّلة، أو يريد نظرة مختصرة عن الموضوع.
ب- المقالة الصادرة عن الطالب الجامعي في مرحلة الليسانس أو البكالوريوس (بحث جامعي). وهي بحث قصير، يُكلّف الطالب بالقيام به، لتمرينه على أصول البحث العلمي، واكتشاف قدرته على استخدام المراجع المتعلّقة بالبحث، وجمع المعلومات منها، ونقلها بأمانة علمية، وتقميشها، وتبويبها، وترتيبها، والتأليف بينها...
2- رسالة الماجستير:
وهي بحث أكاديمي طويل نسبيّاً، يقوم به الطالب لنيل درجة علمية عالية (الماجستير)، بإشراف أستاذ أكاديمي. وتعتبر امتحاناً يعطي فكرة عن مواهب الطالب البحثية، وغالباً ما تتعدّى المدّة الزمنية التي يستغرقها إنجاز البحث، السنة.
3- أطروحة الدكتوراه:
وهي تسمية تطلق على كلّ بحث مسهب يقدّم لنيل شهادة الدكتوراه. ويستغرق إنجازه مدّة زمنية، تتراوح بين الـ3-5 سنوات. ويتميّز هذا البحث بروحه التوثيقية التي تعتمد على مراجع ومصادر كثيرة، وتظهر فيه الآراء العلمية الشخصية للباحث. لذا، تحتاج إلى براعة في تنظيم المادّة وتحليلها، ودقّة في المنهج، بالإضافة إلى حسن الأسلوب والبيان، ومن المفترض أن يقدّم الباحث فيها شيئاً جديداً يساهم في إثراء المعرفة الإنسانية والترقّي العلمي، كما أنّه يعطي فكرة واضحة عن مدى قدرة الباحث على الاستقلال في البحث والتأليف لاحقاً، بنحو يستغني فيه عن توجيه المشرف.
غاية البحث العلمي
بداية، ننبّه إلى ضرورة التمييز بين نوعين من الغايات للبحث العلمي وهي:
الأولى: الغاية الذاتية والشخصية، وهي تختلف من باحث إلى آخر، فقد يبتغي باحث ما مجرّد النجاح وتجاوز المرحلة الدراسية، وقد يقصد باحث آخر الحصول على المال، وثالث إثبات الذات علمياً، ورابع الوصول إلى مركز معيّن، وخامس... وهكذا. وليس هذا النوع من الغايات هو المراد هنا.
الثانية: الغاية الموضوعية، وهي النتائج العلمية المرجوّ تحقيقها والوصول إليها بعد القيام بالجهد البحثي، والمترتّبة على الأفكار والقضايا التي يعالجها البحث ترتّباً موضوعياً طبيعياً، بحيث تكون تلك القضايا بمنزلة المقدّمات التي توصل إلى الغاية المأمولة والهدف المنشود، والتي لا تختلف باختلاف الغايات الشخصية والأهداف الذاتية.
وللبحث غايات عدّة يجمعها انطلاق الباحث من النقطة المعرفية التي انتهى إليها الآخرون، والمراكمة عليها، والعمل على زيادة المعرفة الإنسانية في المجال المبحوث فيه، ويمكن تلخيص الغايات الموضوعية للبحث العلمي في النقاط الآتية:
- تقديم رؤية تأصيلية وتأسيسية حول موضوع من الموضوعات، خصوصاً تلك التي تشكّل تحدّيات في الواقع المعاصر، أو معالجة موضوع إشكالي مُستحدَث يستحقّ الدراسة لاكتشاف حقائق ونتائج جديدة.
- قراءة جديدة للتراث، وفهمه بطريقة مغايرة للطرائق المعروفة، أي استخدام منهج جديد مختلف عن المناهج المستخدمة في دراسة التراث وفهمه.
- اكتشاف عناصر وعوامل وأسباب جديدة غير معروفة في دراسة موضوعات قديمة، أي المراكمة على نظريات غير مكتملة، والمساهمة في تطويرها.
- خلق وابتكار موضوع جديد، من خلال ترتيب وتنظيم معلومات أو مواد متناثرة في موارد مختلفة. وبعبارة أخرى: المعالجة المنظومية لجملة مسائل متفرّقة ومتمحورة حول موضوع واحد، لكنّها مطروحة في التراث بنحو تجزيئي، وإعادة بنائها في مركّب واحد.
- الدراسة المقارنة لتقويم بعض النظريات المطروحة، وتسجيل ملاحظات نقدية عليها، والخروج بنتائج جديدة.
- تحقيق إحدى المخطوطات التي تثري المكتبة العلمية.
ونلمس بعض هذه الغايات في تصريحات بعض العلماء المسلمين، حيث ذكر أنّ رُتب تأليف الكتب سبعة، هي: استخراج ما لم يُسبق إلى استخراجه، وناقص في الوضع يتمّم نقصه، وخطأ يصحّح الحكم فيه، ومستغلق بإجحاف الاختصار يشرح أو يتمّم بما يوضح استغلاقه، وطويل يُبدّد الذهن طوله يختصر من غير إغلاق ولا حذف لما يخلّ حذفه بغرض المصنّف الأوّل، ومتفرّق يجمع أشتات تبدّده على أسلوب صحيح قريب، ومنثور غير مرتّب يرتّب ترتيباً يشهد صحيح النظر أنّه أولى في تقريب العلم للمتعلّمين من الذي تقدّم في حسن وضعه وترتيبه وتبويبه"19.
ـــــــــــــ
*جمعية المعارف
1- الفراهيدي، الخليل بن أحمد، العين، تحقيق مهدي المخزومي وإبراهيم السامرائي، إيران، مؤسسة دار الهجرة، 1409هـ، ط2، ج 3، ص 207.
2- سورة المائدة، الآية 31.
3- ابن فارس، أحمد، معجم مقاييس اللغة، تحقيق عبد السلام محمد هارون، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، 1404هـ، لا ط، ج 1، ص 204.
4- الجوهري، إسماعيل بن حماد، الصحاح -تاج اللغة وصحاح العربية، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، بيروت، دار العلم للملايين، 1407هـ-7891م، ط4، ج 1، ص 273.
5- الطريحي، فخر الدين، مجمع البحرين، أعاد بناءه على الحرف الأول من الكلمة محمود عادل، تحقيق أحمد الحسيني، لا م، مكتب نشر الثقافة الإسلامية، 1408هـ، ط2، ج 2، ص 235.
6- ابن منظور، محمد بن مكرَّم، لسان العرب، تصحيح أمين محمد عبد الوهاب و محمد الصادق العبيدي، بيروت، دار إحياء التراث العربي و مؤسسة التاريخ العربي، 1417 ه- 1997 م، ط2، ج 1، ص 769. ج 2، ص 114.
7- ابن الأثير، المبارك بن محمد الجزري، النهاية في غريب الحديث والأثر، تحقيق طاهر أحمد الزاوي ومحمود محمد الطناحي، قم، مؤسسة إسماعيليان، 1364هـ.ش، ط4، ج 1، ص 99. وج 5، ص 105.
8- يراجع: الشريف، عبد الله محمد، مناهج البحث العلمي دليل الطالب في كتابة الأبحاث والرسائل العلمية، الإسكندرية، مكتبة الشعاع للطباعة والنشر، 1996م، ط1، ص 12-13.
9- يراجع: فضل الله، مهدي، أصول كتابة البحث وقواعد التحقيق، بيروت، دار الطليعة للطباعة والنشر، 1998م، ط2، ص 14.
10- نقلاً عن: شلبي، أحمد، كيف تكتب بحثاً أو رسالة؟ دراسة منهجية لكتابة البحوث وإعداد رسائل الماجستير والدكتوراه، القاهرة، مكتبة النهضة المصرية، 1968م، ط6، ص 5.
11- الفراهيدي، العين، ج 3، ص 392.
12- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، ج 5، ص 361.
13- سورة المائدة، الآية 48.
14- بدوي، عبد الرحمن، مناهج البحث العلمي، الكويت، وكالة المطبوعات، 1977م، ط3، ص 4.
15- م.ن، ص 5.
16- عجمي، سامر توفيق، نحو بناء المذهب التربوي: قراءة في معالم المنهج، مجلة أبحاث ودراسات تربوية، تصدر عن مركز الأبحاث والدراسات التربوية، بيروت، العدد الثاني، السنة الأولى، شتاء 1437هـ-6102م، ص 17.
17- فضل الله، أصول كتابة البحث وقواعد التحقيق، ص 12.
18- طباجة، يوسف عبد الأمير، منهجية البحث تقنيات ومناهج، بيروت، دار المحجة البيضاء، 1432هـ-1102م، ط2، ص 45.
19- العلموي، عبد الباسط بن موسى، المعيد في أدب المفيد والمستفيد، دمشق، المكتبة العربية، 1346هـ، ط1، ص 80.
السيد محمد حسين الطبطبائي
عدنان الحاجي
محمود حيدر
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
العلاقة الجدلية بين التدين والفهم
الأجر الأخروي: غاية المجتمع
أمسية للشّاعرة فاطمة المسكين بعنوان: (تأمّلات في مفهوم الجمال بين الشّعر والفلسفةِ)
العظات والعبر في نملة سليمان
الكوّاي تدشّن إصدارها القصصيّ السّادس (عملاق في منزلنا)
اكتشاف أقدم أبجديّة معروفة في مدينة سوريّة قديمة
محاضرة للمهندس العلي حول الأنماط الحياتيّة من التّراث الدّينيّ
المعنى في دُنُوِّهِ وتعاليه (2)
الأمّة المستخلفة
المعنى في دُنُوِّهِ وتعاليه (1)