علمٌ وفكر

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد محمد باقر الصدر
عن الكاتب :
ولد في مدينة الكاظمية المقدسة في الخامس والعشرين من ذي القعدة سنة 1353 هـ، تعلم القراءة والكتابة وتلقى جانباً من الدراسة في مدارس منتدى النشر الابتدائية، في مدينة الكاظمية المقدسة وهو صغير السن وكان موضع إعجاب الأساتذة والطلاب لشدة ذكائه ونبوغه المبكر، ولهذا درس أكثر كتب السطوح العالية دون أستاذ.rnبدأ بدراسة المنطق وهو في سن الحادية عشرة من عمره، وفي نفس الفترة كتب رسالة في المنطق، وكانت له بعض الإشكالات على الكتب المنطقية. بداية الثانية عشرة من عمره بدأ بدراسة كتاب معالم الأصول عند أخيه السيد إسماعيل الصدر، سنة 1365 هـ هاجر إلى النجف الاشرف، لإكمال دراسته، وتتلمذ عند آية الله الشيخ محمد رضا آل ياسين وآية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي. أنهى دراسته الفقهية عام 1379 هـ والأصولية عام 1378 هـ عند آية الله السيد الخوئي.rnمن مؤلفاته: فدك في التاريخ، دروس في علم الأصول، نشأة التشيع والشيعة، فلسفتنا، اقتصادنا وغير ذلك.

الحركة الديالكتيكية في الفكر

تناولت الماركسية المذهب النسبي في الحقيقة، فاعتبرته نوعاً من السفسطة؛ لأنّ النسبية فيه تعني: تغيّر الحقائق من ناحية ذاتية، وقرّرت النسبية بشكل جديد، أوضحت فيه تغيّر الحقائق طبقاً لقوانين لتطوّر والتغيّر في المادّة الخارجية.

فليست في الفكر الإنساني حقائق مطلقة، وإنّما الحقائق التي ندركها نسبية دائماً، وما يكون حقيقة في وقت يكون بنفسه خطأ في وقت آخر، وهذا ما تتّفق عليه النسبية والماركسية معاً. وتزيد الماركسية بالقول: إنّ هذه النسبية وهذه التغيّرات والتطوّرات في الحقيقة ليست إلاّ انعكاساً لتغيّرات الواقع، وتطوّرات المادّة التي نتمثّلها في حقائقنا الفكرية. فالنسبية في الحقيقة بنفسها نسبية موضوعية، وليست نسبية ذاتية ناشئة من جانب الذات المفكّرة، ولذلك فهي لا تعني عدم وجود معرفة حقيقة للإنسان، بل الحقيقة النسبية المتطوّرة التي تعكس الطبيعة في تطوّرها، هي المعرفة الحقيقية في المنطق الديالكتي.

قال لينين:

(إنّ المرونة التامّة الشاملة للمفاهيم، وهي: المرونة التي تذهب إلى حدّ تماثل الأضداد، ذلك جوهر القضية. إنّ هذه المرونة إذا استخدمت على نحو ذاتي تفضي إلى الانتقائية والسفسطة. والمرونة المستخدمة موضوعياً، يعني بكونها تعكس جميع جوانب حركة التطوّر المادّية ووحدتها، إنّما هي الديالكتيك، وهي الانعكاس الصحيح للتطوّر الأبدي للعالم [1] .

وقال أيضاً:

(نستطيع بانطلاقنا من المذهب النسبي البحت تبرير كلّ نوع من أنواع السفسطة) [2] .

وقال كيدروف:

(ولكن قد توجد ثمّة نزعة ذاتية، ليس فقط حينما نعمل على أساس المنطق الشكلي بمقولاته الساكنة الجامدة، وإنّما ـ أيضاً ـ حينما نعمل بواسطة مقولات مرنة متحوّلة. ففي الحالة الأولى نصل إلى الغيبية، وفي الثانية نصل إلى المذهب النسبي والسفسطائية والانتقائية) [3].

وقال أيضاً:

(يقتضي المنطق الديالكتي الماركسي أن يطابق انعكاس العالم الموضوعي في ضمير الإنسان الشيء المنعكس، وأن لا يتضمّن شيئاً غريباً عنه: شيئاً جيء به على نحو ذاتي. إنّ التفسير الذاتي وفقاً لوجهة النظر النسبية ولمرونة المفاهيم، هو إضافة غريبة تماماً، كمبالغة الغيبية الذاتية في تجريدات المنطق الشكلي) [4].

هذه النصوص تدلّ على المحاولة التي اتّخذتها الماركسية لترفع على أساسها يقينها الفلسفي، وهي محاولة تطبيق قانون الديالكتيك على الحقيقة. فالإنسان وإن لم تكن لديه حقيقة مطلقة في مجموع أفكاره، غير أنّ سلبية إمكان الحقيقة المطلقة عن أفكاره ليس لأجل أنّها كومة من أخطاء مطلقة تجعل المعرفة الصحيحة مستحيلة على الإنسان نهائياً، بل لأنّ الحقائق التي يملكها الفكر الإنساني حقائق تطوّرية، تنمو وتتكامل على طبق قوانين الديالكتيك، فهي لذلك حقائق نسبية وفي حركة مستمرّة.

قال لينين:

(يجب أن لا يتصوّر الفكر (يعني الإنسان) الحقيقة في شكل مجرّد مشهد (صورة شاحبة باهتة) بدون حركة. إنّ المعرفة هي الاقتراب اللامتناهي الأبدي للفكر نحو الشيء. يجب فهم انعكاس الطبيعة في فكر الإنسان ليس كشيء جامد مجرّد، بدون حركة، بدون تناقضات، وإنّما كعملية تطوّر أبدية للحركة لولادة التناقضات وحلّ هذه التناقضات) [5].

وقال أيضاً :

(من المهمّ في نظرية المعرفة ـ كما في جميع حقول العلم الأخرى ـ أن يكون التفكير دائماً ديالكتيكياً، أي: أن لا يفرض ـ مطلقاً ـ كون وعينا ثابتاً لا يتطوّر) [6].

وقال كيدروف:

(أمّا المنطق الديالكتي، فهو لا يواجه هذا الحكم كأنّه شيء مكتمل، بل بوصفه تعبيراً عن فكرة قادرة على أن تنمو وأن تتحرّك. وأيّاً ما كانت بساطة حكمٍ ما، ومهما بدا عادياً هذا الحكم، فهو يحتوي على بذور أو عناصر تناقضات ديالكتيكية، تتحرّك وتنمو داخل نطاقها المعرفة البشرية كلّها) [7] .

وأشار كيدروف إلى كلمة يحدّد فيها لينين أسلوب المنطق الديالكتي في التفكير؛ إذ يقول:

(يقتضي المنطق الديالكتي أن يؤخذ الشيء في تطوّره، في نمائه، في تغيّره) .

وعقّب على ذلك بقوله:

(وخلافاً للمنطق الديالكتي، يعمد المنطق الشكلي إلى حلّ مسألة الحقيقة حلاً أوّلياً إلى أبعد حدّ بواسطة صيغة (نعم ـ لا). إنّه يعلم الإجابة بكلمة واحدة وبصورة قاطعة على السؤال: الظاهرة تلك موجودة أم لا؟ والإجابة ـ مثلاً ـ بـ (نعم) على السؤال: هل الشمس موجودة؟ وبـ (لا) على السؤال: هل الدائرة المربّعة موجودة؟ في المنطق الشكلي يقف الإنسان عند حدّ إجابات بسيطة جدّاً، نعم أو لا، أي: عند حدّ تمييز نهائي بين الحقيقة والخطأ. لهذا السبب تواجه الحقيقة باعتبارها شيئاً معطىً ساكناً ثابتاً نهائياً، ومتعارضاً تعارضاً مطلقاً مع الخطأ) [8] .

تخلص معنا من هذه النصوص الماركسية آراء ثلاثة، يرتبط بعضها ببعض كلّ الارتباط:

الأوّل: أنّ الحقيقة في نموّ وتطوّر، يعكس نموّ الواقع وتطوّره.

الثاني: أنّ الحقيقة والخطأ يمكن أن يجتمعا، فتكون الفكرة الواحدة خطأ وحقيقة، وليس هناك تعارض مطلق بين الخطأ والحقيقة، كما يؤمن به المنطق الشكلي، على حدّ تعبير (كيدروف).

الثالث : أنّ أيّ حكم مهما بدت الحقيقية فيه واضحة فهو يحتوي على تناقض خاصّ، وبالتالي على جانب من الخطأ. وهذا التناقض هو الذي يجعل المعرفة والحقيقة تنمو وتتكامل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] المنطق الشكلي والمنطق الديالكتي : 50 ـ 51 . نقلاً عن : الدفاتر الفلسفيّة : 84 .

[2] المرجع ذاته : 51 . نقلاً عن الدفاتر الفلسفيّة : 328 .

[3] المرجع ذاته : 50 .

[4] المنطق الشكلي والمنطق الديالكتي : 51 .

[5] المنطق الشكلي والمنطق الديالكتي : 10 . نقلاً عن الدفاتر الفلسفيّة : 167 ـ 168 .

[6] المنطق الشكلي والمنطق الديالكتي : 11 .

[7] المصدر السابق : 20 ـ 21 .

[8] المنطق الشكلي والمنطق الديالكتي : 13 ـ 14 .

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد