قال ستالين: (إن نقطة الابتداء في الديالكتيك، خلافًا للميتافيزية، هي وجهة النظر القائمة، على أن كل أشياء الطبيعة وحوادثها، تحوي تناقضات داخلية، لأن لها جميعها، جانبًا سلبيًّا، وجانبا إيجابيًّا، ماضيًا وحاضرًا. وفيها جميعًا عناصر تضمحل أو تتطور. فنضال هذه المتضادات هو المحتوى الداخلي. لتحول التغيرات الكمية إلى تغيرات كيفية ) (1).
وقال ماوتسي تونغ: (إن قانون التناقض في الأشياء، أي قانون وحدة الأضداد، وهو القانون الأساسي الأهم في الديالكتيك المادي). قال لينين: (الديالكتيك بمعناه الدقيق، هو دراسة التناقض في صميم جوهر الأشياء). (وكثيرًا ما كان لينين يدعو هذا القانون، بجوهر الديالكتيك، كما كان يدعوه بلب الديالكتيك) (2).
هذا هو القانون الأساسي، الذي يزعمه الديالكتيك صالحًا لتفسير الطبيعة والعالم، وتبرير الحركة الصاعدة، وما تزخر به من تطورات وقفزات. فهو حين أقصى من فلسفته مفهوم المبدأ الأول، واستبعد بصورة نهائية افتراض السبب الخارجي الأعمق، وجد نفسه مضطرًّا إلى اعطاء تبرير وتفسير، للجريان المستمر، والتغير الدائم في عالم المادة، ليشرح كيف تتطور المادة وتختلف عليها الألوان؟ أي ليحدد رصيد الحركة، والسبب الأعمق لظواهر الوجود، فافترض أن هذا الرصيد، يوجد في المحتوى الداخلي للمادة. فالمادة تنطوي على التموين المستمر للحركة.
ولكن كيف تملك المادة هذا التموين؟ وهذا هو السؤال الرئيسي في المشكلة، التي تجيب عنه المادية الديالكتيكية، بأن المادة وحدة أضداد، ومجتمع نقائض. وإذا كانت الأضداد والنقائص كلها تنصهر في وحدة معينة، فمن الطبيعي أن يقوم بينها الصراع لكسب المعرفة. وينبثق التطور والتغير عن هذا الصراع، وبالتالي تحقق الطبيعة مراحل تكاملها عن هذا الطريق. وعلى هذا الأساس تخلت الماركسية عن مبدأ عدم التناقض، واعتبرته من خصائص التفكير الميتافيزيقي، ومن أسس المنطق الشكلي، المتداعية بمعول الجدل القوي، كما يقرر كيدروف قائلاً: (نفهم بكلمة المنطق الشكلي المنطق الذي يرتكز فقط على قوانين الفكر الأربعة: الهوية، والتناقض، والعكس، والبرهان. والذي يقف عند هذا الحد. أما المنطق الديالكتي، فنحن نعتبر أنه علم الفكر. الذي يرتكز على الطريقة الماركسية، المميزة بهذه الخطوط الأساسية الأربعة: الإقرار بالترابط العام، وبحركة التطور، وبقفزات التطور، وبتناقضات التطور) (3).
هكذا نرى أن الديالكتيك، أقصى عن ميدانه أكثر الأفكار البشرية بدهية. فأنكر مبدأ عدم التناقض، وافترض التناقض - عوضًا عنه - قانونًا عامًّا للطبيعة والوجود. وهو في هذا الإنكار والافتراض. يطبق مبدأ عدم التناقض بصورة لا شعورية، فإن الجدلي حين يؤمن بالتناقضات الجدلية، وبالتفسير الديالكتي للطبيعة، يجد نفسه مضطرًّا إلى رفض مبدأ عدم التناقض، والتفسير الميتافيزيقي لها. ومن الواضح أن هذا ليس إلا لأجل أن الطبيعة البشرية لا يمكن، أن توفق بين السلب والإيجاب معًا، بل تشعر ذاتيًّا بالتعارض المطلق بينهما، وإلا فلماذا رفضت الماركسية مبدأ عدم التناقض، واعتقدت ببطلانه؟ أليس ذلك لأنها آمنت بالتناقض، ولا يسعها أن تؤمن بعدمه، ما دامت آمنت بوجوده، وهكذا نعرف أن مبدأ عدم التناقض. هو المبدأ الأساسي العام، الذي لم يتجرد عنه التفكير البشري. حتى في لحظة التحمس للجدل والديالكتيك.
وقد كان من نتاج التناقض الديالكتيكي، أن اسقط مبدأ الهوية (أ هي أ) من قاموس الجدل أيضًا، وأجيز أن يكون الشيء غير نفسه، بل التناقض الديالكتيكي العام يحتم ذلك، لأن كل شيء متضمن لنقيضه، ومعبر عن نفيه في لحظة إثباته، فليست (أ هي أ) بصورة مطلقة، بل كل كائن هو نقيض ذاته ونفيها، كما يكون إثباتًا لها، لأن كيانه متناقض بالصميم، ويحتوي على النفي والإثبات المتصارعين دائمًا، والمفجرين للحركة بهذا الصراع.
ولم يحاول الماركسيون أن يبرهنوا على تناقضات الأشياء، أي على قانون الديالكتيك وأساسه الجدلي، إلا بحشد من الأمثلة والظواهر، التي حاولوا أن يبرزوا بها تناقضات الطبيعة وجدلها. فالتناقض إنما كان من قوانين المنطق الديالكتيكي، لأن الطبيعة بنفسها متناقضة وديالكتيكية. بدليل ما يقدم لنا الحس، أو يكشف عنه العلم، من ضروب التناقض، التي تطيح بمبدأ عدم التناقض، وتجعله غير منسجم مع واقع الطبيعة وقوانينها، الحاكمة في مختلف ميادينها ومجالاتها.
وإن الماركسية لم تجد سبيلاً لديناميكية الطبيعة، وجعل القوى الفعالة للحركة، محتوى داخليًّا لنفس المادة المتطورة، إلا بأن تنطلق من التناقض، وتؤمن باجتماع النقائض في وحدة متطورة، تبعًا لنضال تلك النقائض وصراعها. فالمسألة في نظر الماركسية ذات حدين لا ثالث لهم : فإما أن نصوغ فكرتنا عن العالم، على المبدأ القائل بعدم التناقض، فلا يوجد النفي والإثبات، في صميم الأشياء، ولا يقوم فيها صراع المتناقضات. وبالتالي يتعين أن نفحص عن رصيد الحركة والتطور. في سبب أعلى من الطبيعة وتطوراتها. وإما أن نشيد منطقنا على الاعتقاد بنفوذ التناقض، إلى صميم الأشياء، وتوحد الأضداد أو النفي والإثبات، في كل كائن فتكون بذلك قد وجدنا سر التطور في التناقض الداخلي.
ولما كانت طبيعة في زعم الماركسية، تقدم الشواهد والدلائل في كل مجال وميدان، على ثبوت التناقض واجتماع النقائض والأضداد، فيجب الأخذ بوجهة النظر الثانية.
والواقع أن مبدأ عدم التناقض هو أعم القوانين، وأكثرها شمولًا لجميع مجالات التطبيق، ولا تشذ عنه ظاهرة من ظواهر الوجود والكون مطلقًا. وكل محاولة ديالكتيكية تستهدف الرد عليه، أو إظهار الطبيعة بمظهر تناقض، فهي محاولة بدائية، قائمة على سوء فهم لمبدأ عدم التناقض، أو على شيء من التضليل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية ص 12.
(2) حول التناقض ص 4.
(3) المنطق الشكلي والمنطق الديالكتيكي ص 9.
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ محمد جواد مغنية
السيد عباس نور الدين
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ باقر القرشي
الشيخ جعفر السبحاني
الشيخ محمد هادي معرفة
عدنان الحاجي
الشيخ محمد الريشهري
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ عبد الحميد المرهون
حسين حسن آل جامع
الشيخ علي الجشي
ناجي حرابة
عبدالله طاهر المعيبد
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
ياسر آل غريب