قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمد هادي معرفة
عن الكاتب :
ولد عام 1348هـ بمدينة كربلاء المقدّسة، بعد إتمامه دراسته للمرحلة الابتدائية دخل الحوزة العلمية بمدينة كربلاء، فدرس فيها المقدّمات والسطوح. وعلم الأدب والمنطق والعلوم الفلكية والرياضية على بعض أساتذة الحوزة العلمية، عام 1380هـ هاجر إلى مدينة النجف الأشرف لإتمام دراسته الحوزوية فحضر عند بعض كبار علمائها كالسيد محسن الحكيم والسيد أبو القاسم الخوئي، ثم سافر إلى مدينة قم المقدسة والتحق بالحوزة العلمية هناك وحضر درس الميرزا هاشم الآملي. من مؤلفاته: التمهيد في علوم القرآن، التفسير والمفسِّرون، صيانة القرآن من التحريف، حقوق المرأة في الإسلام.. توفّي في اليوم التاسع والعشرين من شهر ذي الحجّة الحرام من عام 1427هـ بمدينة قم المقدّسة، ودفن بجوار مرقد السيّدة فاطمة المعصومة عليها السلام

دقائق في القرآن هي روائع في التعبير (1)

جاء في القرآن كثير من دقائق تعبير قد لا يلمس القارئ أثناء تلاوته ما يلفت نظره إلّا إذا تدبّرها بإمعان، وتوقّف لديها متسائلاً: هل وراءها نكتة خافية؟ أم هناك سرّ مستتر عميق؟ فإذا ما لجّ فيها وتعمّق النظر فيها وجدها ظرائف ولطائف تشرف الباحث على خضمّ بحر متلاطم وفيض بحر موّاج. وإليك طرفًا منها:

 

وَازْدَادُوا تِسْعاً:

 

قال تعالى: (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً) «1» هذا الذي نقرأه عن رقدة أصحاب الكهف، كانت ثلاثمائة سنة كاملة حسب التقويم الشمسي، الذي كان عليه العالم المتحضّر، من عدا الأمّة العربية، حيث لم يكن لها علم بحركة الفلك الشمسي، وكان تقويمها قائمًا على دورة الفلك القمري، وهي تنقص عن دورة الشمس سنويًّا بأحد عشر يومًا وربع يوم تقريبًا «2». فكان لا بدّ أن تزيد سنوات الرقدة - لو حسبناها على السنين القمرية - بتسعة سنين بالضبط، بالأيّام والساعات والدقائق والثواني.

 

فقد لزم أن يقول القرآن: إنّ سنوات الرقدة تزيد تسعًا على التقويم الذي عندكم. وهذا سرّ ربما خفي لحدّ الآن... معجزة باقية.

 

(قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) «3».

 

تقديم السمع على البصر:

 

من الدقائق في تعبير القرآن الكريم أنّك تجده يذكر السمع مقدّمًا على البصر في أكثر من خمسة وعشرين موضعًا «4». وهي مسألة يعرف سرّها الآن علماء التشريح (الفسيولوجيا) ويدركون أنّ جهاز السمع أرقى وأعقد وأدقّ وأرهف من جهاز الإبصار، ويمتاز عليه بإدراك المجرّدات كالموسيقى، وإدراك التداخل مثل حلول عدّة نغمات داخل بعضها بعضًا، مع القدرة على تمييز كلّ نغمة على انفرادها، كما تميّز الأمّ صوت بكاء ولدها من بين زحام هائل من أصوات متداخلة، يتمّ هذا في لحظة من الزمن. أمّا العين فهي تتوه في زحام التفاصيل ولا تعثر على ضالّتها. يتوه الولد عن عين أمّة في الزحام ولا يتوه عن سمعها. والعلم يمدّنا بألف دليل على تفوّق معجزة السمع على معجزة البصر.. (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ) «5».

 

أنباء الغيب

 

(تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ) هذا ويلحق بالإعجاز العلمي «الإعجاز الغيبي» كلاهما إنباء عن غياهب الوجود (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ أنباء الغيب تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا) «6».

 

من وجوه الإعجاز للقرآن الكريم - حسبما ذكره العلماء - الإعجاز بما جاء فيه من أنباء الغيب، وهو كلّما كان غائبًا عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وقومه، ممّا لم يشهدوا حوادث الواقعة أو لم يحضر وقتها، فلم يكونوا على علم بتفاصيلها. فيدخل في الغيب بهذا المعنى كلّ ما ورد في القرآن، عن بداية نشأة الكون وما وقع منذ خلق آدم عليه السّلام إلى مبعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله من عظيمات الأمور ومهمّات حوادث التاريخ. وكذلك يشمل ما غاب عنهم في وقته من الحوادث التي كانت تحدث وجاء الإخبار بها عن طريق الوحي، كإخبار اللّه تعالى بما يكيده اليهود والمنافقون وما ينوون من دسائس خبيثة، كانت أو كادت تقع حينذاك. ويشمل أيضًا ما تضمّنه من الإخبار عن كائنات وحوادث ستقع في المستقبل.

 

وعليه فكلمة «الغيب» تشمل كلّ هذه المعاني الثلاثة: غيب الماضي، غيب الحاضر، غيب المستقبل. وإليك نماذج من هذه الغيوب:

 

1 - غيب الماضي

 

لقد سمّى اللّه تعالى الإخبار عن الأمم الماضية غيبًا، وجعل ذلك دليلاً على صدق النبوّة، وأنّ القرآن الكريم وحي من اللّه عزّ شأنه. فقد جاء في مواضع من القرآن - عند سرد قصص الأنبياء وأممهم - أنّه من أنباء الغيب، بدليل أنّه «ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا» فالنبي صلّى اللّه عليه وآله أمّي لم يقرأ ولم يكتب.

 

وقومه أمّيون ليسوا بأهل كتاب يقرءونه أو يدرسونه، فلا علم لهم جميعًا بحوادث ماضية، إذ لم يكونوا شهودها ولا قرءوها في كتاب أو درسوها في معهد.

 

قال تعالى بشأن قصّة مريم وكفالة زكريا لها: (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ) «7».

 

وقال سبحانه بشأن قصّة نوح وقضية الطوفان: (تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا) «8».

 

وقال بشأن قصّة يوسف وإخوته: (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ) «9».

 

نعم، إنّ هذه القصص مع هذه التفاصيل كانت خافية على العرب بالذات، وعلى سائر الناس حتى أهل الكتاب، ممّا جاءت جوانب من تلكم الأخبار في كتبهم محرّفة ومشوّهة، فجاء نصّها الصحيح النزيه في القرآن الكريم، دليلاً على كونها وحيًا من السماء، غير مستقاة من تلكم الأساطير.

 

وهكذا قبل عرض قصّة موسى يقول تعالى: (نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) «10».

 

وبعد انتهاء القصّة وذكر تفاصيلها وما فيها من عبر وعظات يقول: (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ * وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ * وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) «11».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الكهف: 25.

(2) أيّام السنة القمرية تتراوح بين 353 و 354 و 355 يومًا. بينما أيّام السنّة الشمسية هي: 365 يومًا و 6 ساعات و 9 دقائق و 9 ثوان بالضبط، إلّا شيئًا قليلًا (595 / . الثانية) تنقص كلّ سنة. فتزيد السنة الشمسية على السنة القمرية بمقدار 11 يومًا وهي مضروبة في (300) تساوي (3300) يومًا وتساوي (9 سنوات وثلاثة أشهر ونصفًا : 105) بالتقسيم على عدد أيّام القمرية، حسابًا بالتقريب، حيث عدم انضباط السنة القمرية تمامًا. فصحّ تعبير القرآن بزيادة تسعة أعوام تعبيرًا بالدقّة.

راجع: التفهيم لأبي ريحان البيروني: ص 235 ، ودهخدا : ص 163 حرف س.

(3) الفرقان: 6.

(4) البقرة: 7 و 20، النساء: 58 و 138، الأنعام: 46، يونس: 31، هود: 20، النحل: 78 و 108، الإسراء: 1 و 36، طه: 46، الحجّ: 61 و 75، المؤمنون: 23، لقمان: 28، السجدة: 9، غافر: 20 و 56، فصّلت: 20 و 22، الشورى: 11، والأحقاف: 26، المجادلة: 1، الملك: 23 الإنسان: 2.

(5) فصّلت: 53.

(6) هود: 49.

(7) آل عمران: 44.

(8) هود: 49.

(9) يوسف: 102.

(10) القصص: 3.

(11) القصص: 44 - 46.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد