قرآنيات

تفسير سورة الزلزلة (2)


الشهيد مرتضى مطهري

إنه إذا أحيـاك من بعض تـراب
فلا بد من معرفة التـراب بجملته
إن جسمك كان ترابًا ميتًا، ولكنه الآن حي. إذن يتضح أن المسافة بين الميت والحي ليست بعيدة جدًّا، فالميت قد يحيا سريعًا، ولذلك علينا أن  نتعرف على كل الأتربة، إذ فيها تكمن القابلية على الحياة، إن وجوهها التي تواجهنا ميتة، ولكن وجوهها التي تتجه نحو البارئ سبحانه وتعالى حية. إنها من حيث الطبيعة الربانية حية‎، ومن حيث الطبيعة الخلقية ميتة.
ميـتة من هذا الجانب وحيـة من ذاك
صامتـة هنـا وناطقة هنـــــاك
و هــــو إذ يرسـلها إلينــــا
تتحول تلك العصــا حيـة عنـدنـا
فهو إذ يرسلها إلينا يراها حية لا ميتة، فإذا أمرها حولت جانبها الحي إلينا. ثم تجري القصيدة تشير إلى جمادات أحياها، كالريح التي سخرها لسليمان، والبحر الذي ائتمر بأمر موسى، والجبال لداوود،  وانشقاق القمر لمحمد، وتحول النار بردًا على إبراهيم.
﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (الزلزلة/4)﴾نذكر ما مر بها بحسب ما أوحى لها الله. وقد جاء كذلك في القرآن المجيد، في سورة يس: ﴿الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (يس/65)﴾﴿يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (الزلزلة/6)﴾ أي يوم يصدر في العربية معنى خاصًّا، لم أجد في الفارسية كلمة تقوم مقامه. فمثلاً يقولون في الفارسية إن هذه الهوية "صادرة" من طهران، ويستعملون الكلمة العربية. أو يقولون إن فلانًا "أصدر" الأوامر الفلانية. ويستعملون الكلمة العربية. أو العربية أيضاً.

فإذا شئنا أن نرفع هذه الكلمة ترى ماذا يمكن أن نضع في مكانها لنحصل على المعنى نفسه؟ ولما كانت كلمة "الصدور" تختلف عن "الخروج" في المعنى، فلا يمكننا استعمالها بمكانها، فإذاً نحن بدلا من أن نقول إن الهوية "صادرة" من طهران، قلنا أنها "خارجة" من طهران، يكون المعنى مغايراً لما نريد. في الأيام التي كانت فيها اللاّعربية على أشدها، وضعوا "مرسلة أو مرسل" الفارسية بمكان "صادرة أو صادر" فمثلاً قولهم: الهوية مرسلة من طهران، لا معنى له، لأن وضع مرسلة بمكان صادرة لا معنى له، لأن "مرسلة" ليست ترجمة لكلمة "صادرة" والتجار أيضًا عندما يرسلون بضاعة من مكان إلى مكان يستعملون كلمة"إرسال" أما إذا عطشت الحيوانات فوردت الماء وارتوت، يوصف حالها عندئذ بالصدور، أي إنها صدرت عن الماء.
ولكن تطور هذا المعنى فيما بعد، حيث يقول القرآن: إن الناس في ذلك اليوم يصدرون من الأرض كالأمر الذي يصدر من صاحب أمر، أو كالهوية التي تصدر من مكان ما. هنا الناس هم  الذين يصدرون. الناس جماعات متفرقة. لماذا؟ إنه تعبير عجيب أيضًا.
﴿لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ﴾ أي إن الناس يذهبون ليستعرضوا أعمالهم وأعمال الناس في هذه الدنيا طيلة حياتهم، صغيرها وكبيرها، حيث يتجسد العمل نفسه ويحضر. فكيف تكون حال الإنسان وهو يدخل معرض الأعمال؟ إنه لا يرى سوى السواد والظلام وأشياء على هيئة نيران وحيات وعقارب. وعلى عكسه الذي يؤخذ إلى معرض ثواب الأعمال، حيث إن أكثر ما يرى هو الأعمال الحسنة الجميلة، بحيث قيل إنه لو كان الموت ممكنًا يوم القيامة، لمات أهل السعادة فرحًا، وأهل الشقاء كمدًا. أي لو أن تلك السعادة التي توهب للإنسان في الأخرى وهبت للإنسان في دار الدنيا، لتحجر فورًا.

ولو نزل ذاك الشقاء على أحد في الدنيا، لتوقف قلبه حالًا ومات، ﴿يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (الزلزلة/6)﴾ ثم يشرح القرآن معنى ﴿لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ﴾ بقوله: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (الزلزلة/7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (الزلزلة/8)﴾ والذرة هي أصغر وحدة قياسية في العربية، أي بمقدار الذرة التي ليس أصغر منها جسم. من المعروف عندنا عندما نقول ذرة نقصد أصغر معيار نعرفه مما لا يمكن أن نراه بالعين المجردة. وهي الذرات التي لا نراها إذا كنا في الشمس، ولا نراها إذا كنا في الظل، ولكننا نراها إذا كنا في الظل ومر منه عمود من نور، كأن تدخل أشعة الشمس من إحدى النوافذ، عندئذ يرى الإنسان وسط ذلك العمود من النور دقائق صغيرة تتحرك. فهذه هي الذرات بالعربية، أي أصغر شيء يظهر للعيان من الجسم. ومصطلح الذرة هذا يستعمله العلماء والفلاسفة في قضايا الجسم ومم يتكون.

فكان عدد منهم يرى (وهي النظرية التي تأيدت فيما بعد) إن كل جسم يتألف من أجسام صغيرة جدًّا. هذه الأجسام الصغيرة جدًّا أطلقوا عليها اسم الذرات، ذرات صغار صلبة كانوا يعتقدون أنها غير قابلة للإنشطار، وهذه أيضًا هي الذرة في العلوم الحديثة، على كل حال، يقول القرآن إن من عمل مقدار ذرة من الشر فإنه سوف يرى جزاءه.
والآن لاحظوا اللحن في السورة، مع ملاحظة المعنى: ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (الزلزلة/1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (الزلزلة/2) وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا (الزلزلة/3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (الزلزلة/4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (الزلزلة/5) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (الزلزلة/6) فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (الزلزلة/7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (الزلزلة/8)﴾.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد