السيّد عبد الحسين دستغيب
{إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ (7) أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (8)} (يونس)
أي قَصَروا هممهم على اللذّات المحسوسة، والزخارف الفانية وغفلوا عن نعم الجنة واللذات الخالدة، واطمأنوا بالدنيا وكأنهم لن يفارقوها أبداً وغفلوا عن أن يد الأجل تقرع طبل الرحيل لحظة بلحظة، وبلغ نسيانهم الآخرة إلى حد أنها لا تخطر لهم على بال أبداً.
وقفة مع هذه الآية:
ينبغي التأمل الدقيق في أربع جمل من هذه الآية الشريفة مضامينها متلازمة وتوضح حب الدنيا، وسبب دخول النار.
1 {لَا يَرْجُونَ}: الرجاء بمعنى الأمل: توقع الحصول على شيء يبعث على السرور، أي إذا علم الإنسان بشيء وكان يحبه ويأمل أن يحصل عليه، وحمله هذا الأمل على بذل الجهد للحصول على أمله وانتظر حصوله وتوقعه، فهذه الحالة تسمى "رجاء" أما إذا لم يكن عنده أي حب لشيء وأمل فيه فإن هذه الحالة تسمى "يأساً".
وإذا كان الحب والأمل ضعيفين بحيث لا يحملان صاحبهما على بذل الجهد للحصول على ذلك الشيء الذي تعلق به هذا الحب وهذا الأمل الضعيفان، فهذه الحالة تسمى "غروراً".
وبناء عليه فمعنى {لَا يَرْجُونَ} أن أولئك الذين لم يعرفوا الحياة الإنسانية الخالدة بعد الموت بجوار الله التي يتم فيها الجزاء والإثابة الإلهيان على أعمال المؤمنين الصالحة، ولم يعتقدوا بهذه الحياة، ولم يحبوها، ولم يعملوا لها ما ينبغي عمله، هم في الحقيقة لا ينتظرون هذه الحياة ولا يتوقعونها ولا يتعلق أملهم بها.
2 {وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا}: الإنسان -وكل موجود حي- يميل بشكل فطري وطبيعي إلى الحياة، ويظل دائماً يبحث عن سعادته في هذه الحياة، فإذا عرف الحياة الخالدة بعد الموت وأيقن بها فإنه حتماً سيبذل الجهد من أجل السعادة فيها، سيظل آنذاك يحب حياته الدنيا القصيرة ويحب أن يكون فيها سعيداً، ولكن سيكون ذلك بالحجم الذي تستحقه الدنيا ويتناسب معها.
ولكنه لن يكتفي بحب حياته المستعارة، بل سيحب السعادة في حياته الباقية ويسعى لها سعيها...
والخلاصة: إن من لوازم عدم رجاء الحياة الخالدة، الرضا بالحياة الدنيا.
3 {وَاطْمَأَنُّوا بِهَا}: من كان ينتظر الحياة الخالدة والوصول إلى الثواب الإلهي، لا يقرّ له في الدنيا قرار، ويظل دائماً في جد واجتهاد لتحصيل وسائل السعادة في الآخرة، وقمة استقراره وسعادته عندما يصل إلى ما كان ينتظر الوصول إليه.
أما من لا ينتظر شيئاً غير حياته الدنيا القصيرة ومؤنساتها ولذائذها وليست له أي رغبة غير ذلك فإن استقراره واطمئنانه في الوصول إلى هذه المؤنسات واللذائذ التي هي مطلوبه وأمنيته الوحيدين.
4 {وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ}: عدم رجاء الآخرة وحب الدنيا فقط والرضا بها والاطمئنان إليها، ذلك سببه الغفلة عن آيات الله، لأن الشخص إذا لم يغفل عن الأدلة والعلامات التي لا تحصى التي تدل جميعها على المبدأ والمعاد وقد وردت في القرآن المجيد، سيتذكر حتماً حياته بعد الموت ويعتقد بها، ولن يطمئن عندها إلى مؤنسات الدنيا بل سيظل في سعي وبحث ليحصل على سعادته الخالدة.
وجملة {بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} إشارة إلى الذنوب القلبية والجسدية...
والخلاصة: إنّ المستفاد من الآية الشريفة أن كل من استبدل حب الآخرة والعلاقة بها بحب الدنيا بحيث رضي بها فقط واطمأن إلى ملذتها، فمأواه النار، لأنه غافل عن الآخرة وسيحترق بنار ما اكتسبه من ذنوبه بقلبه أو ببدنه.
الشيخ محمد هادي معرفة
السيد محمد حسين الطبطبائي
د. سيد جاسم العلوي
السيد عباس نور الدين
عدنان الحاجي
الشيخ باقر القرشي
حيدر حب الله
السيد محمد حسين الطهراني
محمود حيدر
الشيخ علي رضا بناهيان
حسين حسن آل جامع
الشيخ علي الجشي
عبدالله طاهر المعيبد
حبيب المعاتيق
شفيق معتوق العبادي
جاسم بن محمد بن عساكر
رائد أنيس الجشي
ناجي حرابة
السيد رضا الهندي
عبد الوهّاب أبو زيد
هل وقع التحدّي بجانب إعجاز القرآن العلمي كما وقع بجوانب الإعجاز البياني؟
في معنى القدر
الفيزياء والبنية اللاشعورية في الفكر العلمي (3)
مهمة المفكّر المستحيلة.. كيف يهتدي المفكرون إلى سبل النجاة؟
فوائد المشي الياباني
الاتفاق على ثبوت واقعة الغدير بالثبوت التاريخي والمتواتر الصحيح (2)
يوم أعلن النبيّ (ص) ولاية عليّ (ع) (2)
الفيزياء والبنية اللاشعورية في الفكر العلمي (2)
(كيف نفكّر ونتصرّف كما نتصرّف) جديد المترجم عدنان الحاجي
الغدير: وأتممت عليكم نعمتي