قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد محمد حسين الطهراني
عن الكاتب :
عُرف بين الناس باسم العلامة الطهراني، عارف وفيلسوف، ومؤلف موسوعي، من مؤلفاته: دورة المعارف، ودورة العلوم، توفي عن عمر يناهز الواحد والسبعين من العمر، سنة 1416 هـ.

ماذا تفعل آيات القرآن بنفوس المؤمنين؟

إنّ القرآن هو أفضل القول وإنّ آياته متشابهة وناظرة إلى بعضها، وإنّ جلود المتّقين تقشعرّ عند قراءته أو استماع آياته، وإنّ القلوب والأبدان تطمئنّ وتستقرّ بذكر الله.

 

وهذه هي المسيرة التي وضع القرآن عالَم الآدميّة فيها على مدارج ومعارج الروح والنفس، وكان له بالغ الأثر على أرواح المؤمنين ونفوسهم، وهذه هي الهداية الإلهيّة مقابل تخبّط المعرضين عن القرآن في وادي الظلمات متشبّثين بالأهواء والخيالات والتصوّرات حتى آخر عمرهم.

 

والقرآن في الحقيقة كالمحكّ الذي يميّز المهتدي عن الضالّ في صَفَّين متميّزَين. صفّ المؤمنين والسير في الكمال النفساني ، وصفّ الكافرين والجمود في زوايا الأهواء النفسانيّة، فهو كالبيّنة القويمة (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ). «1» يستتبع حياة الخلود للمؤمنين المنهمكين بالسجود والبكاء والتسبيح والتقديس وقيام الليل والمسألة والدعاء والرغبة والرهبة إلى الله سبحانه، وتحليق الروح إلى عالم التوحيد وارتجاف البدن واقشعرار الجلد ووجل القلب من خوف هجر المحبوب الأزليّ، والطمأنينة والسكينة من وجد وصال المعشوق السرمديّ والحظو بلقائه.

 

تأمّلوا في هذه الآيات في كيفيّة امتداح وتمجيد القرآن الكريم للذين تربّوا في هذه المدرسة. وأي آثار وخصائص يمتدحها فيهم، وأخيراً الصفات والمزايا النفسيّة والملكات الروحيّة التي يُشير إليها في خِرِّيجي هذه المدرسة، والتي هي مثار الإعجاب حقّاً.

 

(وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً، وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً، وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً، إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً، وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً، وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً، يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً، إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً، وَمَنْ تابَ وَعَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتاباً، وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً، وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً، وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً، أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً، خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً، قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً). «2»

 

هذا هو المنطق القرآنيّ في تربية فرد يكون عبداً للّه، فرد قطع كلّ نسبة للعبوديّة مع غير الله وارتبط بالله وحد ، وفاز أخيراً بشهادة التوفيق والنجاح وهي رضوان الحضرة الأحديّة والاستقرار في حرم الأمن والأمان الإلهيّ في الغرفة العالية الإلهيّة والسكنى فيها، ثمّ يعدّد لهذا الفرد في هذه الآيات الشريفة الأربع عشرة، خصالًا أربع عشرة هي من ضروراته اللازمة.

 

أي أنّ القرآن الكريم يقول. إنّ على الراغبين بالخلاص من عبوديّة النفس الأمّارة ومن ربقة الأوهام، والوصول إلى مقام عزّ الإنسانيّة كي تكون لهم إنسانيّتهم ويكون الله الواحد القدير العليم معبودهم ولتنشأ من ذلك نسبة عبوديّتهم له....

 

وحين يُتلى هذا القرآن على أولئك الذين تخلو قلوبهم من الأحقاد والضغائن والعصبيّات، فإنّ دموعهم ستنساب تلقائيّاً من أعينهم، لأنّ هذا الكلام هو حديث المحبوب الذي يذكّرهم بالحبي ، وله إشارة ودلالة على الوطن الأصليّ والمقرّ الدائميّ، فيؤمنون به بلا تردّد أو إبطاء.

 

(وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ).«3» فانظروا ماذا تفعل الآيات الإلهيّة التي هي حديث الشوق إلى الإله القديم الأزليّ بالقلوب الغرثي والأرواح الظمأى؟ لكأنّها تقتلع الإنسان من الأرض إلى حيث يستقرّ في فضاء القدس ونور التجرّد والوطن الأصليّ عند الربّ الودود. تطرد عنه التفكير بالطعام والنوم، وتسلب منه الراحة، فينهض المؤمن فيغتسل أو يتوضّأ في ليالي الشتاء الباردة المظلمة، ثمّ ينهمك بتلاوة القرآن، ثمّ يهوي للسجود ويقوم، ويحسّ عند قراءته كلّ آية كأنّه يَرِدُ جُنينات خاصّة فيرتع فيها ويقطف من فاكهتها الحلوة الهانئة العطرة، ثمّ يطوف من شجرة لأخرى ذات شكل آخر، ثمّ يتعدّاها إلى غيرها، فهي جميعاً ذات ثمار لذيذة هانئة تبعث الطمأنينة في القلب والهدوء في النفس البشريّة المليئة بالقلق والاضطراب.

 

(إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُوَ ، تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ). «4» وهذه حالات وملكات جيّدة تبعث على النشاط والسرور، وتثير الرعب والخشية، وهي ناتجة من كون آيات القرآن شفاء ونورًا ورحمة للمؤمنين، ينالونها في مراحل سيرهم وسلوكهم النفسيّ، لكنّها على العكس من ذلك بالنسبة للمتمرّدين والمستكبرين تبعث على الشقاء وظهور الأدران النفسانيّة وبروز الملكات الضالّة والصفات الشيطانيّة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الآية 42، من السورة 8. الأنفال.

(2) الآيات 63 إلى 77، من السورة 25. الفرقان.

(3) الآية 83، من السورة 5. المائدة.

(4) الآيتان 15 و 16، من السورة 32. السجدة.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد