قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد محمد حسين الطهراني
عن الكاتب :
عُرف بين الناس باسم العلامة الطهراني، عارف وفيلسوف، ومؤلف موسوعي، من مؤلفاته: دورة المعارف، ودورة العلوم، توفي عن عمر يناهز الواحد والسبعين من العمر، سنة 1416 هـ.

اقرأ وارق

لقد جاء في رواية حول القرآن أنّه يقال للإنسان يوم القيامة: إقرأ وارقَ (1). وليس المراد من هذه الرواية حفظ ظاهر القرآن وألفاظه، حيث يمكن أن يُحفظ القرآن ويسجّل في المسجّل أيضًا، بل المراد هو أنّ كلّ إنسان إنّما يقترب من حقيقة القرآن بمقدار ما حقّق في وجوده من معانيه العالية الراقية.

 

فآيات القرآن الكريم تتمحور حول موضوعات مختلفة كالأحكام والأخلاق والتربية والتكامل، وعلى الإنسان أن يتأمّل أنّه إلى أيّ حدّ ومرتبة عمل بهذه الآيات والسور وحقّقها في وجوده.

 

فمن باب المثال يجعل الله للمؤمنين في ختام سورة الفرقان أربع علامات منها هاتان الآيتان:  ﴿وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً، وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَ قِياماً﴾. (2) فکم عملنا نحن بهذه الآيات في الواقع؟! فنحن أمام الآخرين نظهر تواضعنا ونقول كذبًا: "لسنا شيئًا" ولکن لو أنّ أحدًا قال لنا ذلك بصراحة لا يمكننا أن نحتمل ونودّ لو نقطّعه إربًا إربًا. وأثناء البحث العلمي وبيان المطالب نتظاهر بالتواضع، ولكن لو أنّ أحدًا اعترض على ما طرحنا نتأذّى. فمن المعلوم إذًا أنّا نكذب وقولنا وعملنا نفاق ومجاز، ولا نعمل حتّى بالجانب الظاهر من هذه الآية، فضلاً عن مراتبها العالية.

 

لقد أنزل الله تعالى كافّة قصص القرآن أيضًا لأجل أن نعتبر أنا وأنت، والمراد من بيان قضايا النبيّ يوسف والمراتب التي حصلت له وليعقوب ليس مجرّد حكاية القصص.

 

فالنبيّ يوسف يقول في السجن للرجل الذي صار صاحبًا للسلطان وساقيًا له: ﴿اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ﴾؛ (3) فإذا ذهبت إلى الملك فقل له: إنّهم ألقوني في السجن بريئًا.

 

فأنساه الله ذكر تلك الوصيّة بضع سنوات، في حين كان النبيّ يوسف يتوقّع الحريّة والفرج في كلّ يوم. فعلى صاحب الملك أن ينسى سبع سنوات لكي يتكامل يوسف، وعندما أدرك يوسف جيّدًا ونضج واكتمل تذكّر ذلك الرجل يوسف.

 

لم يكن الله ليترك النبيّ يوسف في السجن ثانية واحدة عبثًا، فكما أنّ عليه أن يبقى في السجن ما لم يصلح حاله، فكذلك إذا ما وصل إلى تلك المرتبة ينبغي أن لا يبقى في السجن ثانية واحدة.

 

ومن جهة أخرى فإنّ على النبيّ يعقوب أيضًا أن يحترق في فراق يوسف لسنوات لكي يصل إلى التكامل! فالله بحجر واحد يرمي آلاف الطيور، غاية الأمر أنّه لا يدرك ذلك إلا القلب الذي ليس غافلاً.

 

كان المرحوم العلامة الطهراني رضوان الله عليه (والد السيد) يقول: على السالك أن يلتفت بعينه وأذنه وبكلّ حواسّه إلى ظرائف الطريق وإشاراته واحدة واحدة.

 

هو نفسه كان كذلك، في السفر الذي تشرّفت فيه بزيارة كربلاء في خدمته، كنّا نصغي نحن أيضًا إلى كلمات المرحوم السيّد الحدّاد، ولكن بعد ذهاب السيّد الحدّاد كنت شاهدًا أنّ المرحوم الوالد كان يستخرج من جيبه دفترًا صغيرًا ويكتب النقاط اللطيفة لأستاذه معبّرًا بـ: حضرة السيّد روحي فداه وكان يكتب مطالب لم نكن نلتفت إليها، والآن ندرك کم هي عجيبة النكات التي فيها! لقد كان يقوم بذلك من كان له خمسون مريدًا، وكان مريدو السيّد الحدّاد تحت نظره أيضًا، تلك الشخصيّة التي كان حاكمًا عليها «اقرأ وارقَ» في أوقاتها وحركاتها وسكناتها كافّة.

 

أجل فبقدر ما نطبّق آيات القرآن تلك في وجودنا، فإنّ حقيقته أيضًا ستتحقّق فينا. وهذا العمل والتحقّق بحقيقته يؤدّي إلى إيجاد الاستعداد للترقّي إلى مرتبة أعلى من القرآن، أمّا عند عدم العمل بآيات الله فإنّها تغدو حجابًا تمنعنا من الحركة اللاحقة.

 

يسأل في يوم القيامة عن مقدار عمل الإنسان بمعنى القرآن، فلو أنّ أحدًا كالإمام عليه السلام عمل بمضامين القرآن كافّة، فقد وصل إلى البطون السبعين كلّها وإلى حقيقته المطلقة. وإذا ما قنع من العمل بأقلّ من مائة في المائة فإنّه يكون قد حصل على ذلك المقدار من حقيقة القرآن المطلقة.

 

في رواية عن ابن الكوّا يسأل فيها أمير المؤمنين حول مزايا بعض أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم (عبد الله من مسعود، أبي ذر، سلمان، حذيفة، عمّار) وهو يجيب، وقد قال الإمام حول عبد الله بن مسعود: «قَرَأَ القرآنَ ثمَّ وَقَفَ عندَه»‌ (4)

 

لقد كان ابن مسعود شيعيًّا وقارئًا للقرآن وكان ذا صوت حزين وجميل، وفي كثير من الأوقات كان رسول الله يناديه ويقول: «اقرأ عليّ» يا ابن مسعود القرآن! فكان يقرأ بصوت حزين، فينهمر الدمع من عيني النبيّ (5) ولکنّ حدّه وحظّه فقط كان في مستوى القراءة.

 

ثمّ يسأل ابن الكوّاء في هذه الرواية عن سلمان ويقول أمير المؤمنين عليه السلام:  «أدركَ علمَ الأوّلِ والآخِرِ وهو بَحرٌ لا ينزَح» (6) و (7)

 

ولهذا الاختلاف في الرتبة سبب، فعلى الإنسان أن لا يقوم بما يغلق نافذة الفيض والمعارف عنه، وعليه أن يطبّق الظروف التي تحدث على ذكر الله.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الكافى، ج 2، ص 606.

(2) سوره فرقان (25) آيه 63 و 63.

(3) سوره يوسف (12) آيه 42.

(4) الأمالى (صدوق) ص 252؛ روضة الواعظين، ج 2، ص 281؛ معرفة الإمام، ج 4، ص 154.

(5) بحار الأنوار، ج 89، ص 216.

(6) أي هو بحر واسع لا ينتهي ماؤه.

(7) تفسير روض الجنان، ج 10، ص 250.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد