من التاريخ

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ فوزي آل سيف
عن الكاتب :
من مواليد سنة «1379 هـ» في تاروت ـ القطيف، درس المرحلة الابتدائية في تاروت وهاجر للدراسة الدينية في الحوزة العلمية بالنجف ـ العراق سنة 1391 هـ. التحق في عام 1394 هـ، بمدرسة الرسول الأعظم ودرس فيها الأصول والفقه وتفسير القرآن والتاريخ الإسلامي والخطابة والأدب، في عام 1400 هـ هاجر إلى الجمهورية الإسلامية في إيران وشارك في إدارة حوزة القائم العلمية في طهران، ودرّس فيها الفقه والأصول والثقافة الإسلامية والتاريخ الإسلامي، وأكمل دراسة المنهج الحوزوي في الفقه والأصول. انتقل لمتابعة دراساته العالية إلى قم في بداية عام 1412 هـ ودرس البحث الخارج، عاد في نهاية عام 1418 هـ إلى وطنه القطيف. صدر له عدد من المؤلفات منها: "من قضايا النهضة الحسينية أسئلة وحوارات، نساء حول أهل البيت، الحياة الشخصية عند أهل البيت، طلب العلم فريضة، رؤى في قضايا الاستبداد والحرية، صفحات من التاريخ السياسي للشيعة" وغير ذلك..

ركب الأسارى من كربلاء إلى المدينة

بعد أن وصل ركب الأسارى كربلاء يوم الثلاثاء 20 من شهر صفر سنة 61 هـ، باتوا فيها ليلتين وبقوا ثلاثة أيام ليغادروها يوم الجمعة مساءً في 23 من شهر صفر سنة 61 هـ. وبطبيعة الحال كانت النساء والأطفال خلال هذه الأيام يعقدن مآتم الحزن والبكاء على القبور بعد فراق أربعين يوماً، كما أن بعض الرؤوس (والقدر المتيقن منها رأس الحسين عليه السلام) قد تم إلحاقها بأجسادها، ولا نعلم بشكل دقيق عما إذا كان قد تم استرفاق باقي الرؤوس من الشام أو لا؟ ولكن الروايات وقد بحثنا جانباً منها في كتاب قضايا النهضة الحسينية تشير بوضوح إلى أنه تم إلحاق رأس الحسين عليه السلام ببدنه الشريف.

 

وفي طريق العودة إلى المدينة المنورة من كربلاء سوف نلاحظ أن وتيرة السير تأخذ بطئاً أكثر، حتى أن المسافة التي هي لا تتجاوز 1200 كيلومتر كما فصلها في تاريخ المراقد، وهي في الحالة العادية من السير لا تحتاج لأكثر من اسبوع، ها هي تطول هنا لتصل إلى نحو ستة عشر يوماً، فقد خرجوا كما تقدم يوم الجمعة مساء في الثالث والعشرين من صفر، ووصلوا إلى بوابة المدينة يوم الثامن من شهر ربيع الأول سنة 61 هـ.

 

وبحسب ما ذكره المحقق الكرباسي فإنه يظهر أنهم كانوا يباتون في الطريق، في أكثر من منطقة وبلدة أو منزل، بالإضافة إلى أن سيرهم كان وئيدًا.

 

وهكذا كان الأمر إلى أن وصلوا إلى قرب حرة واقم طرف المدينة يوم الجمعة 7 من شهر ربيع الأول سنة 61 هـ. ولم يشأ الإمام السجاد عليه السلام أن يدخل المدينة هكذا على حين غفلة، وإنما أراد أن يكون لمجيئهم تجديد لقضية الإمام الحسين وتذكير بما جرى عليه، فقيل هنا إنه أمر بنصب خيامه على أطراف المدينة، وحين رأى بشر بن حذلم وهو من أشياع أهل البيت، سأله عما إذا كان شاعراً وبإمكانه أن ينعى الحسين وأن يذكر الناس بمصابه، فلما أجاب بالإيجاب ندبه لذلك، وقام هذا من فوره رافعاً عقيرته مخبراً أهل المدينة بما عنده:

 

يا أهل يثرب لا مقام لكم بها، قتل الحسين فأدمعي مدرار

الجسم منه بكربلاء مضرج، والرأس منه على القناة يدار

 

وبالرغم من أن خبر مقتل الحسين عليه السلام، كان قد وصل إلى أهل المدينة على مراحل متعددة سابقة إلا أنه قد كان يراد تحشيد وتعبئة الوضع العام ضد الجريمة الأموية.

 

1/ فقد وصل خبر مقتل الحسين عليه السلام في نفس يوم العاشر والساعة المعينة بعد الظهر، وذلك فيما نقله المسلمون من أن أم سلمة عليها السلام زوجة النبي، وقد كانت نائمة فرأت في عالم الرؤيا رسول الله صلى الله عليه وآله حاسراً أشعث الرأس عليه الغبار وكأنه يلتقط من الأرض شيئاً وهو يبكي فسألته عن ذلك وقال لها: إني ألتقط دم ولدي الحسين فإنه قد قُتِل الساعة، فقامت من منامها باكية وأظهرت الأمر صارخة بأن واحسيناه وابن رسول الله فحدثت ضجة في البيوت القريبة من بني هاشم وأخبرتهم بذلك، بل لقد نُقِل أن ابن عباس وقد كان كفيف البصر عندما سمع صراخاً عالياً من بيت أم سلمة قاده دليله إلى بيتها فأخبرته بمقتل الحسين عليه السلام وقالت: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله أعطاني تربةً من تراب قبر الحسين وقال: إذا رأيتها قد صارت دماً فاعلمي أنه قد قُتِل)، وقد أرتهم كيف أن تلك التربة في تلك القارورة قد صارت دماً عبيطاً.

 

تصور أن الأمر مهم إلى الدرجة التي تحتفظ فيها أم المؤمنين أم سلمة بهذه القارورة مدة تصل إلى ما يزيد عن نصف قرن من الزمان، وقد نقل هذا الخبر عن أم سلمة غير واحد من محدثي مدرسة الخلفاء.

 

2/ الإعلان الثاني لخبر مقتل الإمام الحسين عليه السلام، جاء من السلطة الأموية نفسها، ونحتمل أنه استغرق ما يقارب عشرة أيام أو نحوها من بعد مقتل الحسين، حتى يصل الخبر إلى المدينة، وذلك أن عبيد الله بن زياد أمر أحد أعوانه ويسمى عبد الملك السلمي أن يذهب إلى المدينة ويبشر عمرو بن سعيد بن العاص الأشدق (بما فتح الله عليهم) بحسب تعبيره وطلب منه بأن يسرع في نقل الخبر وإيصاله، وبالفعل فقد جاء عبد الملك هذا إلى المدينة حتى قال بأنه أول ما دخل إلى المدينة: سألني رجل من قريش ما الخبر؟ فقلت: الخبر عند الأمير. فقال على الفور: لقد قُتِل الحسين!

 

ونعتقد أنه في مثل هذا وبعد أن وصل الخبر إلى بيوت بني هاشم وضجت واعية الهاشميين بل عموم أهل المدينة حزناً على الإمام الحسين عليه السلام، في مثل هذا كان للأشدق كلام وخطبة ونقاش، ويظهر أن قسماً من نقلة الأخبار قد خلطوا بين هذا الموقف وبين الموقف الأخير بعد دخول الإمام السجاد عليه السلام إلى المدينة.

 

فإنه لما صار الخبر وضجت الناعيات بالبكاء على الحسين عليه السلام، قال هذا: والله كأني أنظر إلى أيام عثمان، ثم تمثل بالقول: عجّت نساء بني زبيد عجّة كعجيج نسوتنا غداة الأرنب..

 

وكان ذلك بكل المقاييس يعتبر من أتفه المواقف وأسوئها من الناحية الأخلاقية! فإن الحسين عليه السلام وأخاه الحسن لم يكن لهما من شأن في موضوع عثمان، بل ربما أُرسلوا للدفاع عن عياله وأهله! فما معنى أن يتمثل بذلك اليوم وكأنه يوم بيوم؟!

 

وأسوء منه تمثله بما نقله عن عمرو بن معد يكرب في وقعتهم تلك، ولو كان يمتلك شيئاً من الحكمة بل حتى المداراة لكان كلامه في غير هذا الاتجاه. وزاد الطين بلة عندما خرج إلى المنبر، فخطب الناس، ثمّ ذكر الحسين وما كان من أمره. ثمّ قال: واللّه لوددت أنّ رأسه في جسده وروحه في بدنه، يسبّنا ونمدحه، ويقطعنا ونصله، كعادتنا وعادته. (ولو أردنا أن نمثل البجاحة والسماجة وسوء التصرف في موقف لما وجدنا أكثر تعبيراً من هذا الموقف) فقام ابن أبي حبيش، أحد بني أسد بن عبد العزّى بن قصيّ فقال: أمّا لو كانت فاطمة حيّة لأحزنها ما ترى إنّه ابن فاطمة، وفاطمة بنت خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزّى. فقال عمرو: اسكت لا سكتّ! أتنازعني فاطمة، وأنا من عفر ظبائها؟ واللّه إنّه لابننا وإنّ أمّه لابنتنا. أجل واللّه، لو كانت حيّة لأحزنها قتله، ثمّ لم تلُم من قتله.

 

وفي مصدر آخر كانت العبارات بشكل آخر حيث قيل إنه قال في خطبته: إنّها لدمة بلدمة، وصدمة بصدمة، وموعظة بعد موعظة، واللَّه لوددت أنّ رأسه في بدنه وروحه في جسده كان يسبّنا ونمدحه ويقطعنا ونصله كعادتنا وعادته، ولم يكن من أمره ما كان، ولكن كيف نصنع بمن سلّ سيفه يريد قتلنا إلّا أن ندفع عن أنفسنا.

 

وفي هذا من الكذب الصريح، والفجور في الخصومة ما لا مزيد عليه، فهل كان مثل هذا الأشدق يصل الحسين كعادته والحسين يقطعه كعادته؟ أو أنه هو صاحب الثلاثين مسلحاً الذين أمرهم بأن يقتلوا الحسين عليه السلام ولو كان متعلقاً بأستار الكعبة كما مر في الحديث عن وجود الحسين في مكة واضطراره للخروج من الموسم؟ وأكذب كلامه ما قاله من أن فاطمة منهم! وهو الأموي الوارث العداوة لها ولأبيها وأبنائها من آبائه، وأنه كانت سترحب بمن يقتل ابنها وتؤيد فعله ولا تلوم من يقوم بذلك! هل رأيت أخي القارئ أختي القارئة خذلاناً أعظم من هذا؟!

 

3/ المرحلة الثالثة من وصول الخبر هي مع وصول الإمام السجاد عليه السلام إلى المدينة، وفيها كما تقدم فقد أمر الإمام السجاد بشر بن حذلم بأن يجدد نعي الإمام الحسين عليه السلام ويذكر الناس بمصيبته وأن يندبهم للخروج واستقبال ركب الأسارى ومعهم الإمام السجاد، لتعزيتهم وتضميد جراح أنفسهم. وهذا بالفعل ما حصل، فقد خيم الإمام السجاد خارج المدينة لبعض الوقت وجاءه من يعزيه بأبيه ويتعاطف معه فكانت مناسبة اجتماعية لحشد التأييد والنصرة لخط الإمام الحسين عليه السلام، وإدانة الخط الأموي.

 

والملاحظ هنا أن السلطة الأموية ممثلة في عمرو بن سعيد الأشدق كانت سلبية بحيث لم تستطع أن تتخذ إجراء في هذا الشأن، واكتفى الأشدق بسؤال الإمام فيما قيل بعد أن دخل المدينة وكان قد قرب وقت الصلاة بسؤاله: من الغالب؟ فأجابه الإمام بكبرياء: إذا أذن المؤذن تعرف من الغالب!

 

وكأنه يقول له: إن معركتنا ونهضتنا كانت من أجل إقامة الأذان والصلاة، وتحشيدكم من أجل إلغاء ذلك، فلما بقي هذا الأذان وتلك الصلاة قائمة على سوقها فهذا يعني أننا حققنا هدفنا وخاب رأيكم وعملكم.

 

يشار إلى أن الإمام عليه السلام كان قد خطب خطبة قصيرة في من حضره من أهل المدينة قبل دخوله إياها أشار فيها إلى عظمة مصيبة الإمام الحسين عيه السلام، وما جرى على عياله، فقال: (الحمد لله رب العالمين بارئ الخلائق أجمعين الذي بعد فارتفع في السماوات العلى وقرب فشهد النجوى، نحمده على عظائم الأمور وفجائع الدهور وألم الفجائع ومضاضة اللواذع وجليل الرزء وعظيم المصائب الفاظعة الكاظَّة، الفادحة الجائحة، أيها القوم إن الله وله الحمد ابتلانا بمصائب جليلة، وثلمة في الإسلام عظيمة، قُتِل أبو عبد الله الحسين وسُبِي نساؤه وصبيته وداروا برأسه في البلدان من فوق عال السنان، وهذه الرزية التي لا مثل لها رزية، أيها الناس فأي رجالات منكم يُسَرون بعد قتله أم أي فؤاد لا يحزن من أجله، أم أي عين منكم تحبس دمعها وتظن عن إنهمالها، فلقد بكت السبع الشداد لقتله وبكت البحار بأمواجها والسماوات بأركانها والأرض بأرجائها والأشجار بأغصانها والحيتان ولجج البحار والملائكة المقربون وأهل السماوات أجمعون).

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد