إذا تعرّفت على الفوارق الموجودة بين الشيعة وبعض طوائف المسلمين؛ فهلمّ معي إلى الفوارق الجوهرية بينهم وبين سائر الطوائف التي صيّرتهم إلى الفرقتين متمايزتين وأكثرها يرجع إلى مسألة القياده والخلافة بعد الرسول الأكرم (ص)، فنأخذ بالبحث عنها على وجه الإجمال.
المسألة الأولى: « وجوب تنصيب الإمام على الله سبحانه»
تتّفق جميع الفرق الإسلامية على أصل وجوب نصب الإمام سوى العجاردة من الخوارج ومنهم حاتم الأصمّ أحد شيوخ المعتزلة (ت 237 ه).
فالشيعة يذهبون إلى وجوبه على الله تعالى، وباقي الفرق على الأمّة!
وليس المراد من وجوبه على الله سبحانه هو إصدار الحكم من العباد على الله سبحانه حتّى يقال (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) «1»، بل المراد كما ذكرنا غير مرّة: أنّ العقل - حسب التعرّف على صفاته سبحانه، من كونه حكيماً غير عابث - يكشف عن كون مقتضى الحكمة هو لزوم النصب، فالعباد أقصر من أن يكونوا حاكمين على الله سبحانه.
ثم إنّ اختلاف المسلمين في كون النصب فرضاً على الله أو على الأمّة ينجم عن اختلافهم في حقيقة الخلافة والإمامة عن رسول الله (ص)، فمن ينظر إلى الإمام بوصفه رئيس دولة ليس له وظيفة إلّا تأمين الطرق والسبل وتوفير الأرزاق وإجراء الحدود والجهاد في سبيل الله إلى غير ذلك ممّا يقوم به رؤساء الدول بأشكالها المختلفة، فقد قال بوجوب نصبه على الأمّة، إذ لا يشترط فيه من المواصفات إلّا الكفاءة والمقدرة على تدبير الأمور، وهذا ما يمكن أن تقوم به الأمّة الإسلامية.
وأمّا على القول بأنّ الإمامة استمرار لوظائف الرسالة، فمن المتّفق عليه أنّ تعهّد هذا الأمر يتوّقف على توفّر صلاحيات عالية لا ينالها الفرد إلّا إذا حظي بعناية إلهيّة خاصّة، فيخلف النبي في علمه بالأصول والفروع وفي سدّ جميع الفراغات الحاصلة بموته، ومن المعلوم أنّ هذا الأمر لا تتعرّف عليه الأمّة إلّا عن طريق الرسول، ولا يتوفّر وجوده إلّا بتربية غيبّية وعناية سماوية خاصّة.
وهكذا فمن جعلها سياسة زمنية وقتية يشغلها فرد من الأمّة بأحد الطرق قال في حقه: (بأنّ الإمام بعد الرسول أشبه برئيس الدولة أو أحد الحكام وتنتخبه الأمّة الإسلامية... ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا، ولا ندعو عليهم، ولا ننزع يداً من طاعتهم، ونرى طاعتهم من طاعة الله فريضة ما لم يأمروا بمعصية، وندعو لهم بالصلاح والمعافاة؛ والحجّ والجهاد ماضيان مع أولي الأمر من المسلمين برّهم وفاجرهم إلى قيام الساعة، ولا يبطلهما شيءٌ ولاينقضهما «2»).
وقد استدلّت الإمامية على وجوب نصب الإمام على الله سبحانه بأنّ: وجود الإمام الذي اختاره الله سبحانه مقرّب من الطاعات ومبعّد عن المعاصي. ثمّ إنّ الرّسول الأكرم (ص) - وبوحي من الله سبحانه - قام بنصب إمام للأمّة ليقود أمرهم ويسدّ جميع الفراغات الحاصلة بلحوقه بالرفيق الأعلى وبذلك حسم مادة النزاع وقطع الطريق على المشاغبين، ولكنّه - وللأسف - تناست الأمّة وصية الرسول (ص) وأمره.
المسألة الثانية: «عصمة الإمام»
تفرّدت الإمامية من بين الفرق الإسلامية بإيجابها عصمة الإمام من الذّنب والخطأ، مع اتّفاق غيرهم على عدمها.
حقيقة العصمة
العصمة قوة تمنع صاحبها من الوقوع في المعصية والخطأ، حيث لا يترك واجباً ولا يفعل محرّماً، مع قدرته على الترك والفعل، وإلّا لم يستحق مدحاً ولا ثواباً. وإن شئت قل: إنّ المعصوم قد بلغ من التقوى حدّاً لا تتغلّب عليه الشهوات والأهواء وبلغ من العلم في الشريعة وأحكامها مرتبة لا يخطأ معها أبداً.
وليست العصمة فكرة ابتدعتها الشيعة، وإنّما دلّهم عليها في حقّ العترة الطاهرة كتاب الله وسنّة رسوله، قال سبحانه: (إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) «3»، وليس المراد من الرجس إلّا الرجس المعنوي، وأظهره هو الفسق.
وقال رسول الله (ص): «علي مع الحقّ والحقّ مع علي يدور معه كيفما دار» ومن دار معه الحقّ كيفما دار محال أن يعصي أو أن يخطأ؛ وقوله في حقّ العترة، «إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا أبداً»، فإذا كانت العترة عدل القرآن والقرآن هو كلام الله تعالى، فمن المنطقي أن تكون معصومة حتى لا يخالف أحدهما الآخر.
الدليل على لزوم عصمة الإمام بعد النبي (ص)
يمكن الاستدلال على لزوم العصمة في الإمام بوجوه متعدّدة نورد أهمّها:
الوجه الأوّل: إنّ الإمامة إذا كانت استمراراً لوظيفة النبوّة والرسالة وكان الإمام يملأ جميع الفراغات الحاصلة جرّاء رحلة النبي الأكرم (ص) فلا مناص من لزوم عصمته؛ وذلك لأنّ الغاية هي هداية الأمّة إلى الطريق المهيع، ولا يحصل ذلك إلّا بالوثوق بقوله والاطمئنان بصحّة كلامه، فإذا جاز على الإمام الخطأ والنسيان والمعصية والخلاف ضعفت ثقة الناس به، فتنتفي الغاية من نصبه.
الوجه الثاني: قوله سبحانه: (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) «4» والاستدلال مبني على دعامتين:
1 - إنّ الله سبحانه أمر بطاعة أولي الأمر على وجه الإطلاق، ولم يقيد وجوب امتثال أوامرهم ونواهيهم بشيءٍ.
2 - إنّ من البديهي كونه سبحانه لا يرضى لعباده الكفر والعصيان. «5» من غير فرق بين أن يقوم به العباد ابتداءً من دون تدخّل أمر آمر ونهي ناهٍ أو يقدمون عليه بعد صدور أمر ونهي من أولي الأمر.
فستكشف من إطلاق الأمر بالطاعة اشتمال المتعلّق على خصوصية تصدّه عن الأمر بغير الطاعة، وممّن صرّح بدلالة الآية على العصمة الإمام الرازي في تفسيره! «6».
الوجه الثالث: قوله سبحانه: (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) «7». والاستدلال بالآية على عصمة الإمام يتوقّف على تحديد مفهوم الإمامة الواردة في الآية وأنّ المقصود منها غير النّبوة والرسالة؛ لأنّ إبراهيم كان نبياً ورسولًا وقائماً بوظائفهما طيلة سنين حتى خوطب بهذه الآية، فالمراد من الإمامة في المقام هو منصب القيادة وتنفيذ الشريعة في المجتمع بقوّة وقدرة. وحكومة إلهية يبلغ المجتمع بها إلى السعادة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) يوسف: 40.
(2) العقيدة الطحاوية: 387 - 379
(3) الأحزاب: 33.
(4) النساء: 59.
(5) الزمر: 7.
(6) مفاتيح الغيب: 10 / 144.
(7) بقره: 124.
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد هادي معرفة
عدنان الحاجي
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
السيد جعفر مرتضى
الشيخ فوزي آل سيف
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ جعفر السبحاني
حيدر حب الله
الشيخ علي المشكيني
حسين حسن آل جامع
عبد الوهّاب أبو زيد
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
الشيخ علي الجشي
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان