قصّة ذهاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى الطائف، والمرارات والمحن التي عادت عليه من سفر، ممّا يهزّ الإنسان ويزلزله.
نقل الطبريّ في تاريخه. «وكان رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم يدعو الناس إلى الله في مكّة جهراً وعلانية، وكان يصبر على أذاهم وتكذيبهم واستهزائهم، حتى أنّ أحد الكفّار طرح عليه صلّى الله عليه [وآله] وسلّم رَحِم شاة وهو يصليى، وكان أحدهم يطرحها في بُرْمته «1» إذا نُصبت له. فكان رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم إذا طرحوا عليه ذلك الأذى، يخرج به على العود، فيقف به على بابه (أي الباب الذي ألقاه عليه، وكانوا من جيرانه أو أقاربه) ثمّ يقول: يَا بَنِي عَبْدِ مُنَافٍ! «2» أي جِوَارٍ هَذَا؟!
ثمّ إنّ خديجة وأبا طالب ماتا في عامٍ واحد، وكان ذلك قبل الهجرة بثلاث سنوات. وكان في موتهما مصيبة عظمى لرسول الله، إذ إنّ قريشاً وصلوا من أذاه بعد موت أبي طالب إلى ما لم يكونوا يصلون إليه في حياته منه؛ حتى نثر بعضُهم على رأسه التراب....
ولـمّا نثر ذلك السفيه الترابَ على رأس رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم، دخل رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم بيته والتراب على رأسه، فقامت إليه إحدى بناته تغسل عنه التراب وهي تبكي، ورسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم يقول لها: يَا بُنَيَّةُ لَا تَبْكِي؛ فَإنَّ اللهَ مَانِعٌ أبَاكِ!
ويقول رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم: مَا نَالَتْ مِنِّي قُرَيْشٌ شَيْئاً أكْرَهُهُ حتى مَاتَ أبُوطَالِبٍ. «3»
ولما مات أبو طالب خرج رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم إلى الطائف يلتمس من ثقيف النصر والمنَعة له من قومه؛ وذُكِر أنّه خرج إليهم وحده؛ فحدثّنا ابن حميد، قال: حدّثنا سلمَة، قال: حدّثنا ابن إسحاق قال: حدّثني يزيد بن زياد، عن محمّد بن كعب القرظيّ، قال: لما انتهى رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم إلى الطائف عَمَد إلى نفرٍ من ثَقيف - هم يومئذٍ سادة ثقيف وأشرافهم، وهم إخوة ثلاثة. عبد ياليل بن عمرو ابن عمير، ومسعود ابن عمرو بن عمير، وحبيب بن عمرو بن عمير؛ وعندهم امرأة من قريش من بني جُمَح. فجلس إليهم - فدعاهم إلى الله وكلَّمهم بما جاء لهم من نصرته على الإسلام، والقيام معه على مَن خالفه من قومه، فقال أحدهم. هو يمرُط «4» ثياب الكعبة إن كان الله أرسلَك! وقال الآخر. ما وجد الله أحداً يرسله غيرك! وقال الثالث. والله لا أكلّمك كلمةً أبداً؛ لئن كنتَ رسولًا من الله كما تقول؛ لأنتَ أعظمُ خطراً من أن أردّ عليك الكلام؛ ولئن كنتَ تكذب على الله ما ينبغي لي أن أكلّمك!
فقام رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم من عندهم، وقد يئس من خيرِ ثقيف؛ وقد قال لهم - فيما ذكر لي -. إذْ فَعَلْتُم مَا فَعَلْتُمْ فَاكْتِمُوا عليّ. وكره رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم أن يبلُغَ قومه عنه، فيُذئرهم «5» ذلك عليه، فلم يفعلوا وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم، يسبّونه ويصيحون به؛ حتى اجتمع عليه الناس والجأوه إلى حائط «6» لعتْبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة، وهما فيه، ورجع عنه من سفهاء ثَقيفٍ مَن كان يتّبعه، فعمد إلى ظلَّ حَبَلةٍ «7» من عنب، فجلس فيه، وابنا ربيعة ينظران إليه، ويريَان ما لقي من سفهاء ثقيف. وقد لقي رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم - فيما ذكر لي - تلك المرأة من بني جُمح، فقال لها:
مَاذَا لَقِينا مِنْ أحْمَائِكِ! فلمّا اطمأنّ رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم، قال - فيما ذكر لي -. اللَهُمَّ إلَيْكَ أشْكُو ضَعْفَ قُوَّتِي، وَقِلَّةَ حِيلَتِي، وَهَوَانِي على النَّاسِ؛ يَا أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، أنتَ رَبُّ المُسْتَضْعَفِينَ، وَأنْتَ رَبِّي، إلى مَن تَكِلُنِي! إلى بَعِيدٍ يَتَجَهَّمُنِي، أوْ إلى عَدُوٍّ مَلَّكْتَهُ أمْرِي؛ إنْ لَمْ يَكُنْ بِكَ عليّ غَضَبٌ فَلَا ابَالِي! وَلَكِنَّ عَافِيَتَكَ «8» هِيَ أوْسَعُ لِي. أعُوذُ بِنُورِ وَجْهِكَ الذي أشْرَقَتْ لَهُ الظُّلُمَاتُ، وَصَلَحَ عَلَيْهِ أمْرُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، مِنْ أنْ يَنْزِلَ بِي غَضَبُكَ، أوْ يَحِلَّ عليّ سَخَطُكَ، لَكَ العُتْبَي حتى تَرْضَى، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِكَ.
فلما رأي ابنا ربيعة. عُتبة وشَيْبة ما لقي، تحرّكت له رحِمهما، فدعوا له غلاماً لهما نصرانيّاً؛ يقال له عدّاس، فقالا له. خذ قِطفاً «9» من هذا العنب وضعه في ذلك الطَّبَق، ثمّ اذهب به إلى ذلك الرجل، فقل له يأكل منه؛ ففعل عدّاس، ثمّ أقبل به حتى وضعه بين يدي رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم، فلمّا وضع رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم يده، قال. بسم الله، ثمّ أكل.
فنظَر عدّاس إلى وجهه، ثمّ قال. والله إنّ هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلدة. قال له رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم. ومِن أهل أي البلاد أنت يا عدّاس؟ وما دينك؟ قال. أنا نصرانيّ، وأنا رجلٌ من أهل نينوى. فقال له رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم. أمِن قرية الرجل الصالح يونس بن مَتّى؟ قال له. وما يدريك ما يونس بن متّى؟ قال رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم. ذاك أخِي، كان نبيّاً وأنا نبيّ، فأكبّ عدّاس على رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم يقبّل رأسه ويديه ورجليه، قال. يقول ابنا ربيعة أحدهما لصاحبه. أمّا غلامك فقد أفسده عليك. فلما جاءهما عدّاس قالا له. ويلك يا عدّاس! مالك تقبِّل رأس هذا الرجل ويديه وقدميه! قال. يا سيِّدَي ما في [هذه] الأرض خيرٌ من هذا الرجل! لقد خبّرني بأمر لا يعلمه إلّا نبيُّ. فقالا. ويحك يا عدّاس! لا يصرفنّك عن دينك، فإنّ دينَك خيرٌ من دينه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - البُرمة. القدر من الحَجَر.
(2) - عبد مناف هو الجدّ الأعلى لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم. محمّد بن عبد الله بن عبدالمطّلب بن هاشم بن عبد مناف.
(3) - أورد آقاي محمّد القزوينيّ في رسالته لعلي أصغر حكمت كتقريظ على كتابه في ترجمة أحوال «جامي» مطالبَ عديدة في تعصّب «جامي» في تسنّنه، وفي الشواهد والأدلّة المتقنة على إيمان أبي طالب عليه السلام تستحقّ المطالعة. وقد ذُكرت هذه الرسالة في نهاية كتاب «جامي» تأليف على أصغر حكمت، من الصفحة 395 إلى الصفحة 407. ومن ضمنها قوله. «وكان أبو لهب طوال عمره، بعد بعثة الرسول من أشدّ المستهزئين برسول الله والمؤذين له. وكان دائماً يُلقي بالأقذار والنجاسات على منزل النبيّ.
وكان النبيّ إذا دعا شخصاً أو قبيلة إلى الإسلام، صرخ فيهم أبو لهب. لا تصدّقوا كلامه! فهذا ابن أخي وقد ربّيتُه، وهو مجنون. وكانت امرأة أبي لهب. أمّ جميل بنت حرب أخت أبي سفيان، معروفة أيضاً بعداوتها لرسول الله وإيذائها له. ولم تكن دون زوجها الملعون في ذلك. وكانت تجمع الأشواك فتجعلها في طريق النبيّ. وقد سمّاها القرآن لذلك بحَمَّالَةَ الحَطَبِ. بَيدَ أنّ أبا طالب - كما قلنا - قد دافع عن النبيّ طوال اثنتين وأربعين سنة بكلّ قواه، وقد قال رسول الله عن أبي طالب. مَا نَالَتْ مِنِّي قُرَيْشٌ شَيْئًا أكْرَهُهُ حتى مَاتَ أبُو طَالِبٍ. وقال: مَا زَالَتْ قُرَيْشٌ كَاعَّةً عَنِّي حتى مَاتَ عَمِّي أبُوطَالِبٍ».
(4) - يمرط. ينزع الشيء ويرمي به.
(5) - يُذئرهم. يحرش بينهم، (هامش التاريخ).
(6) - حائط. بستان، (هامش التاريخ).
(7) - الحبلة. الكرمة من العنب، (هامش التاريخ).
(8) - العافية هنا بمعني الرضا، مقابل السخط والغضب. عافى مُعافاةً وعِفاءً وعافيةً، اللهُ فلاناً. دفع عنه العلّة والبلاء والسوء. أي. إن صرفتَ عنّي غضبك ونظرتَ إلى نظر الرضا والمحبّة، لأبهجني ذلك وحلّ جميع هذه المشكلات والحوادث، ولاستقبلتُ بصدر رحب جميع المصائب والنوائب.
(9) - القِطف. اسمٌ لكلّ ما يُقطف. (هامش التاريخ).
السيد عباس نور الدين
الشيخ محمد مصباح يزدي
عدنان الحاجي
الشيخ محمد الريشهري
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ مرتضى الباشا
الشيخ محمد جواد مغنية
الشيخ محمد مهدي الآصفي
الدكتور محمد حسين علي الصغير
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
ما الذي ينبغي أن نفعله لجعل مجتمعنا إسلاميًّا بالكامل
أقسام الحرب وأنواعها الواردة في القرآن الكريم (1)
المركز الأوّل لحسين آل هاشم في مسابقة فوتوغرافيّة في مصر
مجموعة عصبونات في جذع الدماغ مسؤولة عن الشهية للملح
لقمان الحكيم (3)
لقمان الحكيم (2)
خطورة ذياع صيت الإنسان بين الناس واشتهاره بينهم
احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ
هل الكون كسوريّ؟
الشيخ عبد الكريم الحبيل: القلب السليم في القرآن الكريم (10)