من التاريخ

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمد صنقور
عن الكاتب :
عالم دين بحراني ورئيس مركز الهدى للدراسات الإسلامية

النبي سليمان (ع) بين القرآن الكريم والكتاب المقدس (1)

 

الشيخ محمد صنقور ..

الحديث سيكون في محورين:

المحور الأول: نتناول فيه ملامحَ من شخصية النبي سليمان (ع) في القرآن الكريم، وما لُفِّق على شخصيته في التوراة وبعض الروايات.

المحور الثاني: نتناول فيه بعض ما يمكن استيحاؤه من سيرة هذا النبي الكريم.

 

المحور الأول: النبي سليمان (ع) في القرآن والتوراة والروايات:

أولاً: النبي سليمان (ع) في القرآن الكريم:

لم يستعرض القرآن الكريم الكثيرَ من أحوال شخصيَّة هذا النبي الكريم، إلَّا أنَّ المقدار الذي تناوله القرآن من شخصيَّةِ هذا النبيّ الكريم ومُلكِه ونبوَّتِه كافٍ في الكشف عن ملامح هذه الشخصيَّة، فقد استعرض القرآن الكريم مجموعة من المشاهد التي تُعبِّر عن واقع هذه الشخصيَّة الواقعة في تأريخ الرسالات، فقد ذكره القرآن في عدَّة مواطن:

وارث داود (ع)..

أشار في بعض الآيات إلى وراثته لأبيه، فقال تعالى: ﴿وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ﴾ وأفاد في آية أخرى ﴿وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ﴾.

مُلك سليمان (ع)..

كما استعرض القرآن شيئاً من ملامح عظمة مُلْك سليمان في عددٍ من الآيات وردت في سورٍ متعدِّدة، كسورة البقرة، وسورة الأنبياء، وسورة سبأ، وسورة النمل، وسورة ص. وإنَّ الواقف على هذه الآيات الواردة في السور المذكورة يتجلَّى له ما كان عليه ملك سليمان من عظمة، فقد ورد في بعض الآيات:

قوله تعالى: ﴿وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ﴾، فكانت الريح طوع اختيار سليمان -غدوها، ورواحها-. وورد في بعض الآيات أنَّ الشياطين كانوا يخدمون في مملكة سليمان (ع)، قال تعالى: ﴿وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ﴾.

وأشارت آية أخرى إلى الكم الهائل الذي كان يتشكَّل منه جُند سليمان وأصناف هؤلاء الجند، وأشار إلى أنَّه يتكون من الجن والإنس والطير، وهذا ما لم يتفق لأيِّ أحد من ملوك الأرض، قال تعالى: ﴿وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾.

وآيات أخرى يمكن أن يتعرَّف الواقف عليها على بعض ملامح هذا الملك العظيم الذي أعطي لسليمان (ع)، فقد استجيبت دعوته التي دعى بها ربَّه حيث قال: ﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي﴾.

كما أشارت بعض الآيات إلى قصة إلقاء الجسد على كرسي سليمان، وآية أخرى أشارت إلى استعراضه للصافنات الجياد، وآية تحدثت عن قصته مع الهدهد، ومع ملكة سبأ، وتحدثت آية أخرى عن كيفية وفاة سليمان (ع) وأنه لم يتم التعرف على موته إلا بواسطة دابةٍ تأكل منسأته.

نِعم العبد..

ثم إنَّ القرآن الكريم أثنى على هذا النبي المكرَّم في موارد عديدة، وفي آيات من سورٍ مختلفة، فوصفه في سورة (ص) بقوله: ﴿نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ -أي كثير الرجوع إلى ربِّه، وكثير البخوع والخضوع لله عز وجل رغم سعة ملكه وسعة سلطانه وقوته، وأنَّ جنوده الجن أو الكثير من الجن والإنس والطير، فهو رغم ذلك كان متعبداً متذللاً متواضعاً لله عز وجل، وكثيراً ما يأووب إلى ربِّه، ويتوب إليه، لاستشعاره الدائم بالتقصير في أداء حق الله عزوجل.

أُوتي العلم والحكمة..

ووصفه القرآن في آياتٍ عديدة بأنه كان حكيماً عالماً قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا﴾، وورد في آية أخرى: ﴿فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا﴾ وقال تعالى:﴿وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ﴾.

 

ثانياً: النبي سليمان (ع) في العهد القديم (التوراة):

قلنا إنَّ القرآن الكريم أثنى على هذا النبي المكرَّم في موارد مختلفة؛ ولعلَّ الغرضَ من ذلك هو التفنيد لما ورد من طعون في هذه الشخصية من قِبل الكتب التي كانت تتداولها اليهود، بل إنَّ العهد القديم -الذي هو التوراة- قد تناول شخصية نبيِّ الله سليمان (ع) بما يُفضي إلى تكفيره أو التشكيك في توحيده الخالص لله جلَّ وعلا، كما أنه تناول شخصية سليمان بما يُسيء إلى نزاهته وتقواه، ولعله لذلك تصدى القرآن الكريم عبر عددٍ من الإشارات إلى الدفاع عن هذه الشخصية العظيمة.

 

وهنا نشير إلى بعض إساءات اليهود في الكتاب المقدَّس عندهم، وبالتحديد في العهد القديم:

عبد الأوثان في آخر عمره!

حيث أشارت بعض نصوص كتاب العهد القديم؛ إلى أنَّ هذا النبي الكريم قد انحرف في آخر عمره عن عبادة الله عز وجل وعَبَد الأصنام، فسجد لأوثانٍ كانت تعبدها بعض زوجاته، هكذا ورد في العهد القديم!

مولعاً بالنساء!

وذكروا أيضاً أنه كان مولَعاً بالنساء، وكان يعشق النساء كثيراً، حتى زعموا أنَّ له سبعمائة زوجة، وثلاثمائة جارية وأنَّه كان من من شدة ولعه ببعض زوجاته، خضع لطلبهن فبنى بيوتاً لعبادة الأوثان ولعبادة الأصنام اللاتي كنَّ يعبدنها، بل زعموا زوراً وبهتاناً أنَّه قد سجد إلى بعض تلك الأوثان!!

 

القرآن يتصدَّى للدفاع عن سليمان (ع):

وما كفر سليمان..

ومن هنا تصدى القرآن الكريم للدفاع عن هذا النبي، ونفى عنه هذه التهمة -الكفر وعبادة الأوثان- التي زعم اليهود أنها وحي جاء به التوراة قال الله تعالى: ﴿وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ﴾ كما ادعى اليهود ﴿وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ﴾.

طهارة سليمان وأمه وأبيه (ع)..

ثمة فِريةٌ أخرى ذكرها اليهود في التوراة في العهد القديم، وهي تُسيئ إلى مقام هذا النبي الكريم، حيث ذكروا أنَّ والدة سليمان كانت زوجةً لقائدٍ من قواد جندِ داوود (ع)، واتفق أن اطلَّع عليها داوود فأعجبه حسنُها وجمالها وقيافتها، فراودها عن نفسها فاستجابت فحبلت من ذلك الوطأ، ثم أرادها زوجةً له فعمل مكيدة وهي أنَّه بعث زوجها إلى حربٍ غير متكافأة، وأمره أن يكون في الصفوف الأمامية؛ ليُقتل، وما أن قُتِل هذا القائد حتى بنى على هذه المرأة، وبعد أن أنجبت من الفجور حبلت مرةً أخرى بعد زواجها من داوود (ع) فأنجبت سليمان (ع)!! فهم يتهمون أمه كما يتهمون النبيَّ داوود، فهي أساءة أخرى لهذا النبي الكريم.

وقد تصدى القرآن الكريم لنفي هذه الفرية أيضاً عن سليمان (ع) حيث أفاد في سورة النمل على لسان سليمان (ع) ﴿رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ﴾. في هذه الآية إشارة إلى أنَّ والدة سليمان (ع) كانت على هدىً من ربِّها، وكانت من الصالحات المؤمنات، حيث استوجب ذلك أن يشكر سليمانُ ربَّه حيثُ أنعم عليه فجعل أمَّه من الصالحات، ومن الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقيين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.

إذن، فكتاب العهد القديم تناول هذه الشخصية بما يتنافى ومقامها السامي عند الله عز وجل، وجاء القرآن الكريم لينزِّه هذه الشخصية عن الكثير مما أُلصق بها.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد