الشيخ محمد مهدي شمس الدين ..
العولمة والتفاعل الحضاري:
ترى، هل صحيح ما يقال من أننا نقيم على أرض الغرب على الصعيد الحضاري والمدني، وأننا مدينون للغرب بأسباب معاشنا ومظاهر عمراننا، وأن التطور الذي نشهده في مجتمعاتنا لم يكن من الممكن حصوله لولا التوسع الغربي، ولولا احتكاكنا بالغرب الحديث؟
ترى، هل هذه حقيقة، هل نحن حقيقة نعيش حضارياً وفكرياً على أرض الغرب؟ وما هو المقصود من ذلك؟ هل هو المكتشفات الحديثة في الكهرباء ووسائل الاتصال؟ أو هو عالم القيم؟ نحن لا نتحدث عن المنجزات الحديثة التي لا أريد أبداً أن أغفل أثرنا فيها ودورنا فيها، وليس من الإنصاف ذلك وليس من العدالة أن ننكر دورنا في وصول الغرب إلى هذه النتيجة.
ولا أريد أن أنسى دور الغرب في تدمير قدرتنا وطاقتنا على متابعة مسيرتنا وعلى متابعة نمونا.
ولكن يقال إن الإنسان يعيش على هذه الأرض، ما المقصود بالأرض، هل المقصود البيوت الحديثة والسيارات والطائرات؟ أو المقصود عالم القيم؟
نحن نتحدث عن العيش في نطاق عالم قيمي، في عالم القيم نحن نلاحظ أننا مستهدفون، أما على صعيد التقنيات، هذا الغرب الذي أنتج هذه المعجزات هو الغرب الذي أنجز النازية والفاشية والماركسية بتطبيقاتها الشرسة، هو الذي أنتج فكرة اللذة، وفكر الذرائع، وفكر العنف، وفكر الاستهلاك المفرط والتدمير الوحشي للطبيعة ولكل الإمكانات.
ترى، هل المراد هذا؟
هذا هو ما نلاحظه، وحينما يشعر الغرب الآن بأن الإنسان الآخر الذي يمثله عالم الإسلام أو العوالم الأخرى خارج الغرب يمكن أن يملك القدرة على التناظر معه يخترع لها هذه الصيغة، صيغة العولمة ليدمرها تحت ستار التقدم، إنه من قبيل من يعطي السم في اللذة ليدمر الضحية وهي ضاحكة مسرورة.
ترى ماذا قدمت الحضارة المعاصرة بالصيغة التي آلت إليها، ماذا قدمت للإنسانية غير توفير المتع المادية وغير استهلاك الطبيعة المفرط وتدمير البيئة الخطر؟ ماذا قدمت غير تنمية وسائل إشباع اللذة، لتدعي لنفسها الوصاية على مصير البشر وعلى مضمون البشر وعلى أخلاق البشر وعلى تشريع البشر؟
مازالت الآلام ومظاهر التخلف والنقص التي كانت تعاني منها الإنسانية على مدى التاريخ قائمة بالفعل، أكثر العالم فقير وجائع ومحروم، في وقت تتضخم فيه الثروة ويبلغ الإشباع حد التخمة لما لا يزيد على عشرين بالمئة من العالم. ثمانون بالمئة من الجنس البشري يعانون من الفقر والجوع والمرض والتخلف، بينما تستحوذ نسبة العشرين بالمئة على كل ثروات العالم.
أما العلم فهو حكر على هذه القلة التي لاتسمح للأكثرية، أن تنال من العلم إلا بمقدار ما يجعلها قادرة على إنتاج السلع الأساسية التي تغذي بها الصناعات الكبرى الصناعات المتطورة وما تتمكن به استهلاك البضائع التافهة في أغلبها التي تنشئها وتصنعها هذه القلة.
هناك قيود كثيرة على التطور العلمي، لقد غدا العلم وسيلة للسيطرة من فريق على فريق، بدل أن يكون وسيلة لتحرير البشرية كما هي نظرة الإسلام.
الحروب تزداد حدة وشدة وضرارة وانتشاراً.
وقد توصلت نسبة العشرين بالمئة من العالم، توصلت القوة البشرية التي تطلق تيار العولمة إلى أن تزرع الفتن والثورات والانقسامات بين الشعوب، وتفتت وحدتها لأجل أن تضمن استمرار السيطرة عليها.
لقد تخلفت إلى مستوى خطير أخلاق الحب والسماح والإيثار والعفة، وتقلصت وضمرت الحياة الروحية والتعلق بالقيم.
هذا هو المناخ الذي تروجه العولمة وتريد أن تثبته باعتباره صيغة نهائية لتطور الجنس البشري.
العولمة الإنسانية:
إن العولمة باعتبارها إنسانية نحو تبادل المعونة ونحو التكامل المعرفي ونحو تقديم الإنسان هي راسخة في صميم الإيمان الديني، وقد عبر عنها الإسلام حين دعا إلى التعاون البشري على أساس البر والتقوى، وحينما جعل الهدف المستبطن في التنوع هو التعارف. وحينما أرسى فلسفة العلم على قاعدة أنه ذخيرة لكل بشر، وأن الهدف من العلم هو خدمة الإنسان وليس العلم للعلم الذي يؤدي إلى السيطرة كيفما اتفق على المجتمع وعلى الطبيعة.
بهذا المعنى فإن العولمة باعتبارها هدفاً إنسانياً لإغناء الآخر وللتكامل معه ولإعطائه فرصة الازدهار، هي فكرة أصيلة وذخيرة أصيلة للإيمان الديني عند الجميع وخاصة في الإسلام.
من الأفكار التي تتصل بهذا البحث وينبغي إبرازها والتي تكشف عن الروح الشريرة التي أنتجت صيغة العولمة، النظرة التي طورتها الروح الفاشستية الغربية إلى العلم وإلى وظيفة العلم في مقابل نظرة الإسلام.
إننا نلاحظ أن هذه الروح الغربية التي أنتجت العولمة على مستوى العلاقات البشرية، هي التي أنتجت أشد الأسلحة فتكاً وتدميراً، بحيث إن الأسلحة التي أنتجها العقل الغربي والروح الغربية أخذت تهدد وجود الجنس البشري، لأول مرة في التاريخ، يمكن أن تؤدي غلطة، يمكن أن يؤدي عقل مجرم إلى اطلاق قوى لا يمكن السيطرة عليها تدمر الكرة الأرضية برمتها أو تدمر أعظم إنجازات العقل الإنساني.
هذه الروح التي أنتجت هذه القوى الشريرة لا يمكن إطلاقاً أن تدعي لنفسها أهلية وضع نظام للعلاقات الإنسانية يستجيب لعالم القيم الذي يزدهر فيه الوجود الإنساني، بل هي خليقة بأن تعيد إنتاج نظام قيم يدمر خير ما في الإنسان لمصلحة روح الشر التي تمثلت دائماً في هذا العقل الشرير.
تخلف المسلمين ودور الإسلام:
إن إحدى العلل الأساسية التي يعاني منها الاجتماع الإسلامي هو التخلف الخطير في الفكر السياسي الذي يهدف إلى بناء الاجتماع السياسي في المجتمعات الإسلامية على قاعدة الشورى وحقوق الإنسان وقيمة الفرد وفي نطاق تكامله مع المجتمع وفي نطاق المجتمع.
إن الدولة السلطانية – في الماضي – قد انتخبت فكراً سياسياً يناسبها. فنجد أن الكتابات السياسية تركزت على عنصر الطاعة، طاعة الرعية للحاكم، وصيغ جباية الأموال للحاكم، ولم تبحث في حقوق المواطن وإلى حياة المواطن وإلى ثروة المواطن، وإلى ضوابط إنفاق المال العام.
لقد عطل الاستبداد السياسي وعطل التحكم السلطاني القدرة على استنباط الفقه السياسي الذي يعبر عن جوهر العقيدة الإسلامية والشريعة الإسلامية في حرية الفرد وحقوق الإنسان وحقوق المجتمع وطبيعة الدولة العادلة وما إلى ذلك.
وهذه إحدى العلل الكبرى التي يعاني منها الاجتماع الإسلامي في العصر الحديث، والتي تسكن في لاوعي المجتمع وفي لاوعي الحكم.
إننا بهذا الواقع لا نستطيع بطبيعة الحال أن نواجه فكر العولمة وتيار العولمة، لابد من إصلاح عميق، لابد من أن تتظافر جهودنا دولاً وشعوباً، حكاماً ومواطنين على الخروج بحكمة من هذا الواقع نحو آفاق تعيد للذات الإنسانية احترامها.
سيطرة الخوف:
إننا نعيش فيما بيننا في ظل الخوف وتوازنات الخوف. الحاكم يخاف من المحكوم، والحكام يخاف بعضهم من بعض داخل الدولة وفيما بين الدول. والمجتمع يخاف من مجموعاته الداخلية ويخاف من حكامه، خوف متبادل، والخوف يدفع بالدول والمجتمعات إلى وضع صيغ تشريعية وتنظيمية واقتصادية لحماية الذات من الأخطار النابعة من ذاتها ضد ذاتها، بحيث أن الأمة تبدو لي في كثير من الحالات مصداقاً للتحذير القرآني الذي بينه الله تعالى بالنسبة إلى من كان بأسهم بينهم شديداً (تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لايعقلون). وهذا يشل قدرة الأمة على التصدي للخطر الآتي من الخارج.
أنسنة العولمة العربية:
إن هذه الاعتبارات كلها يجب أن تحملنا على العمل الجاد لأجل أنسنة العولمة، يجعل العولمة تقوم على رؤية إنسانية للعالم، وتلحظ سلامة الجنس البشري وكرامته في الوقت نفسه، تقوم على تدمير أسلحة الدمار الشامل ونزعها على مستوى العالم، وليس فقط على مستوى الضعفاء وإبقائها في يد الأقوياء.
وعلى تنظيم الاستفادة من الموارد الطبيعية على الكوكب الأرضي، ووقف حالة الاستحواذ والاستغلال المفرط للموارد من قبل القوى العالمية المهيمنة، وإخضاع الاقتصاد لحاجات الشعوب وليس لمطامع حفنة من أغنياء العالم وتوجيهه لمصلحة الجنس البشري وليس لمصلحة أل 20% من سكان الكوكب.
إيجاد مجالات للتفاهم الإنساني توفق بين الشخصية الحضارية والثقافية للمجموعات البشرية وبين الجوامع المشتركة بينها على المستوى العالمي.
إن هذه الرؤية تنسجم مع الرؤية الإسلامية للعولمة التي تقوم على مبدأ "وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا" وعلى مبدأ "وتعاونوا على البر والتقوى".
إننا نرى أن من غير الواقعي ومن غير الصحيح والمنطقي مواجهة العولمة بالانغلاق، أو برفض كل شيء أو بالعودة إلى النص من دون وعي. إن علم الشريعة هو علم الفقه الذي هو علم الوعي، والفقه يعني تجاوز النص لا بمعنى رفضه، بل بمعنى التعمق بفهمه عمودياً وأفقياً بما يستكشف المستقبل وبما يستجيب لضرورات الحاضر.
نعتقد أن الأساس في المواجهة يجب أن يرتكز على الأمور التي سبقت الإشارة إليها. ونضيف إلى ذلك أنه لابد من تطوير عميق في مناهج التعليم وفي العلوم عندنا ابتداء من رياض الأطفال إلى أرقى المستويات الجامعية، يجب تطوير نظام التعليم بما يتوافق مع حاجات الأمة ومع الاندماج في الطبيعة ومع رؤية المستقبل، يجب أن نعيد تكوين علاقتنا مع الطبيعة.
وفي نفس الوقت يجب إعادة الاعتبار بكل قوة إلى الأسرة وقيم الأسرة، وإلى بنى وقيم الاجتماع الإسلامي، إلى إعطاء مفاهيم الحوار والمحلة والحرفة وكل الأطر التي انتظم فيها الاجتماع الأهلي العربي الإسلامي على مدى التاريخ، انطلاقاً من مبدأ الإخوة أو مبدأ التآخي الذي أرساه الإسلام في التعبير الأول من تعابير الاجتماع المديني في المدينة بعد الهجرة النبوية.
يجب إعادة الاعتبار إلى هذه االقيم لا باعتبارها ثقافية نظرية، بل باعتبارها أساليب لتكوين الاجتماع الإسلامي العربي على الأسس الفكرية الإسلامية التي تنبع من نظام القيم الإسلامية العربية الذي تستهدفه تيارات الحداثة، بكل ما تحتوية من فردية وشهوانية حسية ومادية.
وفي ظل ذلك تعميق الوعي الروحي (روحنة الحياة وروحنة السلوك) في مقابل ما تقتضيه الحداثة من مادية ومن ذرائعية ونفعية، يجب أن تعمق في شخصية المسلم روح العبادة وروح الارتباط بالله – الروحنة – وهذه وظيفة العلم والتربية داخل الأسرة وداخل المدرسة وداخل مؤسسات المجتمع الأهلي.
إن القوة المعنوية الروحية التي أطلقت الحضارة الإسلامية العظمى في القرنين الثالث والرابع الهجريين، (هذه الحضارة التي يتجاهلها الغرب الآن)، إن هذه القوة الروحية المعنوية العظمى نشأت من الإسلام وهو لايزال موجوداً ولايزال قادراً على أن ينطلق هذه الروح، إذا اندمجت فيه وتفاعلت معه شخصية الأمة على مستوى أي شعب من شعوبها، فإنه قادر على أن يطلق الطاقة الكامنة في الروح الإنسانية وفي العقل البشري ليبدع، بالمقاييس المعاصرة، مؤسسات ومنجزات حضارية تقوم على مبدأ (الروحنة) والأخلاق والقيم الإنسانية.
ونعتقد أن أحد أهداف مواقع القوة والسيطرة والتوجيه في العالم الغربي هو الحيلولة دون استعادة المسلمين للتقاعل الحي مع الإسلام باعتباره طاقة محركة عظمى لتكوين الإنسان وإطلاق طاقاته الحديثة.
إن دور الإسلام في إطلاق هذه الطاقة هو ليس دور الأمر المادي المحرك لحوافز الانطلاق، بل إنه دور العامل المعنوي الداخلي الذي يهيىء العقل والروح للإبداع.
نتذكر هنا قول الله سبحانه وتعالى "{ياأيها الذين آمنوا استجيوا لله والرسول اذا دعاكم لما يحييكم} حيث أن المفسرين فهموا من ذلك الدعوة إلى الإيمان بالغيب إلى العبادة، ونحن نفهم من الآية أوسع من ذلك بكثير، الدعوة هي لتجديد الروح وتجديد العقل والانفتاح على العالم واعتماد مبدأ التجديد واعتماد الروح العلمية والرؤية الموضوعية للذات وللإنسان وللعالم.
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ محمد هادي معرفة
السيد محمد حسين الطبطبائي
عدنان الحاجي
الشيخ جعفر السبحاني
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
عبد الوهّاب أبو زيد
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
الإسلام وميول الإنسان
شروط البحث
الزهراء للإمام عليّ: اشتملت شملة الجنين (1)
التمثيل بالمحقَّرات في القرآن
الشّيخ صالح آل إبراهيم: ميثاقنا الزّوجي
اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا
المادة على ضوء الفيزياء
المعرض الفنّيّ التّشكيليّ (أبيض وأسود) بنسخته الثّالثة
القرآن وجاذبيّته العامة
القرآن الكريم وأمراض الوراثة