الشيخ غازي السمّاك
الخطيب الحسيني هو أحد أهم الأعمدة والركائز في المؤسسة الحسينية، وهو عنصر مهم وحساس في بعده الإيجابي أو السلبي. فلذا تأتي لابديّة الاختيار الواعي والمسؤول للخطيب الحسيني حتى يحقق الأهداف المنسجمة مع حركة الإمام الحسين (عليه السلام) الإصلاحية في كل أبعادها.
معايير اختيار الخطيب الحسيني:
هناك عدة معايير ومكونات لابد من ملاحظتها عند اختيار الخطيب الحسيني سواء من جهة إدارات المآتم أو من جهة الجمهور الحسيني، منها:
١- المكوّن الإيماني والتقوائي:
وهو المكوّن الأهم والأساس، وفيه عدة جوانب، أهمها:
الإخلاص:
الإخلاص لله سبحانه وتعالى، الإخلاص في مودة أهل القربى - أهل البيت عليهم السلام -، الإخلاص في خدمة الإمام الحسين عليه السلام وحمل قيمه ومبادئه وأهدافه.
فلا قيمة لأي عمل دونه، وهو عنصر التوفيق للخطيب في تكامله وعطائه، وقد ورد عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ): "الإخلاص ثمرة اليقين"، "إخلاص العمل من قوة اليقين وصلاح النية".
التقوى:
وهو خير لباس {ولباس التقوى ذلك خير} وهو خير زاد {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى}. فالتقوى هي التي تصون الخطيب من الزلل والشطط والانحراف في الكلمة أو الموقف، وتجعله مستشعراً لمعيّة الله عز وجل أثناء تحضيره وإعداده للموضوع وعند إلقائه له، وفي كيفية إلقائه.
حسن الخلق:
قال تعالى: {ولو كنت فظًّا غليظ القلب لانفضوا من حولك}، وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق". فالأخلاق الحسنة هي [جواز] العبور لقلوب الآخرين، وقبل ذلك هي محطة لرضى الله عز وجل ولطفه وعنايته.
التواضع:
وهي أهم صفة أخلاقية لابد أن تتجلى في شخصية الخطيب الحسيني. فالغرور العلمي والنظرة الاستعلائية للذات من أكبر الآفات التي تصيب الخطيب - من حيث يشعر أو لا يشعر - فلا بد من التواضع للمنبر الحسيني وللجمهور الحسيني من منطلق التقرب إلى الله عز وجل، وقد ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله): "من تواضع لله رفعه الله، ومن تكبّر وضعه الله".
٢- المكوّن العلمي والثقافي:
وهو المكون الأساس بلحاظ العطاء وإفادة الجمهور الحسيني من منطلق التفقه الخاص في الدين - أي الدراسات التخصصية الحوزوية العليا -، ويختلف في مراتبه تبعاً لاختلاف الحصيلة العلمية ودقتها وثرائها عند الخطيب، ومن أبعاد هذا المكون:
الرؤية العقائدية:
فالخطيب من دون رؤية عقائدية شاملة لأصول الدين وأمهات المسائل العقدية، ربما يقع في منزلقات عقائدية ودهاليز يدخلها ولا يتمكن من الخروج منها. فلابد من التركيز على التأسيس والتأصيل العقائدي في التوحيد والعدل والنبوة والإمامة والمعاد، ومن ثم التعرض للشبهات بشكل واضح والرد عليها بشكل أوضح ودقيق.
الرؤية الفقهية:
معرفة الأحكام الشرعية - وبالأخص الابتلائية منها - وطريقة عرضها وبيانها من العناصر المهة بالنسبة للخطيب الحسيني، حيث من خلال الفقه بمعناه الخاص - أي معرفة الأحكام الشرعية - يتحدد المسار العملي للمكلف بما يتلاءم مع الحكم الشرعي. والخطأ في بيان الحكم الشرعي يستلزم الخطأ في الموقف العملي للمكلف، مما يستدعي توخي المعرفة السليمة للأحكام الشرعية ومداركها وبيان مورد الابتلاء منها.
الرؤية الفكرية والثقافية:
وهي حصيلة الجهد الذاتي للخطيب من خلال متابعته للقضايا الفكرية والثقافية والتأمل فيها والاستفادة من نتاجات العلماء المختصين وآرائهم وتمحيصها بأدوات النقد وفق الضوابط العلمية الرصينة، وعرضها بأسلوب ينسجم مع أفهام الجمهور الحسيني، كما هي سيرة الأنبياء حينما أمروا أن يكلموا الناس على قدر عقولهم، لتحقيق الهداية وبناء الإنسان.
الرؤية التاريخية:
ينبغي على الخطيب أن يكون ملمّاً بالمسائل التاريخية، قادراً على سردها من خلال الاعتماد على المصادر التاريخية المعتمدة والمعتبرة، مع ضرورة تحليل هذه الحوادث التاريخية واستنتاج الدروس والعبر منها. حيث يحتاج الخطيب إلى رصد الحدث التاريخيّ بالإضافة إلى تحليله واستخلاص الدروس منه.
٣- المكوّن الاجتماعي والسلوكي:
الخطيب الحسيني لابد له من [تحصيل وتفعيل] ما يعرف [بالذكاء الاجتماعي] وكيفية التعاطي مع الجمهور الحسيني بمختلف شرائحه، فالجمهور الحسيني في مجمله، يتسم بالتدين والوعي والبصيرة، وهو يتطلع إلى تعامل وخطاب بمستوى ما يمتلك من تدين ووعي وبصيرة، ومن أهم الأمور في المكون الاجتماعي والسلوكي:
حسن السيرة:
فالتاريخ الناصح النظيف والحاضر المنسجم مع القيم والأخلاق والتقيد بالحكم الشرعي من الأساسيات في شخصية الخطيب ونجاحه وقدرته على التأثير، والخلل - بالأخص - في التقيد بالحكم الشرعي يفقد الخطيب أهم المقومات ومقتضيات التأثير، حيث إن انسجام القول مع العمل ركيزة من ركائز الدعوة إلى الله عز وجل {كبر مقتًا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون}.
سلامة التوجه العام في إطار خط المرجعية الدينية والعلماء:
العلماء ورثة الأنبياء، وهم من نصّبهم الخطاب المعصوم - أي الإمام - بتنصيب عام في عصر الغيبة الكبرى، فمن انحرف عن خط العلماء العدول الأتقياء الصلحاء فقد انحرف عن خط الإمامة، لأنه لم يمتثل لأمر الامام المعصوم بضرورة الرجوع للعلماء العدول في في عصر الغيبة الكبرى. فأي خطيب يتعدى على العلماء العدول وينتقص من مقامهم ولا يحفظ حرمتهم، فهو لا يستحق أن يصعد على منبر الهدي والصلاح والاستقامة.
بطبيعة الحال، هناك فرق بين مناقشة آراء العلماء بمنطق علمي وموضوعي، وبين التعدي على مقام العلماء، وما قصدته هو الثاني دون الأول. فمناقشة آراء العلماء من قبل الخطيب الحسيني مع مراعاة ضوابط النقاش العلمي وأخلاقياته حق مكفول للخطيب الذي يمتلك المؤهل العلمي في المناقشة العلمية.
علماً بأن الجمهور الحسيني الواعي قادر على التمييز بين التعدي على مقام العلماء وبين مناقشة آراء العلماء ونقدها علمياً. فلابد من احترام مقام المرجعية الدينية والعلماء العدول بمختلف اتجاهاتهم ومشاربهم، وأي تعدٍ على هذا الموقع والمقام فسوف يؤدي - تلقائياً - إلى سقوط الخطيب لأنه اصطدم بجبل راسخ وطود شامخ.
نعم، لا يتنافى - ما تقدم - مع انتماء الخطيب الحسيني لمرجعية دينية معينة - مقبولة بموازين العرف الحوزوي العام - إذا لم يتجاوز - أي الخطيب - حده بلحاظ بقية المرجعيات الدينية الأخرى.
الوعي والبصيرة وتجنب إثارة المواضيع الفتنوية والتمزيقية:
الوعي والبصيرة عند الخطيب الحسيني ومراعاة وحدة الصف المؤمن وسلامة المجتمع الإيماني ضرورة من ضروريات الخطيب الحسيني، فمن كان من الخطباء ديدنه شق الصف وإثارة الفتن وعدم الحفاظ على ملاك وحدة الأمة، فهو غير لائق بمنبر الإمام الحسين (عليه السلام).
لين العريكة وترك العصبية والمزاج الخاص وضرورة التفاعل مع المخاطبين واحتوائهم:
مرونة الخطيب وسعة صدره وأريحيته وعدم عصبيته وهدوء مزاجه في تعامله مع مختلف شرائح الجمهور الحسيني - ومنهم الأطفال - تعكس الخلق العملي الراقي عند الخطيب الحسيني، وهو خلق أهل البيت (عليهم السلام) في تعاملهم مع الآخرين، بل حتى لمن أساء لهم فضلاً عن محبيهم ومواليهم وشيعتهم، انطلاقاً من الآية الشريفة: {والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين}.
٤- المكوّن الفنّي والمهاراتي:
مهارات الخطيب الحسيني الذاتية تعينه على أداء رسالته التبليغية على الوجه الأكمل، فبالإضافة لأدائه المتقن بالنسبة للنعي الحسيني بالأسلوب الشجي، هناك مهارات لابد للخطيب من مراعاتها، منها:
مراعاة ضوابط البحث العلمي:
بلحاظ اختيار عنوان الموضوع وتنسيقه وترتيبه ومنهجيته وفهرسته وفق ضوابط البحث العلمي، ومن هنا تأتي ضرورة دراسة الخطيب لضوابط البحث العلمي، فهو علم مستقل يحتاج لمعرفة ودراسة.
حسن الإلقاء والبيان: ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله): "إن من الشعر لحكماً، وإن من البيان لسحراً"، فالخطابة فن من الفنون ومهارة من المهارات التي تحتاج لتمرين وتدريب وتراكم للخبرات، فمن الضروري أيضاً معرفة الخطيب بفنون الخطابة وأساليبها ومقتضياتها ومحسناتها وما يرتبط بقواعد اللغة من نحو وصرف وبلاغة وبيان وغيره.
ربط الخطاب بالواقع وحاجات المجتمع:
الخطاب المثالي الذي يُلقى من [بروج عاجيّة] لا يلامس قضايا المجتمع وهمومه ومشاكله وحاجاته، هو خطاب أجوف غير نافع للجمهور الحسيني ولا يخدم أهداف المنبر الحسيني. وعليه، يحتاج الخطيب الحسيني إلى التعرف على حاجات وهموم الجمهور الحسيني من خلال متابعته الشخصية ورصده الجاد، أو من خلال الاستعانة بالمعنيين المهتمين والعارفين بهذه المسائل والقضايا. فقبل أن يختار الخطيب عنوان محاضرته ومضمونها، فلابد أن يدرس حاجة البيئة التي سيتعاطى معها من مختلف الجوانب، لكي يقدم لها ما تحتاجه في طريق تكاملها وهدايتها.
الاستفادة من تجارب الآخرين وعدم الاستقلال المبكر:
الخطيب الحسيني مهما امتلك من خبرة وممارسة، فهو يحتاج إلى ملاحظة تجارب الآخرين والاستفادة منها باستمرار. ومن الخطأ - خصوصاً للخطباء المبتدئين - أن يستقلُّوا في مراحلهم الأولى عن تجارب غيرهم والاستفادة منها، ويتعاملوا مع تجربتهم على أنها مدرسة مستقلة بذاتها، تعويلاً على تجربتهم المحدودة.
عدنان الحاجي
الشيخ محمد جواد مغنية
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيد عباس نور الدين
الشيخ علي المشكيني
حيدر حب الله
السيد عادل العلوي
الشيخ جعفر السبحاني
حبيب المعاتيق
أحمد الرويعي
حسين حسن آل جامع
عبدالله طاهر المعيبد
حسين آل سهوان
أسمهان آل تراب
أحمد الماجد
فريد عبد الله النمر
علي النمر
زهراء الشوكان
المتفائلون متشابهون في تفكيرهم في الأحداث المستقبليّة، بينما لكلّ متشائم طريقته
بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ ورَسُولِهِ
ركب الأسارى من كربلاء إلى المدينة
سورة قريش
رسالة في أسماء الله سبحانه وتعالى (2)
معايير اختيار الخطيب الحسيني
الأمسية الشّعريّة الحسينيّة (هو الحسين) بنسختها الخامسة عشرة
كيف يمكن أن نبلغ أعلى مراتب القرب بواسطة النية والأمنية؟
رسالة في أسماء الله سبحانه وتعالى (1)
سورة الفيل