مقالات

آداب الصلاة


الشيخ محمد مهدي النراقي ..
إذا أتيت بالطهارة في مكانك ، وهو ظرفك الأبعد ، ثم في ثيابك ، وهو غلافك الأقرب ، ثم في بشرتك ، وهي قشرك الأدنى ، فلا تغفل عن لبك وذاتك ، وهو قلبك ، فطهره بالتوبة والندم على ما فرط ، وتصميم العزم على الترك في المستقبل ، فطهر بها باطنك ، فإنه موضع نظر ربك.
ثم إذا سترت مقابح بدنك عن أبصار الخلق باللباس ، فاخطر ببالك فضائح سرك التي لا يطلع عليها إلا ربك ، وطالب نفسك بسترها ، وتحقق أنه لا يستر عن عين اللّه ساتر، وإنما يكفرها الخوف والندم والحياء ، فتستفيد بإظهارها في قلبك انبعاث جنود الخوف والندم و الحياء من مكامنها ، فتذل به نفسك ، ويستكين تحت الخجلة قلبك ، وتقوم بين يدي اللّه - تعالى- قيام العبد المجرم المسي‏ء الآبق ، الذي ندم فرجع إلى مولاه ، ناكسا رأسه من الخوف والحياء ، قال الصادق (عليه السلام) : «أزين اللباس للمؤمن لباس التقوى ، وأنعمه الإيمان ، قال اللّه تعالى : {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف : 26] ، وأما اللباس الظاهر، فنعمة من اللّه  تعالى  تستر بها عورات بني آدم ، وهي كرامة أكرم اللّه بها ذرية آدم ما لم يكرم بها غيرهم ، وهي للمؤمنين آلة لأداء ما افترض اللّه عليهم ، وخير لباسك ما لا يشغلك عن اللّه - عز وجل - ، بل يقربك من ذكره وشكره وطاعته ، ولا يحملك على العجب والرياء والتزين والتفاخر والخيلاء ، فإنها من آفات الدين ، ومورثة للقسوة في القلب ، فإذا لبست ثوبك ، فاذكر ستر اللّه عليك ذنوبك برحمته ، وألبس باطنك بالصدق كما ألبست ظاهرك بثوبك ، وليكن باطنك من الصدق في ستر الهيبة ، وظاهرك في ستر الطاعة.
واعتبر بفضل اللّه - عز وجل - ، حيث خلق أسباب اللباس ليستر بها العورات الظاهرة ، وفتح أبواب التوبة والإنابة والإغاثة ليستر بها عورات الباطن من الذنوب وأخلاق السوء.
ولا تفضح أحدًا حيث ستر اللّه عليك ما أعظم منه ، واشتغل بعيب نفسك واصفح عما لا يعنيك حاله وأمره.
واحذر أن يفنى عمرك بعمل غيرك ، ويتجر برأس مالك غيرك ، وتهلك نفسك ، فإن نسيان الذنوب من أعظم عقوبة اللّه في العاجل ، وأوفر أسباب العقوبة في الآجل ، وما دام العبد مشتغلا بطاعة اللّه - تعالى- ، ومعرفة عيوب نفسه ، وترك ما يشين في دين اللّه عز وجل  فهو بمعزل عن الآفات ، خائض في بحر رحمة اللّه - عز وجل -  يفوز بجواهر الفوائد من الحكمة والبيان.
وما دام ناسيًا لذنوبه ، جاهلًا بعيوبه ، راجعًا إلى حوله و قوته ، لا يفلح إذا أبدا .

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد