الشيخ محمد مهدي شمس الدين ..
- المشكلة التربوية هي أم المشاكل:
بعيداً عن مسألة التنمية في العالم الإسلامي وبعيداً عن المسألة السياسية في العالم الإسلامي أم المشاكل هي المسألة التربوية، تربية الفرد والعائلة والجماعة ومن ثم الوطن والأمة بعد ذلك، وأعتقد أنّ بداية التخلف الإسلامي الكبير الذي حل بالمسلمين والذي لا يزال يفتك بهم حتى الآن ناشئ من طبيعة التربية التي يتلقاها الإنسان المسلم في كل وطن من أوطانه على مستوى العالم الإسلامي. ومن المنظور القرآني البحت الذي هو كتاب التربية الأساسي والأم للمسلم، والسنة النبوية الشريفة التي تحفل بالنماذج التطبيقية للقرآن، نفهم ما هي وظيفة التربية الأساسية في الإسلام وما هي فلسفتها التي تقوم عليها.
هل التربية في المنظور الإسلامي هي وسيلة لإعداد الإنسان للعيش؟ هل هي وسيلة لإعداد الإنسان للغلبة، لا هذا ولا ذاك.
- مهمة التربية اليوم ومهمتها في الإسلام:
في الشعوب والأمم المتخلفة، التربية وسيلة لإعداد الإنسان أو الجماعة لكي تستمر في البقاء. في الفكر المادي، التربية وسيلة لإعداد الإنسان ليكون غالباً ومستعمراً، تربية القوة العمياء هي روح التربية التي يحفل بها الفكر المادي. في الإسلام منذ نزلت على رسول الله الآيات الأولى التي لخصت الموقف التربوي والحياتي للعقيدة الإسلامية والشريعة الإسلامية. وظيفة الشريعة بدأت منطلقة من إعداد الإنسان المسلم ليكون خالق حضارة ورائد حضارة ذات طابع إنساني منفتح وقوي.
لم تكن هذه الحضارة حضارة عرقية أو وطنية أو عرقية وقومية، وإنما ذات طابع إنساني عام. هذا الدور ينبغي أن تضطلع به الشريعة هو ما فقدناه وهو ما نبحث عنه. هو ما أمرنا الله باتباعه ونهانا عن اتباع السبل التي تبعدنا عنه.
إذاً الشريعة الإسلامية هي وسيلة لتكوين الحضارة وتجديدها في حركة التاريخ تتكون ثم تستمر في البقاء في حالة التجدد والتحرك.
المسلمون الأولون كانوا يمارسون هذه المهمة دون أن يشيروا إليها ربما في دراساتهم لأنهم كانوا يعيشونها في حياتهم- أما نحن الآن حيث نعيش حالة الانفصام بين الواقع الحضاري المفروض علينا وبين الواقع الحضاري الذي نمتلكه من خلال قرآننا وسنة نبينا، فنعي هذه المشكلة وعياً كاملاً. مسؤولية القيادات التربوية والسياسية في العالم الإسلامي هو أن نتوجه نحو إنجاز هذه المهمة، بعيداً عن السياسات الوطنية لكل بلد، وبعيداً عن السياسات القومية لكل بلد أيضاً، في اتجاه ترسيخ مفهوم الأمة الإسلامية الذي يتضمنه القرآن الكريم. ترى هل تقوم التربية الإسلامية كما نفهمها من خلال القرآن والنماذج التطبيقية التي وردت في سنة رسول الله (ص) هل تتضمن هذه الفلسفة وهذه الرؤية، هل تتضمن تركيزاً على الفرد أو على الجماعة أو على المجتمع الوطني، أو تتجاوز ذلك كله إلى مفهوم الأمة: ترى إنها تتجاوز ذلك كله إلى مفهوم الأمة؟ من جملة الميزات الأساسية في التربية الإسلامية هي أنّ الإنسان المسلم إنسان عالمي لا ينتمي انتماء نهائياً وحاسماً إلا إلى الأسرة الإنسانية، يتجاوز العائلة والعشيرة والقوم إلى العالم، إلى البعد الإنساني الكبير، الآن في حاضرنا ونتيجة للسياسات التربوية الي تعرضنا لها في عصر الاستعمار، التيار التربوي في كل بلد إسلامي يركز، كما نعلم جميعاً، على المجموعات العرقية وعلى المجموعات الطائفية، وعلى المجموعات الوطنية، وفي أحسن الأحوال يركز على المجموعات القومية في العالم الإسلامي ويهمل مفهوم الأمة. إهمالاً كاملاً. وقد وقعت جميع السياسات التربوية في العالم الإسلامي، في كل وطن من أوطان المسلمين، وقعت في هذا الفخ، فينشأ الفرد المسلم وهو يحمل تاريخ وتراث منطقته الجغرافي، تاريخها اللاإسلامي وتراثها اللاإسلامي أكثر مما يجعل ويعي تاريخه الإسلامي الحي، ومن هنا نشأت المشاكل العرقية في داخل العالم الإسلامي، والمشاكل الطائفية والمذهبية، ومن ثم المشاكل الوطنية والاقليمية والقومية، داخل العالم الإسلامي.
بخط مميز الآن مثلاً نجد ظاهرة ننبه إليها القيادات السياسية التي تحمل مسؤولية كبرى في هذا الشأن، إن جميع مظاهر التقارب التي تظهر بين الحين والحين، بين دول العالم الإسلامي، هي مظاهر تفرضها الضغوط الخارجية، والضرورات السياسية الخارجية دون أن تكون نابغة من رؤية داخلية واعية لكون المسلمين أمة واحدة، هذا أمر لا فضل لقيادات العالم الإسلامي السياسية فيه، لأنه في مثل منظمة الوحدة الا فريقية مثلاً، أو في مثل منظمة دول عدم الانحياز مثلاً، نجد أن سياسات التقارب التي تنشأ عن ضرورات سياسية خارجية، تفرض صيغاً للتقارب والتعاون نابعة من الضرورات الخارجية بين أمم لا تنتمي إلى رؤية حضارية واحدة. لا توجد الآن في العالم الإسلامي نتيجة لهذا أية رؤية تربوية واحدة، داخل كل طائفة من طوائف المسلمين وداخل كل وطن من أوطان المسلمين أكاد أقول داخل كل مجموعة اقليمية من مجموعات الدول الإسلامية، توجد رؤية تربوية مختلفة تماماً عن الرؤى التربوية الموجودة في المجموعات الأخرى أو في الدول الأخرى لأنه لم يحدث أبداً أن عملت الجهود المبذولة، في سبيل تحقيق رؤية تربوية موحدة، مع أننا نملك أساساً صالحاً لهذه الرؤية وهو القرآن والسنة النبوية الشريفة.
إن أي مهمة تربوية ليس في أن نعد الفرد المسلم أو الجماعة المسلمة لتكون مسلمة بالمعنى التقليدي الذي طالما قلت عنه أنه ينظر إلى القبر، ينظر إلى أن تكون حياة المسلم سبيلاً إلى أن يكون قبره روضة من رياض الجنة، وإنما ينبغي أن تهدف هذه الجهود إلى أن تجعل دنيا المسلم أيضاً روضة من رياض الجنة وموقعاً من مواقع العزة والقيادة في العالم الحديث.
حين نتحدث عن التربية الإسلامية لا نتحدث عن مذهب تربوي، إنما نتحدث عن خط تربوي داخل صيغة حياة شاملة هي الإسلام، وعن رؤية تربوية في صيغة حضارية هي الإسلام.
من هنا ينبغي أن نقدر المهمة التي نواجهها حق قدرهها، لسنا في مواجهة بحث نظري، وإنما في مواجهة مشكلة حياتية حقيقية، نعاني منها على صعيد الفرد، وعلى صعيد الجماعة، وعلى صعيد السياسات العامة للعالم الإسلامي. بالتأكيد المشكلة السياسية في العالم الإسلامي في أعمق جوانبها هي مشكلة تربوية، ويوجد الآن في حياتنا الإسلامية مظاهر محزنة دامية هي نتيجة لعدم وجود وعي تربوي إسلامي، لا على مستوى طلاب المدارس الابتدائية أو الثانوية، وإنما على مستوى القيادات العليا للعالم الإسلامي التي تملك بيدها مصائر المسلمين في هذا العصر.
- مقومات وعناصر التربية الإسلامي:
من هذا المنظور، نلاحظ أنّ المسألة التربوية، تشمل نوعين من المقومات والعناصر، الأول هو ما نسميه الثوابت، العناصر الثابتة في كل توجه تربوي، هذه العناصر الثابتة في التربية الإسلامية القرآنية هي التي تعد الإنسان المسلم لدوره العالمي، دوره القيادي الذي عبر عنه الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم، بكونه جعل المسلمين شهداء على الناس، جعلهم في موقع الشاهد على حركة التاريخ "لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً". الشاهد يجب أن يكون منفصلاً تماماً عن المشهود عليه وأن يكون مراقباً تماماً للمشهود عليه.
إذن دور الشاهد يعطي الأمة الإسلامية دوراً حضارياً في هذا العالم، دوراً حضارياً يكون منفصلاً عن هؤلاء وعن هؤلاء، يكون منفصلاً عن الخط التربوي السائد في العالم الآن الذي يقسم العالم معسكرين، والذي يقيم وجوده دولاً وأوطاناً وأفراداً على مبدأ القوة والغلبة بأي شكل من أشكال القوة والغلبة. العناصر الثابتة، في التربية الإسلامية هي التي تعد الإنسان المسلم ومن ثم الأمة الإسلامية إلى أن يكون قوة حضارية شاهدة في العالم.
ومن هنا نقولها بكل شعور بالمسؤولية، السياسات التربوية الوطنية التي تنفتح بلا تبصر فتستباح من قبل التيارات والمذاهب التربوية التي تنتمي إلى إحدى القوتين العظميين في العالم هي، سياسات تدخل في صميم تكون الإنسان المسلم، ربما عناصر تعوق تقدمه لأنها لا تعده لدور الشاهد وإنما تعده لدور الشريك، ونحن نعرف من تجربة قرن كامل، إننا لم نبلغ حتى دور الشريك، كل السياسات الوطنية والاقليمية التي تدخل في بنية الإنسان المسلم الفكرية والروحية رؤى تختلف عن تكوينه العقيدي والتشريعي هي تخالف روح التربية الإسلامية وتخالف وظيفة العناصر الثابتة في هذه التربية، ترى هل ننغلق عن الآخرين، هل نغلق كل نوافذنا عن تجارب الآخرين، كلا، الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم ورسوله الكريم في سنته الشريفة، لم يأمرنا بذلك وإنما أمرنا بما يخالفه أمرنا بأن ننفتح وأن نحاور وأن نأخذ من كل شيء أحسنه، ولكن متى، بعد أن نكون قد كونا موقعنا الخاص، وبعد أن نكون قد كونا شخصيتنا الخاصة، أما ونحن في ضياع ونحن في تيه نلفق هنا وهناك مذاهب تربوية فيها من الإسلام شكل باهت، وفيها من كل وادٍ عصا، فهذا لا يسهم أبداً في إعداد الفرد المسلم، ومن ثم الأمة الإسلامية لأن تقوم بدورها التاريخي الريادي في هذا العصر. وهذه التربية التي ترسمها السياسات الوطنية في العالم الإسلامي، وكثيرون منا خبراء في كيفية تدخل الآخرين في صنع هذه السياسات، هذه السياسات التربوية هي التي عمقت إلى حد مؤلم ومحزن عوامل الفرقة والانفصال بين أجزاء العالم الإسلامي سواء على صعيد دولة أو حتى على صعيد شعوبه، لولا فريضة الحج الشريف التي تقف سداً دون عوامل التخريب إلى حد ما، ولا أدري إلى متى يمكن أن تقوم هذه العبادة بهذه الوظيفة.
- مهمة التربية الإسلامية:
العناصر الثابتة في التربية الإسلامية هي أن تعد الإنسان المسلم لا لأجل أن يستمر في الحياة فقط، لا لأجل أن يدخل في العصر الحديث، لا لأجل أن يخلق مجتمع الرخاء وإنما لأجل أن يخلق عصره هو، ولأجل أن يخلق مجتمعه هو، لا لأجل أن يدخل في صيغة تعادل القوى السياسية في العالم، سياسات الحرب الباردة أو الوفاق الدولي لأنه سيكون أسيراً بالاثنتين معاً، وإنما لأجل أن يتحرر منهما معاً ليبني لنفسه خطه الخاص في رؤيته السياسية للعالم.
هذه الثوابت هي ما يجب أن يركز عليه وأن نبعثه، ليس الأمر أمر سنوات، ربما يكون أمر عقود من السنين ونحن نستقبل هذا القرآن المبارك الجديد، الذي نرجو الله أن يمكننا من العمل، لا الرجاء السحري الإعجازي، أن يمكننا من العمل لنجعله قرن الانبعاث الإسلامي، بدون تعقيد، وهذه فكرة المحت بها الآن عرضا،ً ولعل من الخير أن نعيش في سنة (إحدى وأربعمئة وألف هجرية)، أو نحن نعيش في سنة (إحدى وثمانين وتسعمئة وألف ميلادية): الجواب أعتقد أننا نعيش في العصر الثاني في إحدى وثمانين وتسعمئة وألف ميلادية، لا بما لها من مدلول مسيحي، وإنما بما لها من مدلول حضاري مادي غريب مرتبط بمعالم الغرب بشقية الرأسمالي والشيوعي.
الشيخ عبدالهادي الفضلي
السيد محمد باقر الصدر
الأستاذ عبد الوهاب حسين
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
السيد محمد حسين الطبطبائي
عدنان الحاجي
محمود حيدر
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
مقدّمات البحث
تأبين الشّيخ الحبيل للكاتب الشّيخ عباس البريهي
حاجتنا إلى النظام الإسلامي خاصّة
القرآن يأسر القلب والعقل
الشيخ عبدالكريم الحبيل: القلب السليم في القرآن الكريم (3)
تقييم العلمانية في العالم الإسلامي
ضرورة الإمامة
دلالة آية «وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ»
العلاقة الجدلية بين التدين والفهم
الأجر الأخروي: غاية المجتمع