الشيخ حسين البيات..
كثيرًا ما يعتبر المؤرخون الإسلاميون لأن الدولة اللأموية والعباسية دولتان تمثلان الخلافة الإسلامية ويفترضون بأنها امتداد للخلافة النبوية فيسمى خليفتها بأنه أمير المؤمنين، إلا أننا لو تمعنا قليلًا في صفات هذه الحكومات ومنهجيتها في الحكم فإننا لن نبتعد عن اعتبارها مملكة أموية أو مملكة عباسية لا تمت للإسلام بصلة طالما أن دستور الحاكم هو كيف يوطد حكمه دون الاعتناء بالشرع الإسلامي وما نراه من حضارة يمسونها بالإسلامية إلا عنوان لا علاقة له بالواقع وما هي إلا مدنية لا حضارة.
لا يمكننا أن نعتبر حكومة تقتل المسلمين والأبرياء لأجل الحكم وتوريثه لأبناء الخلفاء إلا مملكة بحكومة معروفة وليست حكومة إسلامية إطلاقًا.
تعاقبت على الواقع الإسلامي دولتان كان لهما أثرهما على تأسيس ثقافة وإطار ممتد حتى اليوم وهما الدولة الأموية وتلتها العباسية ومؤخرًا الدولة العثمانية وكلهم كانوا يحكمون باسم الإسلام ولكن بمراجعة بسيطة لا يمكننا أن نقبل بقتل الأبرياء وتدمير الدور وسجن المخالفين إلا صورة مخالفة جدًّا للمنهج الإسلامي الصحيح، وكان من المفترض للدولة العباسية التي نادت للرضا من آل البيت عليهم السلام أن يكون آل علي في موقع سياسي وإداري جيد في الحكومة العباسية إلا أنهم ذاقوا من الويلات ما أنستهم مآسي الأمويين فعاش بنو هاشم في ظل حكومة بني العباس التشريد والقتل بالظنة والتهمة وتدمير البيوت على ساكنيها ودفن الأسر العلوية في التراب وبناء الدور على أجسادهم وتابعوا شيعتهم ومواليهم فقتلوا فيهم القريب والبعيد طالما يوالي أهل البيت أو يحتمل أنه ينتمي إليهم.
أعلن عن قيام الدولة العباسية عام 132 هـ وكان السفاح أول خلفائها فكان رجلًا شديد البأس وقتل الأعداء بكل قسوة لتثبيت دولته وتلاه حكم أخيه المنصور الدوانيقي وعمل على التخلص من كل من يحتمل منافسته لسلطانه خصوصًا الشخصين القويين وهما أبو مسلم الخراساني وعمه عبدالله بن علي وبذلك استطاع إبعاد كل الأصوات التي يمكنها أن تنافس في سلطته، وبدأت مرحلة تاليه بالتخلص من العلويين الذين افترض فيهم أن يكونوا على مستوى جيد في دوائر الدولة الرسمية فضيق على الإمام الصادق عليه السلام مما اعتبر ضربًا لكل تحالف عباسي علوي حتى قتله مسمومًا عام 148هـ وخلفه الإمام الكاظم عليه السلام وهو ابن عشرين سنة، وقد تحركت في تلك الفترة كبار الزيدية بقيادة محمد بن الحسن بن زيد في المدينة وأخوه إبراهيم في البصرة فقضى على محمد في رمضان 145 هـ والثاني في شهر ذي القعدة
اتخذ السفاح من الأنبار عاصمة لدولته إلا أن المنصور نقلها إلى بغداد لينشيء عاصمة ضخمة وبنى له قصرًا كبيرًا على دجله أسماه "الخلد" وامتد حكم العباسيين لستة قرون وحكم السلاجقة والتتار والعثمانيون ولم يحكم الشيعة العراق إلا مؤخرًا بعد أن استتبت لهم الأمور وها نحن نعايش الرحلة المليونية زاحفة إلى مرقد باب الحوائج دون وجل أو خوف.
اتسمت تلك الفترة بشدة التضييق على الشيعة حتى أن الصادق عليه السلام أخبر بأن الإمامة بعده في خمسة منهم الإمام الكاظم حتى لا يكون سلام الله عليه في مواجهة السلطة ويقتل بشكل سريع، إلى أن هلك المنصور عام 158 هـ فخلفه محمد المهدي واعتبر المؤرخون أن فترته كانت أكثر رخاءً فالوضع السياسي الداخلي أكثر هدوءًا وأفرج عن المسجونين وتوسع في مملكته فغزا الهند عام 159 هـ إلا أن التضييق على الإمام الكاظم عليه السلام استمر، وخلفه ابنه الهادي عام 169 هـ وقد أخذ عهدًا أن لا يقتل هاشميًّا إذا ولي الملك ولكنه ابتداها بشهيد فخ حيث قتل الحسين بن علي بن الحسن المثلث حينما قام والي المدينة عمر بن عبد العزيز بن عبدالله بن عمر بن الخطاب بضرب بعض الهاشميين في المدينة وسحبهم بالحبال بتهمة شرب الخمر مما أثار حفيظة الحسين بن علي رضوان الله عليه حتى قتل بتلك القتلة الشنيعة في فخ، ونجا من الواقعة اثنان وهما إدريس بن عبدالله مؤسس دولة الأدارسة بالمغرب والثاني أخوه يحي هرب إلى الديلم، ولكن المهدي العباسي لم يطل به العهد فقيل قتل مسمومًا فخلفه هارون الرشيد العباسي عام 170 م لتبدأ مرحلة التضييق الحقيقي على الإمام الكاظم عليه السلام.
وقفت عدة حركات تحررية قبال حكم الرشيد منها العلويون والبرامكة والأدارسة وعبد الرحمن بن معاوية وعدة حركات في الشام فنشأت دولة الأمويين بالأندلس والأدارسة بالمغرب وسخونة مع الروم بالقسطنطينية ولكنه وصل إلى تفاهم بينه وبين شارلمان ملك فرنسا على أن يبسط شارلمان ملكه على ألمانيا وإيطاليا ويمتد إلى بقية المناطق ليخرج الأمويين من الأندلس لكنه لم ينجح ولم يتوقع أن تعطي دولة إسلامية الضوء الأخضر للدولة الغربية الفرنسية بإسقاط دولة إسلامية أخرى كما يعتبرها المؤرخون.
أمام ذلك كله والإمام عليه السلام حبيس السجون في فترات طويلة وإن تخللتها بعض الفرج، لأن الدولة العباسية أخذت منهج تقتيل وتشريد المسلمين خصوصًا شيعة أهل البيت كسياسة قمعية تقوم على جدران البيوت أجسادهم ويقتلون في كل مكان دون رحمة أو انسانية أو حتى معارضة من علماء الأمة الإسلامية الذين التزموا الصمت أمام قتل الشيعة وتشريدهم وليت كانت هناك منظمة حقوق الإنسان لتقرر لنا بعضًا من تلك الانتهاكات ضد الإنسانية.
فتوجه الإمام بالرغم من التضييق الشديد عليه إلى رسم منهج لحياة يملؤها البناء لمستقبل عادل، ولذا نراه سلام الله عليه يخلق الحدث لا أن يكون نتيجة له، فوقف أمام الرشيد عند قبر النبي صلى الله عليه وآله مسلمًا عليه بكونه ابن عمه ليوحي للناس أنه يحكم باسم محمد ويؤكد بذلك سلامة دولته الإسلامية، إلا أن الإمام لم يترك له هذه الفرصة فأعلن بيانه الشامخ السلام عليك يا جداه يا رسول الله، وتلك تعتبر موقفًا معارضًا للحكم العباسي، وهذا ما زاد من حنق هارون على الإمام ليأمر بسجنه والتضييق عليه.
كان يحاول هارون أن يبقي صورته الإسلامية أمام المسلمين وأنه لا يضيق على الشيعة حتى لا تتحرك المعارضة بشكل أكبر فعزل الإمام عن قاعدته الشعبية وكان يحاول أن يتخلص من الإمام في السجون التي يحبس فيها، فكانت المحاولة الأولى في سجن البصرة وكان واليها عيسى بن جعفر الدوانيقي ولكنه امتنع من قتل الإمام أو التضييق عليه طالما أن عيس كان من أحد المرشحين للخلافة فزويت عنه فلا فائدة من عار قتل الإمام وتلتها المحاولة الثانية في سجن الفضل بن الربيع فاعتذر ثم إلى سجن الفضل بن يحيى إلا أنه أكرم الإمام واحترمه كثيرًا فقرر إرساله الى اسوأ شخص عرفه هارون وهو السندي بن شاهك ولم يعرف بإسلامه فضيق على الإمام عليه السلام إلى أن رحل سلام الله عليه مسموما في 25 رجب 183 هـ.
كان هارون يحاول بأساليب مختلفة لإسقاط شخص الإمام وإلهائه بالدنيا فأرسل إليه فتاة جميلة في سجنه لتقوم بخدمته وتغري الإمام عليه السلام لكنها رجعت عابدة متفرغة لله منذ أن وقع نظرها عليه وهو في سجوده فأراها جنان الخلد فسجنها هارون حتى لا تحدث بما رأت.
استعمل الإمام عليه السلام علي بن يقطين ليقوم بأمور الشيعة في البلاط فحماه بكل ما يستطيع حتى لا يخرجه هارون من بلاطه مع كثرة الواشين عليه في دراعة خز بأنه أهداها إلى الإمام عليه السلام لكن الإمام طلب منه أن يحتفظ بها وطلبها هارون ليراها محفوظة عند ابن يقطين ثم وشي عليه في وضوئه بأنه يتوضأ على طريقة الرافضة واستفتى الإمام عليه السلام فطلب منه طريقة أهل السنة إلى أن رأه هارون فكذب الواشين فيه.
نلاحظ النجاشي في رجاله رحمه الله يذكر عدة أشخاص كانوا في بلاط العباسيين متخفين دون أن يعرفوا كحفص بن غياث قاضيًا في بغداد ثم الكوفة وتوفي عام 194 هـ (النجاشي رقم 346) ، ومحمد بن اسماعيل بن بزيع فكان كاتبًا للمنصور (النجاشي 893)، والحسن بن راشد فقد كان وزيرًا للمهدي والهادي والرشيد.
روى محمد بن إسماعيل بن بزيع قال: أبو الحسن الرضا عليه السلام : « إن لله تعالى بأبواب الظالمين من نور الله له البرهان ومكن له في البلاد، ليدفع بهم عن أوليائه ويصلح الله بهم (به) أمور المسلمين، إليهم ملجأ المؤمن (المؤمنين) من الضر، وإليهم يفزع ذو الحاجة من شيعتنا، وبهم يؤمن الله روعة المؤمن في دار الظلمة، أولئك المؤمنون حقًّا، أولئك أمناء الله في أرضه، أولئك نور [الله]، في رعيتهم يوم القيامة، ويزهر نورهم لأهل السموات كما تزهر الكواكب الدرية لأهل الأرض، أولئك من نورهم نور القيامة، يضيء منهم القيامة، خلقوا والله للجنة وخلقت الجنة لهم، فهنيئًا لهم، ما على أحدكم أن لو شاء لنال هذا كله.
قال: قلت بماذا جعلني الله فداك؟ قال: يكون معهم فيسرنا بإدخال السرور على المؤمنين من شيعتنا، فكن منهم يا محمد، وعن الحسين بن خالد الصيرفى. قال: كنا عند الرضا عليه السلام، ونحن جماعة، فذكر محمد بن إسماعيل بن بزيع، فقال: وددت أن فيكم مثله. (النجاشي ص331) ولذا اشترط على من يدخل في ديوان السلطان أن يقوم بخدمة المؤمنين.
أما الإعلان عن مواجهة السلطة فقد تميزت بكسر حاجز الإرهاب النفسي على الأمة بما يصنعه العباسيون فعندما سأل هارونُ الإمامَ عليه السلام عن تلك الدار فأجابه إنها دار الفاسقين، وتلك تمثل خطوة ساخنة إلا أن هارون يسأله عن سبب عدم أخذها فيحيبه إنها أخذت عامرة فلا يأخذها إلا معمورة، وفي موقف آخر يطلب من الإمام أن أحب أن يرجع له فدكًا ولكن الامام عليه السلام يحول القضية إلى حقيقتها ففدك ليست فقط تلك البقعة الصغيرة وإنما هي شاملة لكل الدولة الإسلامية، فيقول الإمام عليه السلام إن فدك بين عدن وسمرقند وإفريقيا وأرمينيا، ليفهم بذلك هارون أن فدك أوسع مما تصور بل هي الدولة الإسلامية كاملة ولم يقتصر الإمام عليه السلام على مواجهته الخاصة بل ليعلن للجميع من خلال أصحابه وشيعته حتى تتطبع حكومة العباسيين بين الناس فنراه من خلال صفوان الجمال يمنعه من إجارة جماله على هارون حتى لا يكونوا عونًا لحكومة هارون في تطبيع سلطته فباع صفوان كل جماله في خطوة جريئة لشخص يملك ثورة ضخمة قابلة للنمو.
ونرى مواجهة تمتد إلى السجن وتعذيبه أشد العذاب كمحمد بن أبي عمير الذي لاقى أشد أنواع العذاب ليفصح عن أسماء الشيعة وتواجدهم في البلاد الإسلامية ولكنه رغم ذلك تحمل كل تلك المصائب وقيل إن تعذيبه لأجل أن يشغل منصب القضاء لكنه امتنع.
أما بشر الحافي فقد كان رجلًا غنيًّا مترفًا تغني الجواري في بيته وتخرج جاريته ترمي بالفاضل من الطعام ويمر الإمام عليه السلام فيسأل أسيدك حر أم عبد! سؤال صعب، فتقول بل سيد، فقال الإمام صدقت، لو كان عبدًا لاستحى من مولاه. تلك كلمات صعقت بنفس بشر ليخرج حافي القدمين خلف الإمام طالبًا منه الاستغفار وتلك كلمات ثبتت وجودًا.
إذن نلاحظ أن الامام لم يكن ليغير في سياسة وإدارة البلاد دون أن يصنع ثورة وتغييرًا ذاتيًّا ولذا فإن خوف هارون من وجود الإمام يعني أن تاثيره هو إضعاف لتمدد الظلم على الناس ويخلق جيلًا يستطيع من خلاله صيانة المجتمع والعمل من خلال مجموعة من المخلصين فكان لابد لهارون أن يقف أمام الإمام عليه السلام.
السيد محمد باقر الصدر
الأستاذ عبد الوهاب حسين
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
السيد محمد حسين الطبطبائي
عدنان الحاجي
محمود حيدر
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
تأبين الشّيخ الحبيل للكاتب الشّيخ عباس البريهي
حاجتنا إلى النظام الإسلامي خاصّة
القرآن يأسر القلب والعقل
الشيخ عبدالكريم الحبيل: القلب السليم في القرآن الكريم (3)
تقييم العلمانية في العالم الإسلامي
ضرورة الإمامة
دلالة آية «وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ»
العلاقة الجدلية بين التدين والفهم
الأجر الأخروي: غاية المجتمع
أمسية للشّاعرة فاطمة المسكين بعنوان: (تأمّلات في مفهوم الجمال بين الشّعر والفلسفةِ)