مقالات

امتياز النور الحسيني


الشيخ جعفر التستري ..

اعلم أن الله جل جلاله لم يزل متفردًا، ولم يكن مخلوق ولا زمان ولا مكان، فلما ابتدأ بخلق أفضل المخلوقات واشتق من نوره نور علي وفاطمة والحسن والحسين عليه السلام، جعل لهم محالًّا متعددة وعوالم مختلفة، كما يظهر من مجموع الروايات المعتبرة.
فمنها: قبل خلق الخلق
ومنها: قبل خلق آدم عليه السلام
ومنها: بعده عليه السلام

أنوارا تارة، وأشباح نور تارة، وظلالًا تارة وأنوارًا في الجنة تارة، وعمود نور أُقذف في ظهر آدم عليه السلام تارة، وفي أصابع يده أخرى وفي جبينه أخرى، وفي جبين كل من الأجداد من آدم عليه السلام إلى والد النبي صلى الله عليه وآله عبد الله بن عبد المطلب، وفي جبين كل جدة عند الحمل ممن هو في ترائبها من حواء إلى أم النبي صلى الله عليه وآله آمنة بنت وهب عليه السلام. ثم لنورهم محالا متعددة قدّام العرش، وفوق العرش وتحت العرش وحول العرش، وفي كل حجاب من الحجب الاثنى عشر، وفي البحار وفي السرادقات، ولبقائهم في كل محل مدة مخصوصة.
فمدة وجودهم قبل خلق العرش أربعمائة وعشرون ألف سنة، وزمان كونهم حول العرش خمسة عشر ألف سنة قبل آدم عليه السلام، وزمان كونهم تحت العرش إثنا عشر ألف سنة قبل آدم عليه السلام، وليس المقام مقام هذه التفاصيل فإنه يحتاج إلى كتاب مستقل. إنما المقصود بيان خصائص الحسين عليه السلام في نوره، وامتياز نوره من الأنوار في جميع هذه العوالم والحالات في الظلال والأشباح والذرات، وحين تجسمه بالشجرة في الجنة، والقرط في أذن الزهراء عليها السلام وهي في الجنة في إحدى هذه العوالم.
فنقول: إن هذه الأنوار في هذه العوالم مصدرها نور النبي صلى الله عليه وآله وامتيازه كون نوره من نوره، فإنه من حسين وحسين منه صلى الله عليه وآله، وحين افتراقهما كان لنور الحسين عليه السلام خصوصية في أن رؤيته كانت موجبة للحزن، كما اتفق لآدم عليه السلام، حين ظهرت الأنوار في أصابعه وكان نور الحسين عليه السلام في الإبهام، وقد بقي هذا التأثير إلى الآن، فإن من غلب عليه الضحك، إذا نظر إلى إبهامه غلبه الحزن.

واتفق لإبراهيم عليه السلام أيضًا حين رأى الأشباح فكان شبحه في تلك العوالم، كما إن التنطق باسمه وسماعه كان مورثًا للحزن، بل سوى ذلك فيما انتسب إلى نوره، كما في حديث المسامير الخمسة، التي أتى بها جبرائيل عليه السلام ليسّمر بها جوانب السفينة، كل مسمار باسم واحد من الأنوار الخمسة عليه السلام فلما أخذ المسمار المنتسب إلى نور الإمام الحسين عليه السلام أشرق وأحس منه رطوبة بلون الدم، فسأل عن ذلك! فأجيب بأنه مسمار الحسين عليه السلام، وسبب ظهور الدم منه شهادته بالكيفية الخاصة.
ومن الخصوصيات لنوره عليه السلام: أن النور الذي كان يظهر على جبين الأمهات عند الحمل بأحد الأجداد للنبي صلى الله عليه وآله وعلى جبين آمنة عند الحمل بالنبي صلى الله عليه وآله، فإنما ذلك لعدم كون أنفسهن من هذه الأنوار فإذا حملته ظهر أثره في الجبهة، وأما إذا كانت الأم بذاتها من الأنوار، فلا وجه لظهور النور، ولا يظهر على الوجه بالخصوص نور زائد على ذلك، فلم يظهر على جبهة الزهراء عليه السلام حين حملها بالحسين عليه السلام نور زائد على نور وجهها المبارك، ولكن خصوصية الحسين عليه السلام أنها لما حملت بالحسين عليه السلام قال لها النبي صلى الله عليه وآله " أني أرى في مقدم وجهك ضوءًا ونورًا وستلدين حجة لهذا الخلق "، وقالت عليها السلام: "إني لما حملت به كنت لا أحتاج في الليلة الظلماء إلى مصباح" فخصوصية نور الحسين عليه السلام أنه يظهر على النور أيضًا، ومن خصوصياته أيضًا، إنه يغلب النور أيضًا، ولذا قال من رآه صريعًا وهو في الشمس نصف النهار حين قتله: والله لقد شغلني نور وجهه عن الفكرة في قتله. ومن خصوصياته أيضًا: إنه لا يحجبه حاجب، كما قال ذلك القائل:
أني ما رأيت قتيلًا مضمخًا بدمه * أي التلطخ بالطيب وغيره والإكثار منه
أني ما رأيت مضمخًا بالدم والتراب أنور وجها منه "فلم يحجب التراب والدم الذي علا على وجهه نوره الذي علا كل نور.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد