الشهيد مرتضى مطهري
قال الإمام علي عليه السلام: "الدنيا دار ممرّ لا دار مقرّ، والناس فيها رجلان: رجل باع نفسه فأوبقها ورجل ابتاع نفسه فأعتقها"1.
إنّ هذه العبارة، على قصرها، تزخر بالمعاني العميقة التي لا تترشّح إلّا من روح مضيئة بنور الله. وإنّ خلاصة عمر أغلب الناس، مع الأسف، هي العبودية وبيع النفس وهدر الشخصيّة الإنسانيّة والخسران. وبتعبير القرآن الكريم هي: عبودية الشهوات، والغضب، والحقد، والوقوع في أسر العادات والتقاليد الجاهلية التي تتناقض ومنطق العقل، واللهاث وراء الصرعات.
*يظنّون أنّهم أحرار
إنّ بعض الناس يظنّون أنفسهم أحراراً لأنهم ليسوا عبيداً لدى الآخرين، غافلين عن آلاف الحقائق الدقيقة التي هي أدقّ من الشعر، وهم لا يلتفتون إلى أن العبوديّة لها ألف شكل وشكل، وأنّ الأسر له ألف شكل وشكل، غافلين عن أنّ الطمع هو ضرب من العبودية، وأنّ العادات الجاهلية هي ضرب من الأسر، وأنّ عبادة المال هي نوع من العبودية.
*حريّة يوسف.. السّجن
كان يوسف الصدّيق يُعامل كعبد سنوات طويلة، وكان يُباع ويُشترى في الأسواق، تتلاقفه الأيدي كبضاعة وينتقل من بيت لآخر، لم يكن يملك من الدنيا شيئاً، حتى الطعام الذي يتناوله والثياب التي يرتديها كانت هي الأخرى مُلكاً لأسياده، بل حتى ثِمار عمله التي يحصل عليها بعد جهدٍ جهيد.
لقد كان يوسف من وجهة نظر مادّية عبداً، غير أنه أثبت العكس في قصته مع أجمل نساء مصر عندما رفض جميع الإغراءات، بل وجميع التهديدات، وبالرغم من كونه عبداً فقد أعلن أنّ روحه حرّة، وأنه ليس عبداً للشهوات قائلاً: إني عبد الله وإن ﴿السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ﴾ (يوسف: 33).
إن التاريخ ليزخر بالأمثلة العديدة عن بعض الأفراد الذين كانوا يُعامَلون، وبحكم القانون، على أنّهم عبيدٌ أرقّاء ولكنهم كانوا أحراراً بنفوسهم وعقولهم وأفكارهم. أليس لقمان الحكيم الذي سُمّيت به إحدى سور القرآن الكريم كان عبداً؟ ولكنه كان في قمّة الحرية بأخلاقه وروحه.
في مقابل ذلك توجد أمثلة عديدة لأشخاص يعتبرون أحراراً من وجهة نظر القانون ولكنهم أسرى وعبيد، فعقولهم مستعبدة وأرواحهم وقلوبهم مستعبدة وأخلاقهم وشهامتهم مستعبدة ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ﴾ (هود: 21) بتعبير القرآن الكريم.
*الخسران الحقيقي
ليس مهمّاً أن يخسر الإنسان في مسرح الحياة حلّته أو يخسر منزله أو يخسر ماله وثروته، أو يخسر منزلته الاجتماعية. الخسران الحقيقي، هو خسران النفس وخسران الحرية، والشهامة، والشجاعة، وخسران المحبة والعاطفة الإنسانية، وخسران العقل والإيمان والقناعة.
الناس فريقان كما عبّر عن ذلك علي عليه السلام: فريق "باع نفسه فأوبقها" وفريق "ابتاع نفسه فأعتقها"، فريق يلهث وراء المال، والثروة، والمقام، والهوى، والرغبات وزينة الحياة، وفريق يسعى لتحقيق شخصيّته الإنسانيّة وبناء نفسه على أساس من العزّة، والكرامة، والاستقامة، والتقوى، والعدالة والإيمان. إن القرآن الكريم ليؤكد ذلك ويشير إلى عدم وجود شيء في الحياة له قيمة تجعل الإنسان يبيع نفسه من أجله. يقول الشاعر:
أمطري لؤلؤاً جبال سرنديب 2 أو أفيضي آبار تكرور 3 تبرا 4
همّتي همّة الملوك ونفسي نفس حرٍّ ترى المذلة كفرا
________________________________________
1.نهج البلاغة، خطبة 131.
2.هو الجبل الذي هبط عليه آدم عليه السلام، وهو في أعلى الصين، ويوجد فيه الياقوت الأحمر والألماس.
3.قال بعض المؤرخين العرب هي اسم مدينة على نهر السنغال.
4.فُتات الذهب أو الفضة.
الشيخ عبدالهادي الفضلي
السيد محمد باقر الصدر
الأستاذ عبد الوهاب حسين
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
السيد محمد حسين الطبطبائي
عدنان الحاجي
محمود حيدر
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
مقدّمات البحث
تأبين الشّيخ الحبيل للكاتب الشّيخ عباس البريهي
حاجتنا إلى النظام الإسلامي خاصّة
القرآن يأسر القلب والعقل
الشيخ عبدالكريم الحبيل: القلب السليم في القرآن الكريم (3)
تقييم العلمانية في العالم الإسلامي
ضرورة الإمامة
دلالة آية «وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ»
العلاقة الجدلية بين التدين والفهم
الأجر الأخروي: غاية المجتمع