ألغى الإسلام أصل الانشعاب من أن يؤثر في تكوّن المجتمع أثره ذاك الانشعاب الذي عامله الأصلي البدوية، والعيش بعيشة القبائل والبطون أو اختلاف منطقة الحياة والوطن الأرضي، وهذان، أعني البدوية واختلاف مناطق الأرض في طبائعها الثانوية من حرارة وبرودة وجدب وخصب وغيرهما هما العاملان الأصليان لانشعاب النوع الإنساني شعوبًا وقبائل واختلاف ألسنتهم وألوانهم...
ثم صارا عاملين لحيازة كل قوم قطعة من قطعات الأرض على حسب مساعيهم في الحياة وبأسهم وشدتهم، وتخصيصها بأنفسهم وتسميتها وطنًا يألفونه ويذبون عنه بكل مساعيهم.
وهذا وإن كان أمرًا ساقهم إلى تلك الحوائج الطبيعية التي تدفعهم الفطرة إلى رفعها، غير أن فيه خاصة تنافي ما يستدعيه أصل الفطرة الإنسانية من حياة النوع في مجتمع واحد، فإن من الضروري أن الطبيعة تدعو إلى اجتماع القوى المتشتتة وتآلفها وتقويها بالتراكم والتوحيد لتنال ما تطلبه من غايتها الصالحة بوجه أتم وأصلح، وهذا أمر مشهور من حال المادة الأصلية حتى تصير عنصرًا ثم... ثم نباتًا ثم حيوانًا ثم إنسانًا.
والانشعابات بحسب الأوطان تسوق الأمة إلى توحّد في مجتمعهم يفصله عن المجتمعات الوطنية الأخرى، فيصير واحدًا منفصل الروح والجسم عن الآحاد الوطنية الأخرى فتنعزل الإنسانية عن التوحيد والتجمع وتبتلى من التفرق والتشتت بما كانت تفر منه ويأخذ الواحد الحديث يعامل سائر الآحاد الحديثة (أعني الآحاد الاجتماعية) بما يعامل به الإنسان سائر الأشياء الكونية من استخدام واستثمار، وغير ذلك، والتجريب الممتد بامتداد الأعصار منذ أول الدنيا إلى يومنا هذا...
وهذا هو السبب في أن ألغى الإسلام هذه الانشعابات والتشتتات والفروق. وبنى المجتمع على العقيدة دون الجنسيّة والقوميّة والوطن ونحو ذلك، حتى في مثل الزوجية والقرابة في الاستمتاع والميراث، فإن المدار فيهما على الاشتراك في التوحيد لا المنزل والوطن مثلًا.
ومن أحسن الشواهد على هذا ما نراه عند البحث عن شرائع هذا الدين أنه لم يهمل أمره في حال من الأحوال، فعلى المجتمع الإسلامي عند أوج عظمته واهتزاز لواء غلبته أن يقيموا الدين ولا يتفرقوا فيه، وعليه عند الاضطهاد والمغلوبية ما يستطيعه من إحياء الدين واعلاء كلمته، وعلى هذا القياس حتى أن المسلم الواحد عليه أن يأخذ به، ويعمل منه ما يستطيعه ولو كان بعقد القلب في الاعتقاديات والإشارة في الأعمال المفروضة عليه.
ومن هنا يظهر أن المجتمع الإسلامي يمكنه أن يعيش في جميع الأحوال، وعلى كل التقادير من حاكمية ومحكومية وغالبية ومغلوبية وتقدم وتأخر وظهور وخفاء وقوة وضعف. ويدل عليه من القرآن آيات التقية بالخصوص.
قال تعالى: (من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) (1).
وقوله: ( إلا أن تتقوا منهم تقاة) (2).
وقوله: (فاتقوا الله ما استطعتم) (3).
وقوله: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا لله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) (4).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة النحل، الآية: 106.
(2) سورة آل عمران، الآية: 28.
(3) سورة التغابن، الآية: 16.
(4) سورة آل عمران، الآية: 102.
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد هادي معرفة
عدنان الحاجي
السيد جعفر مرتضى
الشيخ جعفر السبحاني
حيدر حب الله
الشيخ علي المشكيني
حسين حسن آل جامع
عبد الوهّاب أبو زيد
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
الشيخ علي الجشي
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان