مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد محمد حسين الطهراني
عن الكاتب :
عُرف بين الناس باسم العلامة الطهراني، عارف وفيلسوف، ومؤلف موسوعي، من مؤلفاته: دورة المعارف، ودورة العلوم، توفي عن عمر يناهز الواحد والسبعين من العمر، سنة 1416 هـ.

لا توجد في جميع العالم لغة تماثل العربيّة جلالة ورفعة

وتعود لغات العالَم الحيّة إلى أصلَين. الأصل الساميّ، والأصل الهنديّ والأوروبّيّ؛ وأفضل اللغات الأوروبّيّة وأتقنها هي اللغة الفرنسيّة التي تمتلك قواعد وأدبيات متينة، أمّا اللغة الألمانيّة فهي على الرغم من صعوبة تعلّمها وامتلاكها قواعد لغويّة، لا تقف في مصاف اللغة الفرنسيّة.

 

والحال كذلك بالنسبة إلى اللغات الإيطاليّة والإسبانيّة والروسيّة. وقد تفوّقت اللغة الإنجليزيّة في عصرنا الحالي - مع الأسف - نتيجة غلبة الاستعمار في العالم، بَيدَ أنّها لغة ضحلة تفتقر إلى القواعد والنكات الأدبيّة؛ وتمتاز الإنجليزيّة بالبساطة، وقواعدها وقراءتها في منتهى السهولة، وهي دون الفرنسيّة في القياس، بل لا يمكن مقايستهما ببعضهما، ولذلك فإنّ تلاميذ المدارس كانوا يُخيّرون في بداية التجديد بين اللغة الفرنسيّة واللغة الإنجليزيّة، فكان التلاميذ الأذكياء الذوّاقون يختارون الفرنسيّة لرغبتهم في دراسة العلوم الفرنسيّة والأدب الفرنسيّ.

 

ثمّ إنّ الإنجليزيّة تفوّقت تدريجيّاً نتيجة تسلّط إنجلترا وأمريكا، فتوقّف تدريس اللغة الفرنسيّة، وصارت الإنجليزيّة تُدرّس في جميع المدارس عدا الفروع الفنّيّة والصناعيّة التي كانت مدارسها تدرّس الألمانيّة لتقدّم الألمان في هذا الفنّ.

 

أمّا اللغات الساميّة، فإنّ اللغة العربيّة أفضلها دون مُنازع في الأدب والقواعد النحويّة والصرف والمحسّنات البديعيّة والبيانيّة، وفي كثرة المفردات والاشتقاقات والفصاحة والبلاغة، وفي القدرة على الفهم والتفهيم وإيراد المطالب المهمّة والعلوم المعقّدة والمسائل المفصّلة بأوجز عبارة، مع بيان أصل المراد على أكمل نحوٍ وأتمّه، حتى أنّ اللغة العبريّة - التي هي من اللغات الساميّة أيضاً - لا تدانيها رفعةً وسموّاً.

 

وتشهد على صدق دعوانا الأشعار والقصائد العربيّة من زمن الجاهليّة إلى عصرنا الحاضر، والخُطب والكتب المدوّنة في الأدب العربيّ الموجودة في أيدينا.

 

ولو شئنا مقارنة اللغة العربيّة في شرق الأرض مع اللغة الفرنسيّة في غربها، لشاهدنا أنّ العربيّة أوسع بمرّات وأفصح من الفرنسيّة وأكثر أصالةً، وأنّ القواعد والصرف والنحو والاشتقاق والمفردات والمعاني والبيان أدقّ في العربيّة وأعمق وأظرف.

 

ومن هنا، فإنّ أيّة لغة في جميع العالم لا توازي اللغة العربيّة في علوّ مقامها وجلالها. وهناك جهة مهمّة تضاف إلى ذلك، وهي أنّ الله تعالى أنزل قرآنه الكريم باللغة العربيّة، واختار نبيّه خاتم الأنبياء، الذي جعل دينه وحكمه في العالم قائماً إلى يوم القيامة، من العرب ومن نسل إسماعيل ابن النبيّ إبراهيم عليهما سلام الله.

 

ولو لم تُعزل الحكومة والولاية عن أهل بيت النبيّ. وكان زمام أمر الدعوة إلى الدين وترويجه ونشره في اليد المباركة لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه أفضل صلوات المصلّين، لاعتنق العالَمُ الدينَ الإسلاميّ في سنوات صدر الإسلا ، ولاختار بترحاب صدر اللغة العربيّة، لغة القرآن المبين والنبيّ الخاتم. لكنّ انحراف التأريخ سبّب انحراف منهج التعليم والتربية، وأزال الرحى الدائرة عن قُطبها ومحورها، فأوكل تلك الدعوة العامّة والإسلام العالميّ والقرآن العالميّ والتحدّث بلغة رسول الله البيلغة الفُصحى إلى زمان ظهور قائم آل محمّد روحي وأرواح العالمين له الفِداء.

 

إن الأدب العربيّ وبلاغة اللغة العربيّة وأصالتها لها - دون ريب - تأثير عميق في أخلاقهم وصفاتهم الذاتيّة ومَلَكاتهم، أي أنّها تمتلك - بتعبيرٍ آخر - تأثيراً بالغاً في ثقافتهم وآرائهم وأسلوب تفكيرهم وأفكارهم الخاصّة.

 

ونحن نشاهد في العرب صفاتاً ليس لها شبيه ولا نظير في جميع أمم العالم، منها الشجاعة، والسخاء والإيثار، والوفاء بالعهد والميثاق، والغيرة والدفاع عن الشرف والعشيرة، وإيواء اللاجئ إليهم والدفاع عنه إلى حدّ الاستماتة، والضيافة وحبّ الضيف، والصدق وعدم النفاق، وعلوّ الهمّة وثبات العزيمة، وغير ذلك من الصفات التي تشرّبت بها هذه الأمّة، وتفرّعت من هذه الدوحة.

 

وهذه الصفات بأجمعها تدلّ على عظمة أصولهم، وأصالة بُنيتهم وكيانهم الروحيّ والبدنيّ. والقصص التأريخيّة التي تفوق الحصر في كلّ واحد من الموارد المذكورة خير دليلٍ على كلامنا.

 

وستمكّن نظرة أجماليّة على دورات كتب «صبح الأعشي» تأليف الشيخ أبي العبّاس أحمد القلقشنديّ، و«نهاية الأرب في فنون الأدب» تأليف شهاب الدين أحمد بن عبدالوهّاب النويريّ، و«الأغاني» تأليف أبي الفرج الإصفهانيّ، من كتب المتقدّمين؛ ودورة كتاب «قصص العرب» تأليف محمّد أحمد جاد المولى، وعلي محمد بَجاوي، ومحمّد أبي الفضل إبراهيم الذي ألّف مؤخّراً؛ ستمكّن الشخص الخبير الباحث على التعرّف على كثير من حالات العرب الأصيلة والعريقة.

 

وهناك جدل دائر بين علماء الاجتماع حول الأمر التالي. هل نشأت هذه الصفات من اللغة وسعة الكلام والأدب، أم أنّ هذه الصفات والملكات هي التي سبّبت اتّساع الثقافة واللغة والأدب؟ وعلى أية حال، فإنّ التلازم والتقارن الوجوديّ بينهما ممّا لا يمكن إنكاره، وهو أمر كافٍ ليضع العنصر العربيّ، وهو عنصر رسول الله وهُداة الدين. الأئمّة الطاهرين، في الذروة من الرقيّ والكمال.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد