مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
عن الكاتب :
فيلسوف، مفسر وعالم دين إسلامي و مرجع شيعي، مؤسس مؤسسة الإسراء للبحوث في في مدينة قم الإيرانية

سرّ القنوت والتّشهّد والتّسليم في الصّلاة (2)

وهذا الذي قدّمناه هو المستفاد من قول مولانا الصادق عليه السّلام: «كان أمير المؤمنين – عليه السّلام – يبرأ من القدريّة في كلّ ركعة وبقول: بحول اللَّه وقوّته أقوم وأقعد» «1».

 

وأمّا التسليم: فأصله قد تمثّل في المعراج، حيث إنّ رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله – لمّا أتى بما أمر به من الجلوس والتصلية التفت فإذا بصفوف من الملائكة والمرسلين والنبيّين، فقيل: يا محمّد، سلَّم عليهم، فقال: السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته، فأوحى اللَّه – عزّ وجلّ – إليه أنّ السلام والتحيّة والرحمة والبركات أنت وذرّيّتك «2».

 

وتأويل السلام هو الترحّم كما عن أمير المؤمنين – عليه السّلام – حيث قال: «وتأويل قولك: السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته ترحّم عن اللَّه سبحانه، فمعناها: هذه أمان لكم من عذاب يوم القيامة»، ثمّ قال أمير المؤمنين عليه السّلام: «من لم يعلم تأويل صلاته هكذا فهي خداج، أي: ناقصة» «3».

 

وفي العلل: «فإن قال: فلم جعل التسليم تحليل الصلاة ولم يجعل بدلها تكبيرًا أو تسبيحًا أو ضربًا آخر؟ قيل: لأنّه لمّا كان الدخول في الصلاة تحريم الكلام للمخلوقين والتوجّه إلى الخالق كان تحليلها كلام المخلوقين، والانتقال عنها، وابتداء المخلوقين في الكلام أوّلًا بالتسليم» «4».

 

وأيضًا في العلل: عن الصادق – عليه السّلام – لمّا سئل عن العلَّة الَّتي من أجلها وجب التسليم في الصلاة، قال عليه السّلام: لأنّه تحليل الصلاة، (قال المفضّل بن عمر) قلت: فلأيّ علَّة يسلَّم على اليمين ولا يسلَّم على اليسار؟ قال عليه السّلام: لأنّ الملك الموكَّل الذي يكتب الحسنات على اليمين والذي يكتب السيّئات على اليسار، والصلاة حسنات ليس فيها سيّئات، فلهذا يسلَّم على اليمين دون اليسار، قلت: فلم لا يقال: السلام عليك، والملك على اليمين واحد، ولكن يقال: السلام عليكم؟

 

قال عليه السّلام: ليكون قد سلَّم عليه وعلى من على اليسار، وفضل صاحب اليمين عليه بالإيماء إليه. إلى أن قال المفضّل: قلت: فلم صار تحليل الصلاة التسليم؟ قال عليه السّلام: لأنّه تحيّة الملكين، وفي إقامة الصلاة بحدودها وركوعها وسجودها وتسليمها سلامة للعبد من النار، وفي قبول صلاة العبد يوم القيامة قبول سائر أعماله، فإذا سلمت له صلاته سلمت جميع أعماله، وإن لم تسلم صلاته وردّت عليه ردّ ما سواها من الأعمال الصالحة «5».

 

وعن معاني الأخبار، عن عبد اللَّه بن الفضل الهاشميّ قال: سألت أبا عبد اللَّه – عليه السّلام – عن معنى التسليم في الصلاة، فقال: التسليم علامة الأمن وتحليل الصلاة، قلت: وكيف ذلك جعلت فداك؟ قال: كان الناس فيما مضى إذا سلَّم عليهم وارد أمنوا شرّه، وكانوا إذا ردّوا عليه أمن شرّهم، فإن لم يسلَّم لم يأمنوه، وإن لم يردّوا على المسلَّم لم يأمنهم، وذلك خلق في العرب، فجعل التسليم علامة للخروج من الصلاة، وتحليلاً للكلام، وأمنًا من أن يدخل في الصلاة ما يفسدها، والسلام اسم من أسماء اللَّه عزّ وجلّ، وهو واقع من المصلَّي على ملكي اللَّه الموكَّلين به.

 

إنّ السلام اسم من الأسماء الحسنى الإلهيّة، وهو اسم فعليّ لا ذاتيّ، فهو ينتزع من فعل اللَّه لا من ذاته. وحيث إنّ فعل اللَّه صادر منه فهو خارج عنه، مفتقر إليه، فعليه لا غرو في إطلاقه على المظهر التامّ الإلهيّ، أي: الإنسان الكامل نحو آل البيت عليهم السّلام، فعليه لا تنافي بين قوله تعالى: (هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِله َإِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ). «6» وبين ما تقدّم من تطبيق السلام على الرسول – صلَّى اللَّه عليه وآله – وآله عليهم السّلام.

 

ولمّا كانت الجنّة دارا للَّه الذي هو السلام فصحّ أن يقال لها: إنّها دار السلام، كما أنّها بنفسها تتّصف بالسلامة أيًضا، إذ لا لغو فيها ولا تأثيم، فبذلك يظهر معنى قوله تعالى (لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) «7»، ويتنزّل ذلك السلام من ربّ رحيم، كما في سورة يس «آية 58»  (سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ)، فمن كان من أولي العزم وكان أعزم من غيره – نحو: نوح عليه السّلام حيث إنّه تحمّل أعباء الرسالة ألفًا إلَّا خمسين عامًا – كان سلام اللَّه عليه أوسع من سلامه تعالى على غيره، إذ لم يرد في حقّ غيره ما ورد في حقّه من السلام العالميّ؛ لأنّ القرآن قد نطق في حقّه فقط بقول اللَّه تعالى: (سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ) «8»، وأمّا في حقّ غيره فلا يوجد فيه عنوان «العالمين».

 

والملائكة يسلَّمون على المؤمنين ويقولون لهم (سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) «9»، وتحيّة أهل الجنّة بعضهم لبعض إنّما هي بالتسليم، كما قال اللَّه تعالى (دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ) «10». وهكذا تحيّة رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله – لمن جاءه يتعلَّم منه معالم دينه، كما قال اللَّه تعالى (وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) «11»، وهؤلاء على صنفين:

 

أحدهما: من يتسلَّم السلام من اللَّه ويرى الرسول – صلَّى اللَّه عليه وآله – وسيطًا في إبلاغه، وهو الأوحديّ من أهل الإيمان.

 

ثانيهما: من يتسلَّمه من نفس الرسول – صلَّى اللَّه عليه وآله – ولا يرى من هو أعلى منه وإن كان يعتقده، وهو الأوسطيّ منهم، وعلى أيّ تقدير يكون مجلس دراسة الرسول صلَّى اللَّه عليه وآله – الذي يعلَّم الناس الكتاب والحكمة، ويزكَّيهم – هو مجلس السلامة، كما أنّ ليلة القدر – الَّتي أنزل فيها القرآن، وتنزّل الملائكة فيها بإذن ربّهم من كلّ أمر سلام – أيضًا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

«1» جامع أحاديث الشيعة : ج 5 ص 46.

«2» المصدر نفسه : ص 11.

«3» المصدر نفسه : ص 61.

«4» المصدر نفسه : ص 68.

«5» جامع أحاديث الشيعة : ج 5 ص 68.

«6» الحشر : 23.

«7» الأنعام : 127.

«8» الصافّات : 79.

«9» النحل : 32.

«10» يونس : 10.

«11» الأنعام : 54 .

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد