فجر الجمعة

تحدّث سماحة الشيخ عبدالكريم الحبيل في خطبة له بعنوان: (القلب السليم في القرآن الكريم) بجزئها الخامس، وفيها أشار إلى صفة من صفات القلب السليم في القرآن الكريم، وهي الإخبات، وذلك 22-11-2024 في مسجد الخضر عليه السلام في جزيرة تاروت - الربيعية.

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي هدانا لحمده، وحبانا بدينه، واختصنا بملته، وسلك بنا سبل إحسانه، حمداً يتقبله منّا ويرضى به عنّا. وأشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، كما شهد لنفسه، وكفى به شهيداً، وشهدت له ملائكته وأولو العلم من خلقه. لا إله إلا هو العزيز الحكيم.

وأشهد أن حبيبه المجتبى وأمينه المرتضى، المحمود الأحمد، المصطفى الأمجد، أبا القاسم محمد صلى الله عليه وآله، عبده ورسوله، أرسله بحجة كافية وموعظة شافية. فأضاءت به البلاد بعد الضلالة، وهُديت به العباد بعد الجهالة. فصلى الله عليه وآله صلاةً كثيرةً طيبةً ناميةً، زاكيةً متواصلةً لا ينقطع أولها ولا ينتهي آخرها.

عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله، وأحذركم الدنيا وغرورها، فإنها ليست بداركم ولا منزلكم الذي خُلقتم له، ولا الذي دُعيتم إليه. فقطّعوا علائقها، واستعينوا عليها بالتقوى، وسابقوا فيها إلى دار الخلود.

أما بعد: ألا وإن أبلغ الحديث موعظة كتاب الله: "سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض، أُعدت للذين آمنوا بالله ورسله. ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم".

جعلنا الله وإياكم من خيرة عباده المتقين الصالحين، وثبتنا وإياكم بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة. إنه سميع مجيب.

أيها الإخوة الكرام، لا يزال حديثنا متواصلاً تحت عنوان: "القلب السليم في القرآن الكريم". جاء في الدعاء عن الإمام علي بن الحسين السجاد عليه السلام: "رب سهل توبةً إليك، وأعني عليها، واحملني على محجة الإخبات لك، وأرشدني إليها - وفي نص آخر - وأرشد إليك، فإن الحول والقوة بمعونتك". وعن أمير المؤمنين علي عليه السلام أنه قال: "اللهم إني أسألك إخبات المخبتين".

حديثنا في الحلقات السابقة:

تحدثنا في الحلقة السابقة عن الخشوع، وانتهينا إلى الحديث عن صلاة الخاشعين. خصصنا الجمعة قبل السابقة للحديث عن صلاة الخاشعين.

وفي هذه الجمعة المباركة، سنتحدث عن صفة أخرى من صفات القلب السليم التي نوه بها القرآن الكريم، ألا وهي: صفة الإخبات.

الإخبات: تعريفه لغةً واصطلاحاً:

لغةً: الإخبات يعني التواضع، الخضوع، والانخفاض. المكان المنخفض الواسع يُوصف بأنه "أرض مخبِتة" أو "مخبَتة".

اصطلاحاً: الإخبات يعني الخشوع، التواضع، الانقياد، والاطمئنان لله سبحانه وتعالى.

الإنسان المخبت لله سبحانه:

هو إنسان خاضع لله، متواضع، ومنقاد لأوامر الله سبحانه وتعالى. كما جاء في الدعاء: "اللهم إني أسألك إخبات المخبتين".

الإخبات كصفة من صفات القلوب السليمة:

قال تعالى في محكم كتابه الكريم: "وليَعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم". بعد الإيمان، تخبت القلوب، أي تنقاد، تخضع، وتستجيب لله سبحانه وتعالى. قال تعالى: "فتخبت له قلوبهم وإن الله لهادي الذين آمنوا إلى صراط مستقيم".

الإخبات في القرآن الكريم:

ذكر القرآن الكريم الإخبات كصفة للمؤمنين في عدة مواضع، منها:

سورة الحج: قال تعالى: "وإلهكم إله واحد، فله أسلموا وبشر المخبتين. الذين إذا ذُكر الله وجلت قلوبهم، والصابرين على ما أصابهم، والمقيمين الصلاة، ومما رزقناهم ينفقون". المخبتون: هم الذين تخشع قلوبهم عند ذكر الله، ويصبرون على البلاء، ويقيمون الصلاة، وينفقون مما رزقهم الله.

سورة هود: قال تعالى: "إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون". الإخبات هنا يعني الطاعة التامة والتواضع لأوامر الله سبحانه وتعالى.

الإخبات كحالة من حالات القلب السليم:

هذه الآيات الثلاث في القرآن الكريم توضح أن الإخبات صفة من صفات المؤمنين، وحالة من حالات القلب السليم.

القلب السليم: هو قلب مخبت لله سبحانه وتعالى، خاضع لأوامره، متواضع، مطيع طاعة حسنة، وممتلئ بالاطمئنان والخشوع. قال تعالى: "وأخبتوا إلى ربهم"  أي أطاعوا ربهم أحسن طاعة، وتواضعوا لأمره سبحانه وتعالى.

نقف هنا على معاني الإخبات في القرآن الكريم من خلال هذه الآيات الكريمة التي قرأناها على مسامعكم الكريمة.

أولاً: الإخلاص. والإخلاص محله القلب. قال تعالى: "وإلهكم إله واحد، فله أسلموا وبشر المخبتين". أي المخلصين، المخلصين لله تعالى، الذين جعلوا أعمالهم لله ولوجه الله سبحانه وتعالى. "وبشر المخبتين".

ثانياً: الخضوع والقبول والإذعان لله سبحانه وتعالى. قال تعالى في كتابه الكريم: "وليَعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم". أي تثبت لهم الحقيقة، فتخضع وتذعن للحق سبحانه وتعالى، وتنقاد له جل جلاله.

هاتان الصفتان للمخبتين، ركزت عليهما الآيات القرآنية الكريمة:

الإخلاص لله تعالى.

الخضوع والقبول لأمر الله جل جلاله.

صفات المخبتين في القرآن الكريم:

أولاً: قلوبهم موجلة لذكر الله سبحانه وتعالى. قال تعالى: "وبشر المخبتين الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم". والوجل هو حالة من الخوف والرهبة من الله سبحانه وتعالى.

وللمؤمن في الوجل حالتان:

الحالة الأولى: أن يوجل القلب من الخضوع لله سبحانه وتعالى، ويلين للحق جل جلاله.

الحالة الثانية: أن يوجل خوفاً من لقاء الله سبحانه وتعالى ومهابته جل جلاله.

في هذه الحالة، القلوب تمتلئ باليقين، وبذكر الله سبحانه وتعالى، وبمخافته جل جلاله.

ثانياً: الصبر على البلاء. قال تعالى: "وبشر المخبتين... والصابرين على ما أصابهم". المخبتون هم من الصابرين. والصبر يُعدّ من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد.

أجر الصابرين في القرآن الكريم:

قال تعالى: "إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب". بغير حساب: أي بغير تدقيق أو مقابل. هذا الأجر يحمل معنى الفيض الإلهي.

الله سبحانه وتعالى لا يعطيهم على أساس أن الحسنة يقابلها ثواب كذا، بل يفيض عليهم من نعيمه وكرمه وفضله عطاءً غير محدود.

والصفة الثالثة للمخبتين: إقامة الصلاة. قال تعالى: "والمقيمين الصلاة". المقيمون للصلاة هم الذين يراعون الصلوات، ويقيمونها كما أمر الله سبحانه وتعالى.

يراعون مقدمات الصلاة وشرائطها:

يلتزمون بمقدمات الصلاة وشرائطها، ويراعون واجبات الصلاة وأركانها. يقيمون الصلاة كاملة بمقدماتها، وشرائطها، وواجباتها، وأركانها.

يراعون أوقات الصلاة وأفضل حالات إقامتها:

يحافظون على أداء الصلاة في أوقاتها المحددة.

يحرصون على إقامة الصلاة في أفضل أحوالها وأماكنها.

يبادرون إلى الصلاة في وقتها، فلا يتهاونون أو يؤخرونها.

إقامة الصلاة بالنسبة لهم صفة لازمة في أخلاقهم وعملهم:

يصبحون في المجتمع معروفين بأنهم من "المصلين"، أي المقيمين للصلاة.

يُنظر إليهم على أنهم أهل الصلاة، الذين يبادرون إلى ذكر الله سبحانه وتعالى، ومن المستجيبين لنداء الله جل جلاله.

والصفة الرابعة للمخبتين: الإنفاق في سبيل الله. قال تعالى: "ومما رزقناهم ينفقون". المخبتون ينفقون مما آتاهم الله، ومن الرزق الذي أنعم به الله عليهم. ينفقون في سبيل الله، بإخلاص وابتغاء مرضاته جل جلاله.

صفات المخبتين التي لهم البشرى كما ذكرت الآيات:

الوجل عند ذكر الله:  قال تعالى:  "الذين إذا ذُكر الله وجلت قلوبهم".

الصبر على البلاء:  قال تعالى: "والصابرين على ما أصابهم".

إقامة الصلاة: الالتزام بأداء الصلاة كاملة في أوقاتها بأفضل أحوالها.

الإنفاق في سبيل الله: العطاء مما رزقهم الله، ابتغاء مرضاته.

العلماء: يهتدون بنور العلم، ويحملونه في قلوبهم، ويتفكرون بما أنزل الله سبحانه وتعالى. قال تعالى: "وليَعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم".

العلماء المخبتون:

هؤلاء هم العلماء الذين تخبت قلوبهم لما نزل على الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم. قال تعالى: "وليَعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم". تلك القلوب المخبتة تعي وتدرك أن ما نزل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو الحق المبين.

إذاً، هذه خمس صفات للمخبتين ذكرت في كتاب الله:

الوجل عند ذكر الله.

الصبر على البلاء.

إقامة الصلاة.

الإنفاق في سبيل الله.

الهداية بنور العلم.

أما جزاء أولئك المخبتين،  فالقرآن الكريم أولاً قال إن لهم البشرى. قال تعالى: "وبشر عباد الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا: إنّا لله وإنا إليه راجعون".

البشارة في القرآن الكريم:

البشرى ذكرت في القرآن الكريم لأولئك العباد الصالحين، المتقين، الصابرين، المؤمنين. الله سبحانه وتعالى تحدث عن المخبتين بأن لهم البشرى.

هناك قسم من المؤمنين يبشرهم الله، ويشعرون بالبشرى:

في هذه الحياة الدنيا.

عند لقاء الله سبحانه وتعالى.

البشرى في حياة المؤمنين:

لا تستغربوا من صدور بعض العبارات عن الصالحين، المتقين، والأولياء المؤمنين، رجال الله الذين تصدر منهم كلمات تدل على قرب لقائهم بالله سبحانه وتعالى.

هذه الكلمات نابعة من البشرى التي يبشرهم الله بها، ومن الطمأنينة التي تغمر قلوبهم.

البشرى ليست فقط وعداً بالجنة، بل أيضاً شعور بالقرب من الله، وثقة بلقائه، وسكينة في نفوسهم.

قرأت في سيرة الفقيه الكبير مرجع الحجة السيد محمد الكوكمري، أستاذ الفقيه الكبير الشيخ مرتضى الحائري. والشيخ مرتضى الحائري هو نجل المرجع الكبير الشيخ عبدالكريم الحائري، الذي كان مرجع الطائفة في عصره.

الشيخ عبدالكريم الحائري قام بنقل تدريسه من مدينة أراك إلى مدينة قم المقدسة، ومع هذا الانتقال، أقبل طلبة العلوم والعلماء من كل المدن إلى مدينة قم لينهلوا من نمير علمه.

ولهذا السبب، يُعتبر الشيخ عبدالكريم الحائري المؤسس لحوزة قم المقدسة في العصر الحديث. الشيخ مرتضى الحائري، نجل الشيخ عبدالكريم الحائري: كان فقيهاً كبيراً وأستاذاً من أساتذة الحوزة العلمية.

أدركناه وهو أستاذٌ للعديد من العلماء، ومنهم السيد علي الخامنئي، حيث درس على يديه ما يقارب خمس عشرة سنة.

صفات الشيخ عبدالكريم الحائري:

كان عالماً يفيض ورعاً وقداسة ومهابة.

ينطبق عليه الوصف:

"يغضي حياءً فيُغضى من مهابته، فلا يُكلم إلا حين يبتسم".

عندما كان يخرج إلى المسجد الأعظم، كان يُرى بحالة من القداسة والمهابة الشديدة.

المسجد الأعظم كان يكتظ بالمصلين أثناء صلاته، حيث يصعب إيجاد مكان للصلاة خلفه.

كان زوج ابنة المرجع السيد الكوكمري، ولازمه في مرضه حتى وفاته.

حادثة وفاته كما نقلها الشيخ الري شهري:

الشيخ الري شهري، المعروف بعلمه وتأليفه العديد من الكتب التي أغنت المكتبة الإسلامية، نقل الحادثة التالية: قبل وفاة السيد محمد الكوكمري بأسبوع، أخبر الشيخ عبدالكريم الحائري، الذي كان بجواره، قائلاً: "إني سأنتقل إلى جوار الله يوم الأحد القادم عند أذان الظهر".

يقول الشيخ عبدالكريم: "شعرت بالقشعريرة من هذا الكلام، واستغربت منه، واعتقدت أنه ربما يهذي بسبب المرض. لكنني قررت ملازمته وعدم تركه، ومراقبته أكثر".

عندما جاء يوم الأحد، قبل الأذان بساعة، طلب السيد من الشيخ عبدالكريم إحضار مطرقة.

يقول الشيخ: "أحضرت له المطرقة، فأخذ ختمه الذي كان يستخدمه في ختم الفتاوى الشرعية والبيانات، وكسره بنفسه". هذا التصرف أثار استغرابي.

كسر الختم: الهدف من كسر الختم كان منع أي تزوير للفتاوى بعد وفاته.

يذكر الشيخ الحائري مثالاً مشابهاً: عندما توفي المرجع السيد محمد سعيد الحكيم منذ سنوات قليلة، قام أبناؤه بتسجيل فيديو يوثق كسر ختمه بالمطرقة.

بعد كسره للختم، جلس السيد، وعندما ارتفع الأذان، استلقى، واتجه إلى القبلة، وفاضت روحه الطاهرة، تماماً كما أخبر قبل أسبوع.

البشرى في هذه الحادثة:

هذه الحادثة تُعد من الحالات النادرة العجيبة التي تعبر عن البشرى التي وعد الله بها عباده الصالحين. قال تعالى: "لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة". وقال: "وبشر المخبتين".

ثانياً: الخلود في الجنة.

للمخبتين الجنة والخلود فيها. قال تعالى: "إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون". الخلود في جنان النعيم، فأولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون، لا يخرجون منها أبداً، ينعمون برحمة الله وفضله.

ثالثاً: الهداية من الله.

الله سبحانه وتعالى يتكفل بهداية المخبتين، فهو الذي يهديهم.

نور في الدنيا:

الله يجعل لهم نوراً في هذه الحياة الدنيا، نوراً يمشون به بين الناس.

الهداية إلى صراط مستقيم:

الله سبحانه وتعالى يهديهم دائماً إلى طريق الحق والهدى. قال تعالى: "وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم، وإن الله لهادي الذين آمنوا إلى صراط مستقيم". الله سبحانه وتعالى يتولى هدايتهم بنفسه، يأخذ بأيديهم دائماً إلى طريق الحق والهدى. يجعلهم من المهتدين، فيزدادون إيماناً ويقيناً مع كل خطوة في حياتهم.

جزاء المخبتين:

البشرى:

لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة.

الخلود في الجنة:

هم أصحاب الجنة خالدون فيها.

الهداية من الله:

الله يهديهم إلى الصراط المستقيم ويجعل لهم نوراً في حياتهم.

دعاء:

أسأل الله أن يجعلنا منهم ومعهم، وأن يزيدنا وإياكم إيماناً ويقيناً وخشوعاً. ويوفقنا ويوفق قلوبنا لأن تكون من القلوب السليمة، التي ترد على الله سبحانه وتعالى يوم الورود. قال تعالى: "إلا من أتى الله بقلب سليم". جعلنا الله وإياكم منهم، إنه سميع مجيب.

أما بعد:

ألا وإن أحسن الحديث وأبلغه كتاب الله. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسم الله الرحمن الرحيم: "والعصر. إن الإنسان لفي خسر. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر". وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

الخطبة الثانية:

أيها الإخوة الكرام والأخوات المؤمنات، مرّ بنا هذا الأسبوع، قبل يومين، يوم العشرين من نوفمبر، وهو اليوم العالمي للطفل، حسب إقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة لإعلان حقوق الطفل عام 1959م. وقد جُددت تلك الاتفاقية في عام 1989م تحت مسمى اتفاقية حقوق الطفل، وأُقرت رسميًّا من الأمم المتحدة.

الحقوق التي تم الاتفاق عليها تشمل:

أولاً: عدم التمييز في التعامل مع الأطفال. بغض النظر عن ألوانهم، لغاتهم، مذاهبهم، بلدانهم، أو قاراتهم.

عدم التمييز بين الأطفال: بين أسود وأبيض، بين مسلم وغير مسلم، بين غني وفقير.

جميع الأطفال يجب أن يُعاملوا معاملة متساوية وعادلة.

ثانياً: حرية الفكر والعقيدة.

للطفل حرية في عقيدته وفكره. وهنا نوجه رسالة إلى المجتمعات الغربية التي تجبر الأطفال على تبني المثلية والعياذ بالله، أو تغيير الجنس، أو تلزمهم بحضور حصص عن المثلية. وإذا امتنع الطفل أو منعه أهله من ذلك، يُنتزع الطفل من أهله قسرًا. أين هي حرية الفكر والعقيدة التي يتحدثون عنها؟

ثالثاً: التوجيه الأسري.

من حق الطفل أن تهتم به أسرته، وتوجهه توجيهًا كريمًا. الأسرة مسؤولة عن تنشئته على الأخلاق الفاضلة والتربية الصالحة، لئلا يعيش حياة الضياع أو ينشأ في الشوارع وبين أبناء الشوارع.

رابعاً: الحياة الكريمة.

لكل طفل الحق في أن يعيش حياة كريمة تليق بإنسانيته.

خامساً: الحماية والأمان للأطفال.

من حق الطفل أن ينشأ في بيئة آمنة ومحمية. نحن في بلادنا، والحمد لله، أطفالنا يعيشون في حماية وأمان. لكن، ماذا عن أطفال غزة، فلسطين، ولبنان؟ هؤلاء الأطفال يُلقى عليهم القنابل، تُهدم بيوتهم، تُمزق أجسادهم، وتُحرق خيامهم التي لجأوا إليها فرارًا من العدوان. أين هو الأمان لهم؟

سادساً: احترام آراء الطفل.

من حق الطفل أن تُحترم آراؤه، وأن يُعامل باحترام وتقدير. هنا أنبّه الآباء والأسر: إذا تحدث الطفل، استمعوا له. لا تتجاهلوا حديثه ولا تجبروه على تكرار الكلام أو رفع صوته حتى ينتبه إليه الآخرون. احترم رأيه ليكبر بشخصية متحدثة واثقة، لا تخجل أمام الناس.

سابعاً: التعليم الجيد.

من حق الطفل أن يحظى بتعليم جيد. والحمد لله، في يوم 20 نوفمبر، احتفلت رياض الأطفال والمدارس الابتدائية في بلادنا بهذه المناسبة.

دعاء:

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيش أبناؤنا وأطفالنا حياة كريمة. فالطفولة هي أجمل مراحل النعيم والرغد، حيث يلبس الأطفال أحسن اللباس، ويتعلمون، ويمارسون اللعب والفرح. لكن في الحروب والمجاعات، الأطفال هم أكثر من يتأذى. الأطفال هم الأكثر موتًا وتشريدًا في الأزمات والكوارث.

 أسأل الله سبحانه وتعالى أن يديم علينا وعليكم الأمن والأمان، والسلامة والإسلام. إنه سميع مجيب.

ثانياً: رزئنا في هذا الأسبوع، بوفاة أخينا وعزيزنا الكاتب والمؤلف والشيخ الجليل الشيخ عباس حسن البريهي من أهالي جزيرة تاروت.

هذا الرجل الذي نذر حياته للعلم والمعرفة والثقافة منذ صغره، بذل كل ما يملك من وقت وجهد في سبيل العلم والقراءة والمعرفة. كان يزاحم العلماء، يذهب إليهم في مجالسهم، يسألهم ويحاورهم، بل ويسافر للمعاشرة معهم ومباحثتهم، والأخذ عنهم.

رحلاته العلمية:

جاب العديد من المناطق لطلب العلم: العراق، لبنان، الأحساء، القطيف، البحرين، وقم المقدسة. كان جلّ هـمّه التلقّي من العلماء والتعلم على أيديهم.

اهتمامه بالكتب والمعرفة:

اهتم بالكتب اهتماماً بالغاً، فجعل من القراءة ونشر المعرفة هدفاً في حياته. أسس مكتبة كبيرة أصبحت مرجعاً له ولغيره من الباحثين.

البحث والكتابة:

كرّس وقته وجهده للبحث والكتابة، وألّف العديد من الكتب والمؤلفات والبحوث، منها:

"فصل المقال في حديث لا تُشد الرحال".

"الروض المونق في فن المنطق".

"الأوسط في المنطق والصرف".

"الأطول في البلاغة".

"الإيناس في شرح زيارة أبي الفضل العباس".

"شرح الصحيفة السجادية" (شرحها في عدة مجلدات).

"شرح نهج البلاغة" (في ثمانية مجلدات).

"التعريف بمصطلح المناظرة" (مطبوع في بيروت).

"جدليات وردود حول وجود الإمام المهدي الموعود" (مطبوع في بيروت).

وغيرها من الكتب والبحوث العديدة.

ثناء العلماء عليه:

بعض كتبه قدم لها العلاّمة الفقيه الدكتور الشيخ عبدالهادي الفضلي (قدس الله نفسه الزكية)، الذي أثنى على كتاباته ثناءً عَطِراً.

تواضعه وأخلاقه:

كان إنساناً متواضعاً، قمة في التواضع والبساطة. قد يكون أهل تاروت أنفسهم لا يعلمون عن هذا القدر العظيم من العلم والفضل الذي كان يحمله هذا الرجل.

دعاء:

جزاه الله خير جزاء المحسنين. تغمّده الله بواسع رحمته، وأسكنه الفسيح من جنته. نسأل الله أن يحشره مع محمد وآل محمد الطاهرين.

لروحه نقرأ المباركة الفاتحة:

"بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، إياك نعبد وإياك نستعين، اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم، غير المغضوب عليهم ولا الضالين".

"بسم الله الرحمن الرحيم، قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد".

غفر الله لنا وله، ولجميع من فقدنا هذا الأسبوع، إنه سميع مجيب.

جميعًا، في يوم الدعاء وساعة الدعاء ومكان الدعاء، نرفع أيدينا متضرعين للحق تعالى بالدعاء:

اللهم صلِّ على محمد وآل محمد. اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات. "ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين". اللهم انصر الإسلام والمسلمين. اللهم اجعل كلمة الإسلام هي العليا وكلمة الكافرين السفلى. اللهم عذب كفرة أهل الكتاب وأولئك التكفيريين الإرهابيين والصهاينة الغاصبين، الذين يصدون عن سبيلك، ويجهلون آياتك، ويكذبون رسلك. اللهم خالف بين كلمتهم، وألقِ الرعب في قلوبهم، واجعل تدميرهم في تدبيرهم. وطهّر القدس الشريف من شرهم ودنسهم، وأنزل عليهم رجزك ونقمتك وبأسك، الذي لا يُرد عن القوم المجرمين. اللهم واغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، واكشف كروبنا، واشفِ مرضانا، وأغنِ فقراءنا، واهدِ شبابنا، وزوّج عزابنا، وأصلح ما فسد من أمر ديننا ودنيانا. اللهم ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا. اللهم ولا تُخرجنا من هذه الدنيا حتى ترضى عنا. اللهم وعجل لولي أمرك الفرج والنصر والعافية. إله الحق، آمين.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسم الله الرحمن الرحيم: "إنا أعطيناك الكوثر، فصلِّ لربك وانحر، إن شانئك هو الأبتر". قال تعالى: "إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون". وصلى الله وسلم على محمد وآله الطيبين الطاهرين.