فجر الجمعة

الشيخ عبد الجليل البن سعد: كيف نستمد من روح فاطمة؟

تحدّث سماحة الشيخ عبد الجليل البن سعد في خطبة له بعنوان: (كيف نستمد من روح فاطمة؟) أكّد فيها أنّه يجب أن نكون كما تريد الزهراء عليها السلام، وذلك في 4 جمادى الثاني 1446 هـ في جامع الإمام الحسين (ع) بالحليلة بالأحساء.

 

عظَّم الله أجورنا وأجوركم في ذكرى شهادة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فاطمة الصدّيقة المعصومة صلوات الله وسلامه تعالى عليها.

نجد في عرف الفقهاء والعرفاء من أتباع أهل البيت عليهم السلام تعبيرًا يرسِلونه إرسال المسلّمات، فتجد أحدهم وهو يؤلف كتابًا يقول: "إني أستمد من روح فاطمة"، وتجد آخر وهو يبرز القوة أمام المنكر وفي مجال الدعوة بالمعروف والنهي عن المنكر يقول: "أستمد من روح علي عليه السلام"، وتجد ثالثًا، وهو يقاوم أعداءه، يقول: "أستمد من روح الحسين صلوات الله وسلامه عليه".

وهكذا، كلٌّ يستمد من تلك الأرواح الطاهرة، بدءًا من الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله، وانتهاءً بالإمام الحجة صلوات الله وسلامه تعالى عليه.

 

 

هذا الاستمداد الروحي، ما هي حقيقته؟ وكيف لنا أن نفهمه؟ وكيف لنا أن نفعّله في حياتنا؟ هل هو الواجب الذي ينتظرنا؟

هل هو الواجب الذي إذا لم نصل إليه ولم نفعّله فإن كل ما نفعله مجرد نوافل؟ لأن هناك من يحافظ على النوافل ويضيّع الواجبات.

ما قيمة النافلة إذا كان الواجب قد ضاع بين يديك؟ هل هذا هو المطلب الأول بيننا وبين أهل البيت عليهم السلام أم لا؟

 

 

نبدأ ببيان أن فاطمة الزهراء سلام الله عليها، هي الأخرى حفظت هذا المطلب بينها وبين أبيها، فكانت تستمد من روح والدها. هي بضعة مني، وهي قلبي وروحي التي بين جنبي.

هكذا نرى حتى المنحرفين الكاملين في انحرافهم يسلّمون بهذه القضية. لذلك، حينما تحدثت السيدة زينب سلام الله عليها في مجلس الأوغاد، قال قائلهم: إن روح أبيها بين جنبيها.

وحينما حمل أبو عبد الله الحسين عليه السلام على القوم، قال اللعين الخبيث: إن روح أبيه لبين جنبيه.

فليست هذه المسألة بحاجة إلى دليل. الاندماج الروحي والاندغام الروحي ممكن، وهي الغاية التي ينبغي أن تكون نُصب اهتمام المؤمن.

 

طموحك يجب ألا ينخفض عن هذا المستوى. حينما يقول الرجال: نحن أبناء علي، أو تقول النساء: نحن بنات الزهراء، فإن اتخاذ هذا الشعار يجب أن يكون مجرد حافز يحفزنا للاندماج معهم بأرواحنا، حتى تتمازج أرواحنا مع أرواحهم، صلوات الله وسلامه عليهم.

لكن يجب أن ننتبه: عندما نقول: نحن أبناء علي، فهذا قول عظيم، وربما يكون حجة علينا لا لنا. لأنك لا تقول: أنا ابن علي، ثم تأتي بما يسوء عليًّا عليه السلام، أو بما يتناقض مع منهجه.

هكذا أيضًا حينما تقول إحدى الدعويات أو من يقمن بالخدمة في المجالس والأماكن والنوادي الإلهية: نحن بنات الزهراء، فإن عليهن أن يدركن عظمة هذا الشعار.

هذا القول يحتاج إلى أمانة ويحتاج إلى انتباه، أن نكون كما تريد الزهراء، أن نكون كمن يستملي منها، فتُملي علينا أينما كنّا، وأينما وقفنا، وأينما أدّينا الخدمة.

 

يجب أن تكوني كالتي تُصغي لقائدتها وهي تُملِي عليها، سواء في المكان العام أو الخاص. وإلا فاتركي هذا الاسم وشأنه. كذلك، أنت أيضًا، عندما توقع كتاباتك أو رسائلك بـ"عاشق علي" أو "عاشق الحسين"، انتبه إلى المسؤولية التي تتحملها. فأنت تقول: أنا ممن يتكامل روحيًّا مع علي، أنا ممن يتكامل روحيًّا مع الحسين، أنا ممن يتكامل روحيًّا مع فاطمة.

وهذا التكامل الروحي لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال الاندماج والاندغام. اسعَ ليشهد لك مولاك بأنك قد اندمجت معه روحيًّا.

أمير المؤمنين علي عليه السلام أصدر هذه الشهادة بحق الحسن الزكي عليه السلام:  "وجدتك بعضي، بل وجدتك كلي". أي أنك اندمجت معي اندماجاً تاماً.

 

 

الاستمداد الروحي مثال واضح:

لتوضيح فكرة الاستمداد الروحي، نضرب مثال الطفل مع والديه.

  • الطفل لا يتحمل الجفاء أو القطيعة.

  • إذا نُزع من أمه لساعات، ستكون النتيجة بكاءً وصراخاً، فهو لا يتحمل الغياب.

  • الطفل يحاكي أمه في كل شيء، ويتابعها أينما ذهبت.

  • لا يمكن أن يقبل نموذجاً بديلاً عنها.

 

بهذا المثال، يمكن فهم معنى الاندماج الروحي بشكل أوضح.

أقول: أنا بنت الزهراء وأندمج مع نماذج تختلف عن الزهراء، هذا لا يمكن.

أنا أقبل بنماذج بديلة عن الزهراء، هذا لا يمكن.

أقول: نحن أبناء الزهراء، ولكن لا نحاكي الزهراء، ما يمكن.

نجفو الزهراء، نقطع الزهراء، هذا لا يمكن.

 

 

فاطمة الزهراء، عنوان الاندماج الروحي:

الزهراء، صلوات الله وسلامه عليها، هي عنوان الاندماج الروحي. وكما نعلم من حديث أهل البيت عليهم السلام، لكل واحدٍ من أهل البيت ميدان خاص به:

  • الإمام زين العابدين (عليه السلام): ميدانه العبادة، رغم اتصاله بالميادين الأخرى.

  • الإمامان الباقر والصادق (عليهما السلام): ميدانهما العلم، رغم اتصالهما بالميادين الأخرى.

 

 

فما هو ميدان الزهراء؟

ميدان الزهراء هو المثالية الروحية.

القوة الروحية هي ميدان فاطمة.

 

ولذلك، كسبت ما كسبت من أبيها صلى الله عليه وآله من خلال هذا الاندماج والاندغام الروحي.

فإذا أردنا أن نعيش في ميدان فاطمة، يجب أن يتجلى علينا هذا.

أن نكون أبناء فاطمة، بنين وبنات، يعني أن نحاكي فاطمة ونتابع فاطمة.

ولا نقبل بنموذج سوى فاطمة. ولا نجفو فاطمة، ولا نقطع علاقتنا بها.

 

 

خصوصية العلاقة الروحية مع الزهراء:

اتصال الشيعة بفاطمة الزهراء سلام الله عليها، يتميز بأسلوب خاص من التأكيد، ربما أكثر من أي إمام آخر.

هي المعصومة الوحيدة التي تُقام لها أربع ذكريات في السنة الواحدة.

وكأن الأقل من ذلك يُعتبر نوعاً من الجفاء مع فاطمة الزهراء. امرأة بهذا الحجم، لا يكفي أن تُذكر مرة واحدة في السنة.

وهذا الحراك، إن دلّ على شيء، فإنه يدل على أن أرواح الشيعة متأثرة فعلاً بفاطمة الزهراء.

 

 

مظهر هذا التأثر يتجلى في المنابر:

  • أربعة أيام مخصصة لفاطمة.

  • مولد واحد زائد ثلاث ليالٍ مخصصة للوفاة.

 

 

حقيقة الاندماج الروحي:

طيلة العام، تجد المنابر إما تنعى فاطمة أو تنعى الحسين، أي وا فاطمتاه.

هذا هو حقيقة الاندماج الروحي مع السيدة الزهراء، بل مع الجميع.

يقول الحديث: "الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف".

 

 

شيفرة الاتصال بالروح الفاطمية:

الاتصال بالروح الفاطمية للحصول على القوة الروحية والمثاليات الروحية يتحقق من خلال:

  1. الاندماج الروحي.

  2. التعاون مع روح فاطمة.

ودليل نجاح هذا الاتصال هو التآلف بيننا وبين فاطمة الزهراء، سلام الله عليها.

 

يوم جمعة، يوم عظيم ندعو الله عز وجل فيه،  

ونقول:

اللهم، إنا نعوذ بك اليوم، فأعذنا.

اللهم، إنا نستجير بك اليوم، فأجرنا.

اللهم، إنا نستعين بك، فأعنّا.

اللهم، إنا بك اليوم اعتصمنا.

اللهم، إنا نسألك اليوم، فأعطنا.

اللهم، إنا نسترزقك اليوم، فارزقنا.

اللهم، إنا نستغفرك اليوم، فاغفر لنا.

وخير ما يُختَم به الكلام:

الصلاة والسلام على خير الأنام وآله الكرام، محمد وآل محمد.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد