الخط "سليماني" أبصر النور دون أدنى تخطيط

نسرين نجم

الصدفة خيرٌ من ألف تخطيط، فقد تحمل في طياتها إبداعات وابتكارات، فيها الكثير من التميّز، تدلّ على أن العقل البشري يضم دررًا من الأفكار تقود الإنسانية إلى الأفضل، في حال أحسنَّا استخدامها.

هذا ما حصل مع ابن القطيف صادق السليمان، الذي استفاد من أوقات فراغه في عمله، ومن دون قصد لابتكار "الخط سليماني"، الذي حمل اسم عائلته وفاءً لها، وجعله متاحًا للجميع صدقةً جارية عن روح والدته. فمن هو صادق السليمان؟ وكيف ولدت فكرة الخط؟.

 بداية يعرف عن نفسه بأنه: "موظف في القطاع الخاص، بداياتي كانت كمصمم جرافيكس، لدي بعض التجارب في التصوير الفوتوغرافي والفيديو، وحالياً لدي اهتمام بالمونتاج والمعالجة اللونية، هاوٍ للخط العربي، ومحب للفنون بجميع أشكاله، مشاركاتي في المعارض محدودة، ومقتصرة على المعارض الحسينية، في العام ٢٠٠٨ م بدأت العمل بالخط الرقمي "الخط عن طريق الكمبيوتر باستخدام برنامج الستريتور والقلم الضوئي"، أنجزت ما يقارب من ٢٨٠ مخطوطة رقمية باسم النبي محمد صلى الله عليه وآله، و١١٥ زخرفة وعملا فنيًّا رقميًّا، تركيبتهم اسم النبي الأكرم، بالإضافة إلى مجموعة مخطوطات وأعمال فنية متنوعة". أما عن ولادة فكرة الخط فيقول السليمان: "في البداية لم يكن هناك أي تصور أو فكرة لإنشاء أو ابتكار أي خط، ولكن من خلال اسكتشات كنت أقوم بها في وقت استراحة الغذاء، والتي كانت عبارة عن كلمات وأسماء كنت أستخدم بعضها في التصاميم والأعمال الفنية، وبحكم أنه في مجال التصميم دائماً أبحث عن نمط أو ستايل خاص بي لشكل العنوان والمخطوطة، بدأت تتطور الفكرة بإنشاء نمط خاص بي يُعطي العنوان أو المخطوطة شكلا فنيًّا مميزًا.  ومن خلال معرفتي ببعض قواعد وهندسة الخط العربي الأصيل، وحضوري لبعض فعاليات جماعة الخط العربي بالقطيف، ساعدني ذلك كثيراً في إيجاد قواعد هندسية خاصة بهذا الخط".

وعند الحديث عما يتميّز به هذا الخط، نلاحظ بأن السليمان يصفه بعشق، فتنساب مشاعره كانسياب الخط تمامًا إذ يقول: "برشاقته وكثرة إنحناءاته، ما يعطيه طابعًا خاصًا ومميزًا، كما يمتاز بشكل حروفه التي تبدأ بسمك وتنتهي بخط رفيع مرن ورشيق، يعطيه شكلًا مختلفًا، وبذات الوقت يُقارب بعض حروفيات الخطوط المعروفة . ويميل إلى الجانب الفني التشكيلي والزخرفي، حينما تتراكب الأحرف والكلمات مع بعضها البعض لتعطي أشكالًا انسيابية وفنية.  وما يميزه أيضاً إمكانية الكتابة بشكل أفقي أو عمودي بطرق مختلفة".

 وانطلاقًا من هذه الإجابة، سألنا السليمان عن مدى انعكاس شخصيته على هذا الخط، وإلى أي حد يعبر عن هويته فأجاب :"أعتقد أنه يعبّر بشكل كبير عن بعض جوانب شخصيتي، فكما أن لدي انضباطا في بعض الجوانب، لدي مرونة في جوانب أخرى، وهذا قد يفسر التحول في شكل الحرف من السمك إلى النحافة.  دائماً ما أتخيل شكل الحروف على أنها نوتات موسيقية، خصوصاً وأنا من محبي الموسيقى ذات الطابع الشجي وبالأخص الفارسية، ومنه أخذت الأحرف أشكالاً ذات إنحناءات كثيرة. وهو بالتأكيد يعبر عن هويتى وانتمائي لهذا المحيط العربي".

 وللقطيف مكانة خاصة في قلب ووجدان السليمان، فالإنسان وكما هو معروف بأنه ابن بيئته، وعن ذلك يقول: "من وجهة نظري، البيئة المحيطة تلعب دورًا هامًا في شتى المجالات وخصوصاً الفن في منطقتنا "القطيف" الكثير من الفنانين والأدباء والشعراء المتمكنين، ويقام العديد من المناسبات الدينية والاجتماعية والثقافية، وهذه المناسبات مرتبطة بالفن بشكل أو بآخر، كما أن لدى العامة حضوراً وتذوقاً فنياً جيداً، وعليه فإن دور المكان والبيئة والأنشطة والفعاليات، كان ولا يزال هاماً في تعزيز وخلق الموهبة والمعرفة".

الخط "سليماني" كان حلمًا بالنسبة لصادق السليمان، وعند سؤالنا له هل يتحقق الحلم دائمًا؟ أم أن للصدفة من دورا أجاب: "أعتقد أن الصدف تكون بمثابة الشرارة لإشعال القنديل، والتي قد تكون بداية الحلم، ولكن تحقيق أي حلم يحتاج إلى تفانٍ وعمل متواصل ودؤوب، متمثّلاً قول الشاعر:دببت للمجد والسّاعون قد بلغوا/حدّ النفوس وألقوا دونه الأزرا/ وكابدوا المجد حتّى ملّ أكثرهم/وعانق المجد من وافى ومن صبرا/لا تحسب المجد تمراً أنت آكله/لن تبلغ المجد حتى تلعق الصّبرا".

وبالانتقال إلى ما يعيشه شبابنا من شجون، سيما أن البعض يحوّل موهبته إلى مهنة في ظلّ الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الشباب العربي والمسلم، يقول السليمان: "لحدّ الآن لم أمتهن الخط، هو رغبة وشغف وتعبيرٌ عما يجول بالنفس بأشكال بصرية، قد يدخل العالم التجاري في بعض الجوانب، ولكن الأساس فيه هو الرغبة والعشق".

ما قدمه صادق السليمان، نموذج لما يجب أن يكون عليه الشباب بإبداعاتهم وابتكاراتهم، وفي ظلّ سيطرة العالم الافتراضي والتكنولوجي بكل أشكاله، أين وكيف يبدع الشباب المسلم؟ يقول السليمان: "العقل البشري مذهل، قد تكون البيئة عاملًا هدامًا أو بناءً، كشبابٍ عربي ومسلم، لدينا إمكانيات عقلية كما لدى الآخرين، ولكن يبقى لنا كيفية توظيف هذه الإمكانات.  في السابق كان يصعب التعرّف إلى ما لدى الشعوب الأخرى من ثقافة وفنون، ويحتاج  المرء في سبيل ذلك إلى الترحال والسفر مسافات بعيدة، أما اليوم ومع التقدم التكنولوجي، فبكبسة زر نستطيع زيارة العالم والتعرف إلى شعوبه وثقافتهم في سويعات. أرى أنه ما زلنا مقصرين في نقل إبداعاتنا إلى العالم الافتراضي، والتواصل مع الآخر وتعريفه بنظرتنا إلى الفنون من وجهة نظر عربية وإسلامية وما تحويه من قيم ومبادئ".

 أما فيما يخص الشباب الذين أصيبوا باليأس لعدم تحقيق أحلامهم، ما دفع ببعضهم إلى التخلّي عنها فيقول: "فليكن الإحباط هو الشرارة لإيقاد القنديل ليُنير عتمة الليل، قد لا تتوفر لدينا الإمكانات المادية أو اللوجستية، وقد تكون البيئة المحيطة غير مشجعة وغير محفزة، وقد تكون هناك أولويات المعيشة، ولكن أن ترى حلمك بين يديك تلامسه ويلامسك ولو على صعيد شخصي، سيجعلك تعيش الحلم فهو أشبه بهواء تتنفسه".

 وعن آخر نشاطاته ومشاركاته قال: "آخر مشاركة لي كانت في المعرض الحسيني" طرًا في هواك"، وكانت عبارة عن عرض لتجربة خطية ممزوجة بالعالم الرقمي مكونة من ٦ أعمال، الفكرة من التجربة هي اختيار كلمات من مقولات وأشعار أصبحت مرتكزاً في الثقافة الحسينية، فبمجرد سماع الكلمات المفتاحية، يتبادر إلى الذهن بقية المقولة أو البيت الشعري. كما أن التركيز حالياً يصب في خانة التمكن من قواعد وهندسة الخط "سليماني"، ومن ثم تحديث النسخة الإلكترونية لتكون أكثر انسيابية ومرونة وتماسكاً، بالإضافة إلى وجود مخطط لعمل لوحات تشكيلية يدخل فيها هذا الخط، خصوصاً بعد تشجيع الفنانة التشكيلية/ ليلى نصرالله".