مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
إيمان شمس الدين
عن الكاتب :
باحثة في الفكر الديني والسياسي وكاتبة في جريدة القبس الكويتية

قراءة في واقع الخطاب / المنبر الحسيني نموذجا (3)


إيمان شمس الدين

الخطاب و المنبر الحسيني:
تتميز المناسبات الدينية في أي دين بأنها محطة بالغة الأهمية في إيصال الرسائل سواء السياسية أو الاجتماعية أو الدينية، وفي محاولة توجيه وعي الجمهور باتجاهات معينة، أو بناء قناعات معينة له تخدم القائمين على المناسبة أو الداعمين لها، وتاريخيًّا تم استغلال المناسبات الدينية من قبل السياسيين أو أصحاب النفوذ والسلطة وخاصة الحكام. وكانت ومازال الخطاب الوسيلة المستدامة في هذه المناسبات وغيرها في التواصل مع الجمهور.
وكثيرًا ما تستغل هذه المناسبات ويصاغ الخطاب بطريقة مدروسة من كافة الجهات للحصول على منفعة أو لتوجيه الرأي العام، وهذا ما نراه في كثير من الخطابات الانتخابية والدينية والسياسية وحتى في المحافل الدولية وغيرها. حيث يراعي أصحاب المناسبة بنية الخطاب اللغوية ومحتواه الفكري وصياغة جمله بطريقة موجهة قادرة على تحقيق الهدف الذي صيغ لأجله الخطاب وعقدت لأجله المناسبة.
وهنا تتبلور أكثر أهمية اللغة وصياغاتها وأهمية الخطابات ومآلاتها، "لا تكسبنا اللغة معرفة لكل شيء فحسب، بل توضح لنا ما هي الأشياء التي لديها قابلية إطلاق اسم عليها، هذه اللغة تقسم لنا العالم إلى مقولتين: الأولى عينية والأخرى ذهنية، وتعلن أمامنا بأن هناك وقائع يمكن النظر إليها على أنها عملية ووقائع أخرى على أنها شيئية. وهذه اللغة كذلك تعلمنا عن الزمان والمكان والأعداد، وتهب أفكارنا عن طبيعة روابطنا مع الآخرين شكلًا معينًا، فحياتنا تدور في حدود اللغة وإمكان الاستفادة منها والتلاعب بالكلمات، ونحن لا نستطيع أبدا تصور شكل العالم الذي يحيا فيه أناس آخرون غيرنا ويتكلمون لغة مختلفة، لأننا غالبًا ما نتخيل بأن الكل في هذا العالم يرون ويفترضون كما نفعل نحن.، وفي هذا المجال فإنه من النادر جدا التوجه إلى هذه الاختلافات أو التساؤل عن هذا الافتراض المقصود.

كل لغة تمتلك لنفسها مجالًا وميدانًا خاصًّا بها، وبسبب التفاوت في الإمكانيات وفي البناء اللغوي في ما بين لغتين، فمن البديهي وجود الاختلاف في ما بين اللغتين على صعيد وجهات النظر ومستويات فهم العالم، وفقط أولئك المطلعون على كلا اللغتين وتاريخهما يستكشفون مثل تلك الاختلافات. فإذا اللغة، قياسًا بالوسائل والأدوات الأخرى تعتبر أداة تمتلك أيديولوجيا خاصة في توجيه الأمور حيث غالبًا ما تحفظ نفسها منفصلة عنا، وهذا التوجيه عندما يتصل بموضوع اللغة، فإنه ينغرس عميقًا في شخصياتنا وطريقة تلقينا للعالم إلى درجة يصبح من الصعب معها التعرف إلى هيكل التوجيه البنائي دون الخضوع لتعليم خاص في هذا المجال. وبعكس التلفزيون والحاسوب، فإن اللغة لا تظهر على أنها نوع من الترقي أو التوسع في قدراتها، بل تعتبر جزءًا طبيعيًّا مما نحن عليه، إلا أنه في أغلب الأحيان يمكن لجملة أن تلعب دورًا هامًّا شبيها بما يمكن لآلة القيام به، وهذا بالضبط ما يمكن أن تراه بوضوح كامل في استمارات الجمل التي نسميها الأسئلة، وأكثر من أي مكان آخر."
وتعتبر عاشوراء من المناسبات الدينية الهامة جدا في تاريخ المسلمين بل وغير المسلمين كونها تتكلم عن واقعة تاريخية خاضتها شخصيات تاريخية ذات موقعية متقدمة في تاريخ البشرية ولها موقعية هامة في الدين الإسلامي مثل الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته، الذين كانوا معه وأصحابه الذين رافقوه واستشهدوا معه، وكان من بينهم سبعة عشر صحابيًّا من أصحاب النبي صلي الله عليه وآله جد الحسين لأمه الزهراء عليها السلام، وقد خاض معركة قاسية في مواجهة يزيد بن معاوية  الذي ينتمي لبني أمية، فجده أبو سفيان من كبار قريش ومن الطلقاء الذين لم يسلموا إلا بعد فتح مكة، وكان من أكثر وجهاء قريش الذين واجهوا النبي صلى الله عليه وآله ظنًّا منه أنه يقاتله لأجل الزعامة القريشية، ولم يدرك تمامًا أنه نبي مرسل، ورغم دخوله الإسلام بعد فتح مكة، إلا أن القناعات القبلية ظلت راسخة كون الصراع صراعًا على السلطة، وهو ما توارثه بنو أمية إلى أن سقطت دولتهم.
هذه المعركة المفصلية في تاريخ الإسلام والإنسانية كانت تعبر عن صراع بين خطين، بين السلطة المستبدة التي يمكن تمثيلها بسلطة فرعون وهي سلطة تنزع نحو الهيمنة على الثروات واستعباد الناس وسلبهم قدرتهم على الإدراك والنقد والتغيير من خلال تعطيل حريتهم وتخدير إرادتهم ، وبين دعاة العدالة والتوحيد والراغبين في تحرير الناس من عبودية فرعون وإطلاق قدراتهم العقلية في الإدراك والفهم والتمييز وتطوير قدرتهم على الاختيار، وهو خط نبي الله موسى عليه السلام إذا أردنا تمثيله قرآنيًّا، في مقابل خط فرعون، وهو واقعيًّا خط الأنبياء ومن اتبعهم الأمثل فالأمثل.

كانت من أهداف الإمام  الحسين عليه السلام التي صرح بها هي الإصلاح في الأمة ، ولم يقل إصلاح واقع الأمة ، لأن الواقع هو صناعة الإنسان، فالإصلاح في وعي الأمة ومعاييرها وقيمها وأهدافها وفهمها للكون من خلال إصلاح رؤيتها الكونية سيغير واقعها وينهض به.
الإصلاح والنهضة كلاهما يحتاجان إلى كل من الفكرة والعاطفة في خطاباتهم وأدواتهم ، كي يصيبوا حاجة الإنسان في كافة أبعادها، وكي يحرزوا حقيقة التغيير التي هي هدف الإصلاح والنهضة.
وبعد ذهاب الحدث زمنيًّا وبقائه تاريخيًّا تحول ساحة ملهمة في القراءة والفهم ، ومصدرًا يتكيء عليه كل حر مريد للحرية ورافض للاستبداد.
النهضة فكرة قرآنية أسسها الله تعالى لترسم معالم الإنسان في أبعاد كثيرة،  تبدأ في معراجها نحو النهوض من دائرة الذات وتتسع هذه الدائرة إلى الأسرة، ومن ثم تأخذ في اتساعها أبعادًا تشمل المجتمع ومن ثم الدولة بحدودها الجغرافية الخاصة والخارج جغرافية أي دولة الإنسان.
والنهضة متصلة اتصالًا عضويًّا وظيفيًّا بالتغيير ببعده الإيجابي ، كونها كفكرة تكتنز في عمقها الحركة وليس الركود، والحركة باتجاه تصاعدي ، وهي من مقومات التغيير - أي الحركة - ومن مصاديق الحركة التصاعدية المقاومة التي تعني رفض ومواجهة كل ما من شأنه سلب مقومات إنسانية  الإنسان ، وهي الحرية والإرادة والاختيار، سواء بالاستبداد أو الفساد الذي يعيق نهضة الإنسان والمجتمعات والدول، أو بالاحتلال الذي يسلب المقدرات والثروات والمقومات ويهدر الطاقات فيمنع النهضة كونها مقوضة لوجوده ومانعة لهيمنته.
ولو توغلنا بالفكرة قليلًا كي ندخل بها أرض الواقع لوجدنا أن النهضة مع وجود المطامع والمطامح والنزعة نحو الهيمنة من قبل دول النفوذ الاقتصادي والعسكري ، ستحتاج النهضة كي يتم تفعيلها كمشروع أممي يبدأ من الفرد إلى المجتمع والمجتمعات المشكلة للشعوب لينتهي بالدول، ستحتاج إلى مأسسة في منظومة متكاملة تبدأ من الخطاب الذي يشكل محور مهم في مسار العملية الإصلاحية.

ـــــــــ
 مجلة الاستغراب/ العدد ١٢/ ص ٥١

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد