من التاريخ

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد جعفر مرتضى
عن الكاتب :
عالم ومؤرخ شيعي .. مدير المركز الإسلامي للدراسات

الصّحيح من سِيرة السيّدة خديجة عليها السلام

 

السيد جعفر مرتضى
كانت خديجة عليها السلام من خِيرة نساء قريش شرفاً، وأكثرهنّ مالاً، وأحسنهنّ جمالاً، وكانت تُدعى في الجاهليّة بـ‍ «الطاهرة»، ويقال لها: «سيّدة قريش»، وقد خطبَها عظماءُ قريش، وبذَلوا لها الأموالَ فرفضَتهم جميعاً، واختارت النبيَّ صلّى الله عليه وآله، لِما عرفَته فيه من كَرَم الأخلاق، وشرَف النّفْس، والسّجايا الكريمة العالية. 
ونكادُ نقطع -بسبب تضافر النّصوص- بأنّها هي التي قد أبدَت أوّلاً رغبتَها في الاقتران به صلّى الله عليه وآله. فذهب أبو طالب في أهل بيتِه، ونفرٍ من قريش إلى وليِّها، وهو عمّها عمرو بنُ أسد؛ لأنّ أباها كان قد قتِل قبل ذلك في حرب الفجار أو قبلها. وأمّا أنّه خطبَها إلى ورقة بن نوفل، وعمِّها معاً، أو إلى ورقة وحدَه فمردود، بأنّه: قد ادُّعِيَ الإجماعُ على الأوّل.
ولا أدري ما أقول في ورقة هذا -وفي كلِّ وادٍ أثَرٌ من ثَعلبة- فهو يُحشَر في كلِّ كبيرةٍ وصغيرة، في ما يتعلّق بالرّسول الأعظم صلّى الله عليه وآله، وإنّ ذلك لَيدعوني إلى الشكِّ في كونه شخصيّةً حقيقيّة، أو أسطوريّة. ويُلاحَظ: أنّ نفْسَ الدّور الذي يُعطى لأبيها تارةً، ولِعمِّها أخرى، يُعطَى لورقة بن نوفل ثالثة، حتّى الجُمَل والكلمات، فضلاً عن المواقف والحركات، فَلْتراجَع الرّوايات التي تحكي هذه القضية، وَلْيقارَن بينها. 
نعود إلى القول: إنّ أبا طالب قد ذهبَ لخطبة خديجة، وليس حمزة الذي اقتصَر عليه ابنُ هشام في (سيرتِه)، لأنّ ذلك لا ينسجمُ مع ما كان لأبي طالب من المكانة والسّؤدد في قريش، من جهة، ولأنّ حمزة كان يكبرُ النبيَّ صلّى الله عليه وآله بسنتَين أو بأربع -كما قيل- من جهة أخرى. هذا بالإضافة إلى مخالفة ذلك لما يذكرُه عامّةُ المؤرّخين في المقام. 
ويظهر: أنّ ثمّة من يهتمُّ بسَلب هذه المكرَمة عن أبي طالب عليه السلام، وإعطائها لأيٍّ كان من الناس سواه، سواءً لحمزة، أو لغيره، ولا ضيرَ في ذلك عندَه ما دام أنّه قد استُشهِدَ في وقت مبكر.


خطبةُ أبي طالب عليه السلام
وعلى كلّ حال فقد خطبَها أبو طالب له صلّى الله عليه وآله قبل بعثتِه صلّى الله عليه وآله بخمس عشرة سنة، على المشهور. وقال في خطبته -كما يروي المؤرِّخون-:
«ألحمدُ لربِّ هذا البيت، الذي جعلَنا من زرعِ إبراهيم، وذريّة إسماعيل، وأنزَلَنا حرَماً آمِناً، وجعلَنا الحكّامَ على النّاس، وباركَ لنا في بلدِنا الذي نحنُ فيه. ثمّ إنّ ابنَ أخي هذا -يعني رسولَ الله صلّى الله عليه وآله- ممّن لا يوزَنُ برجلٍ من قريش إلّا رجحَ به، ولا يُقاس به رجلٌ إلّا عَظُم عنه، ولا عِدلَ له في الخَلق، وإنْ كان مُقِلّاً في المال؛ فإنّ المالَ رفدٌ جارٍ، وظِلٌّ زائل، وله في خديجة رغبة، وقد جِئناك لنخطبَها إليك، برضاها وأمرِها، والمهرُ عليَّ في مالي الذي سألتموه عاجلَه وآجلَه. وله -وربّ هذا البيت- حظٌّ عظيم، ودين شائع، ورأيٌ كامل». 


نظرة في كلمات أبي طالب عليه السلام
وخطبةُ أبي طالب المتقدّمة تظهِر مكانةَ الرّسول الفُضلى في قلوب الناس، وهي صريحةٌ في أنّ الناس كانوا يجدون في الرّسول علامات النُبوَّة ونور الهداية، ويتوقّعون أن يكون هو الذي بشّرَ به عيسى وموسى عليهما السلام، وأنّه كان لا يوزَنُ به أحدٌ إلّا رجحَ به، ولا يقَاس به رجلٌ إلّا عظُم عنه. 
ثمّ إنّ كلمات أبي طالب تدلُّ دلالةً واضحةً على ما كان يتمتّعُ به بنو هاشم، من شرفٍ وسؤدَد، حتّى ليقول رحمه الله: «وجعلَنا الحكّامَ على النّاس». وتدلّ أيضاً على أنّ العرب كانت تعتبر الحرمَ موضعَ أمنٍ للقاصي والدّاني ".."
ثمّ إنّ حديثَه عن فقر النبيّ صلّى الله عليه وآله، وإعطاء الضابطة للتفضيل بين الرّجال، يدلُّ على واقعيّة أبي طالب، وأنّه ينظرُ إلى الإنسان بمنظارٍ سامٍ ونبيل، كما أنّه يتعامل مع الواقع بحِنكةٍ ووعي وأَناة. 
وبعد، فإنّ كلماته تلك تدلُّ أيضاً على أنّ قريشاً كانت تعتبرُ انتسابها إلى إبراهيم وإسماعيل، وسدانتَها للبيت، كلَّ شيءٍ بالنسبة لها ".." وَلْتراجَع خطبة أبي طالب رحمه الله حين موتِه، والتي يخاطب بها قريشاً، فإنّها خطبة جليلة، لا تبتعد عن هذه الخطبة في مراميها وأهدافِها.
عُمر خديجة عليها السلام حين الزّواج
يلاحظ هنا: مدى الاختلاف والتفاوت في عمر خديجة حين اقترانها بالرّسول الأكرم صلّى الله عليه وآله. وهي تتراوح ما بين ال‍خامسة والعشرين إلى السادسة والأربعين، وهي على النحو الآتي:
أ) 25 سنة وصحَّحه البيهقي. ب) 28 سنة هو ما رجَّحَه كثيرون. ج) 30 سنة. د) 35 سنة. ه‍ـ) 40 سنة. و) 44 سنة. ز) 45 سنة. ح) 46 سنة.
وقد تقدّم: أنّ الكثيرين قد رجّحوا القولَ الثاني، كما ذكرَه ابنُ العماد، أمّا البيهقيّ فقد صحّحَ القول الأوّل، حيث قال: بلغت خديجةُ خمساً وستّين سنة، ويُقال: خمسين سنة، وهو أصحّ.
فإذا كانت رحمها الله قد تزوّجت برسول الله صلّى الله عليه وآله قبل البعثة بخمس عشرة سنة كما جزم به البيهقيّ نفسه، فإنّ ذلك معناه: أنّ عمرَها حين زواجها كان خمساً وعشرين سنة، ورجّحَ هذا القول غيرُ البيهقيّ أيضاً.
أما الحاكم [في المستدرَك] ".." فإنّه لم يوضِح لنا حقيقةَ ما يذهب إليه، غير أنّه حين روى عن هشام بن عروة قولَه: إنّ خديجة قد توفِّيت وعمرها خمس وستّون سنة، قال: «هذا قولٌ شاذّ، فإنّ الذي عندي أنّها لم تبلغ ستّينَ سنة». فكلامُه هذا يدلُّ على أنّه يعتبر القولَ بأنّها قد تزوّجت بالنبيّ وعمرُها أربعون سنة، شاذّاً. ويرى: أنّ عمرها كان أقلّ من خمس وثلاثين حينئذٍ، ولكنّه لم يبيّن القولَ الذي يذهب إليه، هل هو ثلاثون؟ أو ثمان وعشرون؟ أو خمس وعشرون؟

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد