من التاريخ

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عن الكاتب :
أحد مراجع التقليد الشيعة في إيران

من هو عزير عند اليهود؟!

 

الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
"عزير" في لغة العرب هو «عزرا» في لغة اليهود. ولمّا كانت العرب تغيّر في بعض الكلمات التي تردها من لغات أجنبيّة وتجري على لسانها، وذلك كما هي الحال في إِظهار المحبّة خاصّة، فتصغّر الكلمة، فصغّرت عزرا إِلى عُزير، كما بُدلت كلمة يسوع العبرية إِلى عيسى في العربيّة، ويوحنا إِلى يحيى.
وعلى كلّ حال، فإنّ عزيراً ـ أو عزرا ـ له مكانة خاصّة في تاريخ اليهود، حتى إن بعضهم زعم أنّه واضع حجر الأساس لأُمّة اليهود، باني مجدهم. وفي الواقع، فإنّ له خدمةً كبرى لدينهم، لأنّ بخت نصر ملك بابل، دمر اليهود تدميراً في واقعته المشهورة، وجعل مُدُنَهم تحت سيطرة جنوده، فأبادوها، وهدّموا معابدهم، وأحرقوا توراتهم، وقتلوا رجالهم، وسبوا نساءهم، وأسروا أطفالهم، وجيء بهم إِلى بابل، فمكثوا هناك حوالى قرن.
ولما فتح كورش ملك فارس بابل، جاءه عزرا، وكان من أكابر اليهود، فاستشفعه في اليهود فشفّعه فيهم، فرجعوا إِلى ديارهم، وكتب لهم التّوراة ـ ممّا بقي في ذهنه من أسلافه اليهود، وما كانوا قد حدّثوا به ـ من جديد. ولذلك، فهم يحترمونه أيّما احترام، ويعدّونه منقذهم ومحيي شريعتهم.
وكان هذا الأمر سبباً أن تلقّبه جماعة منهم بـ «ابن الله». غير أنّه يستفاد من بعض الرّوايات ـ كما في الاحتجاج للطبرسي ـ أنّهم أطلقوا هذا اللقب احتراماً له لا على نحو الحقيقة.
ولكنّنا نقرأ في الرّواية ذاتها، أنّ النّبي سألهم بما مؤدّاه "إذا كنتم تُجلّون عزيراً وتكرمونه لخدماته العظمى، وتطلقَون عليه هذا الاسم، فعلامَ لا تسمّون موسى، وهو أعظم عندكم من عزير، بهذا الاسم؟ فلم يجدوا للمسألة جواباً، وأطرقوا برؤوسهم" .
ومهما يكن من أمر، فهذه التسمية كانت أكبر من موضوع الإِجلال والاحترام في أذهان جماعة منهم. وما هو مألوف عند العامّة، أنّهم يحملون هذا المفهوم على حقيقته، ويزعمون أنّه ابن الله حقّاً، لأنّه خلّصهم من الدمار والضّياع، ورفع رؤوسهم بكتابة التوراة من جديد.
وبالطبع، فهذا الاعتقاد لم يكن سائداً عند جميع اليهود، إلّا أنّه يستفاد أنّ هذا التصّور أو الاعتقاد كان سائداً عند جماعة منهم، ولا سيّما في عصر النّبي محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم). والدليل على ذلك، أنّ أحداً من كتب التاريخ، لم يذكر بأنّهم عندما سمعوا الآية آنفة الذّكر، احتجوا على النّبيّ، أو أنكروا هذا القول «ولو كان لبان».
وممّا قلناه، يمكن الإِجابة عن السؤال التّالي: أنّه ليس بين اليهود في عصرنا الحاضر من يدّعي أنّ عزيراً ابن الله، ولا من يعتقد بهذا الاعتقاد، فعلام نسب القرآن هذا القول إِليهم؟!
وتوضيح ذلك، أنّه لا يلزم أن يكون لجميع اليهود مثل هذا الاعتقاد، إِذ يكفي هذا القدر المسلَّم به، وهو أنّه في عصر نزول الآيات على النّبي محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، كان في اليهود من يعتقد بهذا الاعتقاد. والدليل على ذلك كما نوّهنا، هو أنّه لم ينكر أيّ منهم ذلك على النّبيّ، والشيء الوحيد الذي صدر عنهم ـ وفقاً لبعض الرّوايات ـ أنّهم قالوا: إِنَّ هذا اللقب «ابن الله» إِنّما هو لاحترام عزير، وقد عجزوا عن جواب لمّا سألهم وأشكل عليهم: لم لا تجعلون هذا اللّقب إِذاً لنبيّكم موسى (عليه السلام)؟!
وعلى كلّ حال، فمتى ما نسب قول أو اعتقاد إِلى قوم ما، فلا يلزم أن يكون الجميع قد اتفّقوا على ذلك، بل يكفي أن يكون فيهم جماعة ملحوظة تذهب إِلى ذلك.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة