مقالات

اليقظة

الإمام الخميني "قدس سره"

فلا بُدَّ من المجاهدة الخالصة الصادقة وبها يمكن إصلاح النفس، إنّ جميع الصفات النفسانية قابلة للإصلاح، إلاّ أنّ الأمر في البداية يتطلب بعض العناء، ولكن ما أن يضع قدمه على طريق الإصلاح حتى يسهل عليه الأمر، إنّما المهم هو أن يشرع في التفكير في تطهير نفسه وإصلاحها، والاستيقاظ من النوم.

إن المرحلة الأولى من مراحل الإنسانية هي "اليقظة" وهي الاستيقاظ من نوم الغفلة، والصحوة من سكر الطبيعة، والإدراك بأن الإنسان مسافر، وأنه لا بُدَّ للمسافر من زاد وراحلة.

وزاد الإنسان خصاله، وراحلته في هذه المرحلة الخطيرة المخيفة، وفي هذه الطريق الضيقة، على الصراط الذي هو أحدَّ من السيف وأدق من الشعرة، هي همّة الرجال وعزمهم.

والنور الذي ينير ظلام هذا الطريق، هو نور الإيمان والخصال الحميدة، فإذا تقاعس الإنسان ووهنت همته أخفق في العبور، وانكب على وجهه في النار، وساوى تراب الذل، وانقلب في هاوية الهلاك، فمن لم يستطع اجتياز هذا الصراط لا يستطيع اجتياز صراط يوم القيامة أيضاً.

فيا أيها العزيز، اشدد عزيمتك، ومزّق عن نفسك سجف الجهل، وانج بنفسك من هذه الورطة المهلكة! كان إمام المتقين وسالك طريق الحقيقة ينادي في المسجد بأعلى صوته حتى يسمعه الجيران: "تَجَهَّزُوا رَحِمَكُمُ اللهُ فَقَدْ نُودِيَ فِيكُمْ بِالرَّحيلِ"!

وما زادٌ ينفعك سوى الكمالات النفسانية، وتقوى القلب، والأعمال الصالحة، وصفاء الباطن، وخلوص النية من كل عيب وغش.

اعلم أنّ المنزل الأول من منازل الإنسانية هو منزل "اليقظة" كما يقوله كبار أهل السلوك في بيانهم لمنازل السالكين، ولهذا المنزل كما يقول الشيخ العظيم الشأن الشاه آبادي -دام ظله- بيوتٌ عشرة، لسنا الآن بصدد تعدادها.

ولكن ما يجب قوله هو أنّ الإنسان ما لم ينتبه إلى أنه مسافر، ولا بُدَّ من السير، وأنّ له هدف وتجب الحركة نحوه، وأنّ البلوغ إلى المقصد ممكن، لما حصل له العزم والإرادة للتحرك.

ولكلّ واحد من هذه الأمور، شرح وبيان لو ذكرناه لطال بنا المقام.

ويجب أن نعرف أنّ من أهم أسباب عدم التيقظ الذي يؤدي إلى نسيان المقصد ونسيان لزوم المسير، وإلى إماتة العزم والإرادة، هو أن يظن الإنسان أنّ في الوقت متسعاً للبدء بالسير، وأنّه إذا لم يبدأ بالتحرك نحو المقصد اليوم، فسوف يبدأه غداً، وإذا لم يكن في هذا الشهر، فسيكون في الشهر المقبل.

فإنّ "طول الأمل" هذا وامتداد الرجاء، وظنّ طول البقاء، والأمل في الحياة والرجاء سعة الوقت، يمنع الإنسان من التفكير في المقصد الأساسي الذي هو الآخرة.

ومن لزوم السير نحوه ومن لزوم اتخاذ الصديق وتهيئة الزاد للطريق، ويبعث الإنسان على نسيان الآخرة ومحو المقصد من فكره.

ولا قدّر الله! إذا أصيب الإنسان بنسيان للهدف المنشود في رحلة بعيدة وطويلة ومحفوفة بالمخاطر مع ضيق الوقت، وعدم توفّر العدَّة والعدد رغم ضرورتهما في السفر، فإنّه من الواضح أنّه لا يفكر في الزاد والراحلة، ولوازم السفر وعندما يحين وقت السفر يشعر بالتعاسة، ويتعثر ويسقط في أثناء الطريق، ويهلك دون أن يهتدي إلى سبيل.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد