مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمد مهدي الآصفي
عن الكاتب :
عالم ومفكر اسلامي كبير، واستاذ في الحوزة العلمية، توفي(٤/٦/٢٠١٥)

دعاء الجميع للجميع

دعاء الجميع للجميع من أساليب الدعاء الموجودة في القرآن ويعد من أشهرها. وأکثر أدعية القرآن من هذا القبيل، ومن ذلك قوله تعالیٰ:

( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ) (١).

( رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) (٢).

( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) (٣).

( رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ) (٤).

( رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ) (٥).

( رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ ) (٦).

( رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ ) (٧).

( رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ ) (٨).

( رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ) (٩).

( رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا ) (١٠).

( رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (١١).


تحليل وتفسير هذا النوع من الدعاء: 
 

١ ـ المدعو له هو الجميع، فلا يدعو الفرد لنفسه، وإنما يدعو الفرد للجميع، وقد لا يكون دعاء الفرد لنفسه نافعاً، كما لو كان البلاء نازلاً علىٰ الجميع (الأمّة) فيكون الفرد مشمولاً للبلاء، حتىٰ لو لم يدخل فيما دخل فيه الآخرون من الظلم، يقول تعالىٰ : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً).
 

وفي هذا المجال لا ينفع الفرد دعاؤه واستغفاره لنفسه، وعليه أن يستغفر ويدعو للجميع، فإذا رفع الله تعالىٰ العذاب عن الجميع ارتفع عنه أيضاً (رَّبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ).
 

٢ ـ والداعي أيضاً يمثل الجميع، وينوب عنهم في هذا الدعاء، فإن هذا النحو من الدعاء يتصدر غالباً بكلمة (ربنا)، وكأن الفرد الداعي ينوب عن الجميع في الدعاء للجميع، ولا يعزل الداعي نفسه عن المدعو لهم، كما في النحو الثاني من الدعاء، وإنما ينوب عنهم، ويدعو لهم، ويحشر نفسه ضمن الجميع الذين يدعو لهم، وهو من أقرب الدعاء إلىٰ الاستجابة.

فإن الله تعالىٰ إما أن يردها جميعاً، أو يستجيب لبعض دون بعض أو يتقبلها للجميع.

والله تعالىٰ أكرم من أن يردها جميعاً؛ وليس من شأن الكريم التبعيض في الاستجابة.

فعليه يتعين الفرض الثالث، وهو الاستجابة للدعاء في حق الجميع.
 

واللطيف في هذا النحو من الدعاء أن الفرد هنا يكون رسولاً عن الجميع إلىٰ الله، ويمثل الجميع ويخاطب الله تعالىٰ باسم الجميع، ويقول: (ربنا)، وينوب عن الجميع ويكون رسول الجميع إلىٰ الله.

وأجمل من ذلك أن كل واحد منا يمنح لنفسه الحق أن يكون رسولاً عن الآخرين إلىٰ الله، فكلّ منا رسول الناس إلىٰ الله تعالىٰ في الدعاء، وكما أن لله تعالىٰ رسولاً إلىٰ الناس كذلك للناس رسل يرفعون تضرعهم وحاجتهم إلىٰ بارئهم.

والكل هنا رسول عن الكل، وينوب عن الكل.
 

ومن العجب أننا عندما نعيش في هذه الدنيا في السوق والشارع نضع بيننا الحواجز والسدود، ونفصل بعضنا عن بعض، ويكون لكل واحد منا حدوده وحقوقه التي لا يتراجع ولا يتنازل عنها، ولا يمثل أحدنا إلّا نفسه، ولا ينوب عن غيره إلّا بتصريح وإذن، فإذا صعدنا إلىٰ الله بالصلاة والدعاء، كسرنا هذه الحواجز جميعاً، ولم يكن أحدنا يفصل نفسه عن غيره، وكان كل واحد منا يمثل الكل. وهذا التمثيل من أروع التمثيل وأجمله (تمثيل الجميع للجميع، ونيابة الجميع عن الجميع في النطق والنداء والدعاء بين يدي الله).
 

وأجمل من ذلك كله أن الله تعالىٰ يقبل هذا التمثيل والنيابة والرسالة عن الجميع من الجميع، ولا يرده ولا يرفضه، ويعطي لدعوة الداعي في هذه الحالة قوّة تمثيل الجميع والنيابة عنهم، فإذا قال أحدنا في صلاته: ( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) فكأنّما رفع الجميع الدعاء للجميع يطلب الهداية من الله.

وناهيك بذلك قيمة للدعاء في هذه الحالة.
 

فإن كل دعاء لكل واحد منا في كل صلاة يحمل قوّة دعاء الجميع للجميع. والدعاء في مثل هذه الحالة يحمل كفاءة وقوة علىٰ درجة عالية جداً في الاسترحام بين يدي الله.

والجميل في هذا أن في هذه الأدعية ما يجب أن يرفعها كل مسلم إلىٰ الله تعالىٰ في كل يوم مرات عديدة من نحو قوله تعالىٰ: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ).
 

فإن الجميع يمثّل الجميع في الدعاء للجميع، وهو من عجائب الدعاء في حساب الرياضيات، فإنه يعود الىٰ تمثيل الكل للكل في الدعاء للكل، ولنتأمل مرة أخرىٰ في قيمة هذا الدعاء.

إن الدعاء للكل ذو قيمة كبيرة باعتبار أن المدعو له هو عموم المؤمنين. وهذا العموم في المدعو له يعطي قيمة كبيرة للدعاء عند الله.
 

والداعي لا يرفع نداءه إلىٰ الله بصفته الشخصية، وإنما يرفع إلىٰ الله أيدي الجميع ، وندائهم وهتافهم، وينوب هو عن الجميع، ويمثلهم بين يدي الله، والله تعالىٰ يقبل من عبده هذا التمثيل والنيابة عن الآخرين.

والمؤمنون يقبلون تمثيل بعضهم لبعض بين يدي الله، فالتمثيل هنا ليس دعاء من قبل الفرد بين يدي الله تعالىٰ ، وإنما هو تمثيل حقيقي يقبله الله تعالىٰ، ويقبله الذين ينوب عنهم الفرد في الدعاء بين يدي الله، فهو تمثيل شرعي مقبول.
 

وفي كل يوم يضج الناس إلىٰ الله تعالىٰ بهذه الصرخة غير المتناهية في القدرة علىٰ الاسترحام والاستعطاف عشر مرات إلىٰ الله تعالىٰ.

وأجمل من ذلك كله أن الله تعالىٰ هو الذي دعانا إلىٰ أن نضج إليه كل يوم بهذه الصرخة عشر مرات، وهو الذي علمنا أن نستهديه ونطلب منه الهداية للجميع، وهو الذي علمنا أن ننوب عن الجميع في هذا الدعاء، وهو الذي يقبل منا هذه النيابة والتمثيل ..

فهل يمكن أن لا يستجيب بعد ذلك كله لدعائنا؟ حاشا.

__________________

(١) الفاتحة : ٦ ـ ٧.

(٢) البقرة : ١٢٧.

(٣) البقرة : ٢٠١.

(٤) البقرة : ٢٥٠.

(٥) البقرة : ٢٨٦.

(٦) آل عمران : ٨.

(٧) آل عمران : ١٩٣ ـ ١٩٤.

(٨) الاعراف : ١٢٦.

(٩) المؤمنون : ١٠٩.

(١٠) الفرقان : ٦٥.

(١١) التحريم : ٨.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة