قراءة في كتاب

ديوان السّيّد محمّد الفلفل، عشق وولاء، ودموع وبكاء

وردت دراسة للشّاعر علي مكّي الشّيخ، في العدد السّادس والأربعين من مجلّة (الواحة) يقول فيها إنّ القصائد الولائيّة غلبت على ديوان السّيّد محمد الفلفل، إذ تتجاوز ثلثيّ الدّيوان تقريبًا، بين رثاء أهل البيت عليهم السّلام أو مدحهم، ومع ذلك فقد تنوّعت أغراضه الشّعريّة، لذلك تجد فيه أيضًا شعرًا في المناسبات الاجتماعيّة، ومن ذلك قوله في رثاء الشّيخ حـمود بن الشّيخ إسماعيل، وقد بعثها إلى ابنه في النّجف الأشرف:

من الواله المشتاق في القرب والبعد

لـمن عنده من لوعة البين ما عندي

سلام يعيد الـميت حيًّا بنشره

ويوسى به جرحى القلوب من الفقد

 كذلك ورد في قصائده تأريخ لبعض الأحداث التاريخية.

 

وفي الدّيوان أيضًا شعر الحكمة، وبحسب الشّيخ فإنّه الشّعر الذي يتلمّس خفايا النّفس وتجارب الإنسان مع الوجود بما فيه من متناقضات، حيث يختزل الفلسفيّ أو الحكيم مجموع هذه التجارب الكونيّة والبشريّة فيصوغها في عبائر تأمّليّة جميلة.. والفلفل مـمّن عشق هذا الغرض الشّعريّ حيث عاصر الحياة، ودرس على أيدي علماء من كبار فلاسفة عصره لذلك كان له الأثر على شعره.

ويتابع الشّيخ في ذكر أغراضه الشعريّة قائلاً وكعادة شعراء عصره إذ يبدؤون قصائدهم بالنّسيب حتى وإن كان الغرض الأساس الرّثاء مثلاً.. فسنجد لدى شاعرنا الفلفل هذا اللّون من الشّعر في كثير من مقدّمات قصائده، أو بعض المقطوعات التي قالـها في غرض النّسيب الـمحض، ومن ذلك تشطيره لأبيات مجنون ليلى:

«أمرّ على الدّيار ديار ليلى»

بكلّ عشيّة وضحىً مرارا

أقبّل تربـها طورًا وطورًاً

أقبّل ذا الجدار وذا الجدارا

«وما حبّ الدّيار شغفن قلبي»

بل الدَّيّار أعدمني اصطبارا

وما ذهبت بعقلي الدّار حبًّا

«ولكن حبّ من سكنَ الدّيارا»

 

وفي الدّيوان أيضًا شعر في الزّهد والمناجاة، وشعر في الفَكاهة والـهزل، فلم يـخل شعر السّيّد الفلفل من روح الدّعابة والفكاهة، حيث امتاز السّيّد بلطافة روحه في تعامله، فكثيرًا ما كان يواجه الأحداث بالطّرفة بالأبيات من شعره، وقد تخلّل شعرَه شعرُ الفكاهة والمنادمة، أمّا في الشّكوى فقال يشكو ما كان من أهل زمانه وأقربائه:

أشكو إلى الله من دهر يناضلني

بكيده من أخلّائي وأعدائي

 

وشاعرنا هو السّيّد محمّد بن السّيّد مال الله بن السّيّد محمّد الفلفل (أبو الفلفل) التّوبيّ القطيفيّ البحرانيّ الحائريّ، عالـم علم من  أبناء التّوبي من قرى القطيف، وشاعر صادق في نبرته، واضح بيّن في عقيدته.

هاجر من القطيف إلى العراق، فجاور الحائر في عصر السّيّد كاظم الرّشتي، فلازمه ملازمة شديدة، وكان من الـمقرّبين إلى أن وافته المنيّة في كربلاء في العام ألف ومئتين وواحد وسبعين، وقيل إنّه توفي في العام ألف ومئتين وسبعة وسبعين، وقيل إنّه توفي في العام ألف ومئتين وواحد وستين.

 

جاء في كتاب "أنوار البدرين في تراجم علماء القطيف والأحساء والبحرين": (العالـم السّيّد الحسيب الشّاعر الأديب الأسعد ابن السّيّد مال الله أبو الفلفل القطيفيّ من التّوبي، كان رحمه الله تعالى من الشّعراء الـمجيدين الـمكثرين في مراثي الحسين عليه السّلام وأصحاب الحسين سلام الله عليهم أجمعين، وله يد قويّة في العلم إلّا أنّ الشّعر غلبه، انتقل من القطيف للعراق وجاور جدّه الحسين سيّد الشّهداء وإمام السّعداء عليه السلام حتّى مات فيها، كان رحمه الله كثير الرّقّة وإراقة الدّموع على مصاب جدّه الحسين الشّهيد المفجوع الذي يحقّ لكلّ مؤمن أن يسكب عليه عوض الدّموع دمًا).

 

صنّفه الخطيب الشّاعر الحاجّ عليّ بن محمّد الرّمضان القطيفيّ في منظومته (ماضي القطيف وحاضرها) مع الشّعراء، والتي يقول في مطلعها:

يا خطّ، يا وطن الكرام ألا اسمعي

ماذا يقول فتاك ذاك الألمعي

كم قد شمخت بعبقريّ شاعر

سحر القلوب بشعره المستبدع

إلى أن يقول:

ومحمّد وأبيه مال الله من

نسل النّبيّ شفيع يوم الـمفزع

وعلّق على القصيدة العلاّمة الشّيخ فرج العمران – رحـمَه الله - فعرّفه قائلاً: (هو السّيّد محمّد الملقّب بالفلفل المتوفـّى عام ألف ومئتين وواحد وستين).  

 

يقول الشّيخ علي المرهون في كتابه (شعراء القطيف، في الجزء الأوّل منه الذي يحمل العنوان: من الماضين) في الصّفحة مئة وخمسة من النّسخة الصّادرة عنْ منشورات مؤسسة المصطفى للتّحقيق والنّشر: (وآلُ الفلفل (بالتّوبي) موجودون حتّى اليوم من خيار السّادة وأماجدهم، كثّر الله من أمثالهم، يفخرون بشاعرهم السّيّد محمّد الفلفل، وحقّ لهم؛ فلقد كان رحمه الله على أحسن ما يكون عليه العقلاء من أماثل الرّجال).

 

وفي الجزء السّابع من كتاب "أدب الطّفّ" للسّيّد جواد شبّر يقول في معرض ترجمته له: (أقول ربـّما حصل التباس بين سيّدنا المترجم له، وبين سـميّه ومعاصره السّيّد محمّد بن مال الله بن معصوم لاتّحاد الاسمين واسم الأبوين والمسكن إذ هما في كربلاء يسكنان حتى ربّما نسب البعض شعر هذا لهذا).

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد