من أضداد اليقين الوسوسة، وهي في اللغة الهمهمة، فلذا قيل: إنها خفي. وهي خطورات تقع في القلب من النّفس وشيطان الجن والإنس وهي رذيلة موبقة يضل بها كثير من النّاس فيجب:
أولًا التعوّذ باللَّه تعالى منها، قال: «وقل ربّ أعوذ بك من همزات الشياطين * وأعوذ بك ربّ أن يحضرون». «1»
والآية الشريفة مع الإتيان بلفظة همزات الّتي تكون بمعنى التحريكات الشّديدة، ومع تكرار لفظة ربّ، ومع الخطاب إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم الّذي هو مصون عن الوساوس، بل العباد المخلصون - بالفتح بل بالكسر - مصونون عن مثل ذلك فضلًا عن أهل البيت عليهم السلام، تدل بألتاكيد التامّ على لزوم العوذة باللَّه من وساوس شياطين الجن والإنس.
وثانياً الابتعاد منها والقرب إليه تعالى باجتناب المحرمات والإتيان بكل خير سيّما الواجبات.
قال تعالى في آيات عديدة منها قوله: «إنه ليس له سلطان على الّذين آمنوا وعلى ربّهم يتوكلون * إنّما سلطانه على الّذين يتولّونه». «2»
فهذه الآيات تدّل على أن اللَّه يحفظ المتقين فضلًا عن المخلصين بالفتح والكسر، والشّياطين لا يتسلّطون إلّا على من يتولونهم، وأمّا من يتولّاه اللَّه تعالى فلا سلطان للشياطين عليهم.
فالإعراض عن اللَّه وعن ذكره يسلّط القرين السوء من شياطين الجن والإنس علينا.
قال تعالى: «ومن يعش عن ذكر الرّحمن نقيّض له شيطاناً فهو له قرين * وإنهم ليصدّونهم عن السّبيل». «3»
والتقرب إلى اللَّه تعالى يحجزنا عن الشياطين ويجعل بيننا وبينهم حجاباً مستوراً.
قال تعالى: «الّذين قالوا ربّنا اللَّه ثمّ استقاموا تتنزّل عليهم الملائكة ألّا تخافوا ولا تحزنوا». «4»
وقال تعالى: «إنّ الّذين قالوا ربّنا اللَّه ثمّ استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون». «5»
بل من ألطافه تعالى وعناياته الّتي تخصّ عباده جعل الحفظة عليهم الّذين يحفظونهم دائماً من الشرور الجسديّة والنفسية.
قال تعالى: «له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر اللَّه». «6»
فبعد ذلك غلبة الشياطين على الإنسان من نهاية الخسران. وسيأتي ذكر روايات في ذلك، إن شاء اللَّه.
أقسام الوسوسة
أ - وسوسة الشّيطان وأعوانه، وهي الّتي أقسم الشّيطان باللَّه تعالى لها، كما حكاه تعالى بقوله: «قال فبما أغويتني لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم ثمّ لآتينّهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين». «7»
ب - وسوسة النّفس الإمارة والميول النّفسانيّة وهي أعدى عدواً من الشّيطان وأشدّ منه وهي الأمارة بالسوء كما ورد في التنزيل العزيز.
قال تعالى: «وما أبرّئ نفسي إنّ النّفس لأمارة بالسّوء». «8»
ثمّ إنّه تعالى هدّدنا حيث قال في يوسف الصدّيق: «ولقد همّت به وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربه». «9»
ثم بيّن قوّة إرادته ورسوخ التقوى في نفسه بقوله تعالى: «ربّ السجن أحبّ إليّ مما يدعونني إليه وإلّا تصرف عنّى كيدهنّ أصب إليهن وأكن من الجاهلين». «10»
ولقد مرّت الرّوايات الدالة على كونها أعدى العدوّ وإن جهادها هو الجهاد الأكبر، فهمزات النّفس الأمّارة وتحريكات الميول الشّهويّة أشدّ من همزات الشّيطان وأعوانه وتحريكاته، فنعوذ باللَّه من شر النّفس والشيطان.
ج - وسوسة صديق السوء، قال تعالى: «يوم يعضّ الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلًا * يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلاناً خليلًا * لقد أضلّني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولًا». «11»
ثمّ إنّ كلّ واحد من هذه الثلاثة قد يوسوس مباشرةً ومن دون حجاب، كما إذا نظر أحد إلى أجنبيّة وتلك الأجنبيّة تتمايل إليه، فهمزات النّفس وتحريك الشهوة، ووسوسة الشّيطان وترغيبه إليها، وميول الأجنبيّة ووسوستها موجودة علانية ومباشرةً من غير حجاب. وهذه الوسوسة سيما في المثال قوية.
ولكن أسوء من هذه الوسوسة هي الوسوسة خفاءً وتحت حجاب وغير مباشرٍ مخيّلًا إلى الموسوَس أنه من التبرير نظير إشاعة الفحشاء باسم المدرسة والعلم، وإشاعة الذّنوب باسم الإسلام، وارتكاب الذّنب مع التّبرير.
فالنّفس سيّما إذا كانت عالمة تبرّر ذلك الذنب، والشّيطان يستحسنه ولا يزال في كلّ زمان سيّما زماننا هذا وفي كلّ مكان سيّما باسم المدارس الموجودة في الغرب، ولكل فرد سيّما العلماء ومنوري الفكر خطراً كبيراً وإلى هذه الوسوسة أشار تعالى في سورة النّاس مع تأكيداتٍ بالغة في صدرها.
قال تعالى: «بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم قل أعوذ بربّ النّاس * ملك النّاس * إله النّاس * من شرّ الوسواس الخنّاس * الّذي يوسوس في صدور النّاس * من الجنّة والنّاس». «12»
والخناس صيغة المبالغة من الخنوس بمعنى الاختفاء فيقال لبعض الوسواس الخنّاس، لأن عملهم يكون في الاختفاء وتحت الحجاب، حجاب المكتب، حجاب الدين، حجاب الكلمات الحلو، حجاب التبريرات العواميّة أو العلميّة أو الدينية، وإلى هذا المعنى أشار أبو عبداللَّه عليه السلام قال: لـمّا نزلت هذه الآية: «والّذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا اللَّه فاستغفروا لذنوبهم ...» فقال الوسواس الخنّاس: أنا لها.
فقال - الشّيطان بماذا؟
قال: أعدهم وأمنّيهم حتّى يواقعوا الخطيئة، فإذا واقعوا الخطيئة أنسيهم الاستغفار.
فقال: أنت لها، فوكله بها إلى يوم القيمة». «13»
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - المؤمنون / 96 - 67.
(2) - النّحل / 99 و 100.
(3) - الزّخرف / 36 و 37.
(4) - فصلّت / 30.
(5) - الأحقاف / 13.
(6) - الرّعد / 11.
(7) - الأعراف / 16 و 17.
(8) - يوسف / 52.
(9) - يوسف / 24.
(10) - يوسف / 33 .
(11) - الفرقان / 27 و 28 و 29.
(12) - النّاس.
(13) - الأمالي للصدوق، ص 376.
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
عدنان الحاجي
الأستاذ عبد الوهاب حسين
الشيخ عبدالهادي الفضلي
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ محمد هادي معرفة
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
هل خلق آدم للجنّة أم للأرض؟
معنى (الدعاء الملحون)
اختلاف آراء الفلاسفة المادّيّين في حقيقة المادّة
كتاب الدّين والضّمير، تهافت وردّ
عوامل احتمال الإصابة بالسّكتة الدّماغيّة الحادّة
صراع الإسلام مع العلمانية
طريقة إعداد البحث
القانون والإيمان باللّه
المادة والحركة
فهم عالم المراهقة، محاضرة للعليوات في برّ سنابس