بسم اللّه الرّحمن الرّحيم هو الله عزّ اسمه الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أوليائه المقربين محمد وآله الطاهرين. إنّ في الوجود موجودًا واحدًا واجب الوجود مستجمعًا لجميع صفات الكمال.
أقول: وقد أقام على وجوده وصفاته المليون من المسلمين وغيرهم براهين حجّة تامّة معروفة ونحن نثبت هاهنا مبلغ فهمنا من حقيقة هذا المعنى إلى فصول.
[فصل 1 قول السوفسطائية والفلاسفة]
ليتأمل فيما يقوله السوفسطائية من أن العالم موهوم وما يقوله الفيلسوف من ثبوت الحقائق في الخارج، وهذا المعنى وإن لم يكن له تفسير وبيان تام غير أنا ندري ما نقوله وما يقولون فمرادنا من لفظ الأصيل والواقع وما في الواقع والحقيقة والوجود ومنشأ الآثار هو الذي نثبته في قبالهم.
[فصل 2 في أن الوجود حقيقة أصيلة]
فحيث أن الوجود حقيقة أصيلة ولا غير له في الخارج لبطلانه فهو صرف فكل ما فرضناه ثانيًا له فهو هو إذ لو كان غيره أو امتاز بغيره كان باطلاً فالثاني ممتنع الفرض فهو واحد بالوحدة الحقة على ما تقدم. ومن هنا يظهر أنه مشتمل على كل كمال حقيقي في ذاته بنحو العينية.
وحيث إن الوجود بذاته يناقض العدم ويطارده فهو بذاته غير قابل لطروّ العدم وحمله عليه فهو حقيقة واجبة الوجود بذاتها. فحقيقة الوجود حقيقة واجبة الوجود بالذات ومن جميع الجهات مستجمعة لجميع صفات الكمال منزهة عن جميع صفات النقص والعدميات.
[فصل 3 في أن الوجود الواجب له إطلاق بالنسبة]
حيث إن كل مفهوم منعزل بالذات عن المفهوم الآخر بالضرورة فوقوع المفهوم على المصداق لا يختلف عن تحديد ما للمصداق بالضرورة وهذا ضروري للمتأمل وينعكس إلى أن المصداق غير المحدود في ذاته وقوع المفهوم عليه متأخر عن مرتبة ذاته نوعًا من التأخر وهو تأخر التعين عن الإطلاق.
ومن المعلوم أيضًا أن مرتبة المحمول متأخر عن مرتبة الموضوع وحيث إن الوجود الواجبي صرف فهو غير محدود فهو أرفع من كل تعين اسمي ووصفي وكل تقييد مفهومي حتى من نفس هذا الحكم فلهذه الحقيقة المقدسة إطلاق بالنسبة إلى كل تعين مفروض حتى بالنسبة إلى نفس هذا الإطلاق فافهم.
[فصل 4 في الدلائل النقلية من الكتاب والسنة]
ومعنى ما ذكرناه في الفصول السابقة متكرر في الكتاب والسنة فمنها الآيات الكثيرة الدالة على أن للّه ما في السماوات والأرض وللّه ملك السماوات والأرض وله ما سكن في الليل والنهار إذ من الواضح أن هذا الملك ليس هو الملك الاعتباري الموهوم المعتبر عند العقلاء لغرض التمدن بل هو نسبة حقيقية والنسب الحقيقية لا تتم إلّا بقيام المنسوب بالمنسوب إليه وجودًا وذاتًا ولعمري لو لم يكن في كتاب اللّه إلّا آيتان وهما قوله عزّ اسمه: (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ) (ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) لكان فيهما كفاية أن يفهم الإنسان الحر حقائق هذه المعاني.
فالإنسان إذا انتزع عن زخارف هذه الدنيا وأعرض عن عرض هذه الأدنى ووحّد الهمّ ووجه الوجه نحو الرب الأعلى وأشرف نحو عالم القدس شاهد عيانًا أن هذه الأمور التي دارت بين أبناء الدنيا من المطالب والمقاصد والأغراض والآمال والآثار من الملك والأمر والعظم والرئاسة والتقدم والعزة والنسب والأنساب والأحساب ومقابلاتها وآلاف من أنحائها إنما هي أمور موهومة وملاعب وملاهي وأمتعة الغرور وكذلك أنواع اللذائذ والنعم والاستفادات التي يتنافس فيها المتنافسون ويعمل لها العاملون ويلتقي دونها المنون إنما هي أوهام سخر الله سبحانه عليها أرباب الحياة ليبلغ الكتاب أجله ولله أمر هو بالغه.
فإذا رأى هذا الإنسان أن الحق عزّ اسمه في كتابه ولسان رسوله وألسنة أوليائه ينسب إلى نفسه أنه رحمن رحيم خالق مالك عزيز حكيم غفور شكور، وأن له كل اسم أحسن وأنه منزه عن كل قبيح ونقص وهذا الإنسان يعلم أن هذه معان حقيقية ونسب وإضافات ثابتة أيقن بلطف القريحة وسلامة الذوق أن هذه النسب أنحاء قيام ذوات الموجودات بالحق عزّ اسمه وقيامه سبحانه بذاته.
ثم أكد له ذلك شهود الحق سبحانه على كل شيء بحسب خصوص ذاته أو لم يكف بربّك أنه على كل شيء شهيد. ثم قرره على ذلك البرهان فإن النسبة الحقيقية الثابتة بحسب ذات الشيء كخلق الحق سبحانه وملكه لذات الشيء يجب أن تتحقق في مقام الذات وحيث إنها وجودات رابطة فلا تتحقق إلّا مع طرفيها فالمنسوب إليه متحقق هناك بالضرورة فبالضرورة إحدى الذاتين قائمة بالأخرى وإلّا لزم وحدة الاثنين وهو محال فملك الحق سبحانه للموجودات نحو قيام ذاتها به سبحانه وكذلك سائر النسب والمعاني فافهم.
ومنها الأخبار الكثيرة المستفيضة في أنه تعالى واحد لا بالعدد فقد روى الصدوق (رضي الله عنه) في التوحيد والخصال والمعاني مسندًا عن شريح بن هاني قال: إن أعرابيًّا قام يوم الجمل إلى أمير المؤمنين (عليه السّلام) فقال: يا أمير المؤمنين أتقول أن الله واحد. قال: فحمل الناس عليه، وقالوا: يا أعرابي أما ترى ما فيه أمير المؤمنين من تقسم القلب؟ فقال أمير المؤمنين: دعوه فإن الذي يريده الأعرابي هو الذي تريده من القوم.
ثم قال (عليه السّلام): يا أعرابي إن القول في أن الله واحد على أربعة أقسام فوجهان منها لا يجوزان على الله عزّ وجلّ ووجهان يثبتان فيه. فأما اللذان لا يجوزان عليه فقول القائل: واحد يقصد به باب الأعداد فهذا ما لا يجوز لأنّ ما لا ثاني له لا يدخل في باب الأعداد أما ترى أنه كفر من قال: إنه ثالث ثلاثة.
وقول القائل: هو واحد من الناس يريد به أنّه النوع من الجنس فهذا ما لا يجوز لأنّه تشبيه وجلّ ربّنا وتعالى عن ذلك. وأما الوجهان اللذان يثبتان فيه فقول القائل: هو واحد ليس له في الأشياء شبه كذلك ربّنا. وقول القائل: إنه عزّ وجلّ أحدي المعنى يعني به لا ينقسم في وجود ولا عقل ولا وهم كذلك ربّنا عزّ وجلّ.
وفي التوحيد مسندًا عن هارون بن عبد الملك قال: سئل الصادق (عليه السّلام) عن التوحيد فقال: هو عزّ وجلّ مثبت موجود لا مبطل ولا معدود الخبر.
وفي نهج البلاغة في خطبة له (عليه السّلام): واحد لا بعدد. وفي خطبة أخرى له: واحد لا من عدد. وفي خطبة أخرى له: ومن حدّه فقد عدّه. وبالجملة الأخبار والخطب مستفيضة في هذا المعنى وهذا كالصريح في أن وجوده تعالى صرف الحقيقة لا يعزب عنه وجود إذ لو كان مع وجوده وجود بحقيقة معنى الموجود عرض عليهما العد بالضرورة فهذا واحد وذاك ثان فلا وجود مع وجوده سبحانه إلّا قائم الذات بوجوده كما في حديث موسى بن جعفر (عليه السّلام): كان الله ولا شيء معه وهو الآن كما كان.
وفي التوحيد والمعاني والاحتجاج عن هشام عن الصادق (عليه السّلام) قال للزنديق حين سأله عن الله ما هو، قال: هو شيء بخلاف الأشياء ارجع بقوله شيء إلى إثبات معنى وأنه بحقيقة الشيئية غير أنّه لا جسم ولا صورة.
ومنها أخبار أخر في التوحيد ففي التوحيد والأمالي وغيرهما مسندًا عن الرضا (عليه السّلام) في خطبته: أحد لا بتأويل عدد ظاهر لا بتأويل المباشرة متجل لا باستهلال رؤية باطن لا بمزايلة الخطبة.
وفي التوحيد مسندًا عن عمار بن عمرو النصيبي قال: سألت جعفر بن محمد عن التوحيد فقال: واحد صمد أزلي صمدي لا ظل له يمسكه وهو يمسك الأشياء بأظلتها، عارف بالمجهول معروف عند كل جاهل فرداني لا هو في خلقه ولا خلقه فيه.
والأخذ بالأظلة هو تقويم الحق عزّ وجلّ اسمه الأشياء بالماهيات والتعينات وبعبارة أخرى ظهور الحق سبحانه في المظاهر بالتعينات الماهوية وإطلاقه سبحانه في نفسه.
وقد ورد تفسير الظل في بعض أخبار الطينة ففي خبر عبد الله بن محمد الجعفي وعقبة المروي في تفسيري علي بن إبراهيم والعياشي عن أبي جعفر (عليه السّلام): ثم بعثهم - أي الخلق - في الظلال، قلت: وأي شيء الظلال؟ قال: ألم تر إلى ظلّك في الشمس شيء وليس بشيء. وهذا هو الماهيات أو الوجودات المستعارة بالعرض.
وفي بعض خطب علي (عليه السّلام) دليله آياته ووجوده إثباته ومعرفته توحيده وتوحيده تمييزه عن خلقه وحكم التميز بينونة صفة لا بينونة عزلة.
وهذه الكلمة أنفس كلمة وأوجزها في التوحيد ولها كمال الدلالة على ذلك.
وفي نهج البلاغة وفي التوحيد مسندًا عن الصادق (عليه السّلام) عن علي (عليه السّلام): هو في الأشياء كلها غير متمازج بها ولا بائن عنها.
وفي التوحيد مسندًا عن مسلم بن أوس عن علي (عليه السّلام): بل هو في الأشياء بلا كيفية. وهذا المعنى وما يقرب منه متواتر في الخطب والأخبار.
ومنها الأخبار النافية للصفات وهي في معنى الفصل الثالث ففي نهج البلاغة في خطبة له (عليه السّلام): أول الدين معرفته وكمال معرفته التصديق به وكمال التصديق به توحيده وكمال توحيده الإخلاص له وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه.
وفي خطبة أخرى له (عليه السّلام): أول عبادة الله معرفته وأصل معرفته توحيده ونظام توحيده نفي الصفات عنه. وفي هذا المعنى أخبار أخر أيضًا وهذه الأخبار يفسرها أخبار أخر أن المراد من الصفات المنفية ليست هي الصفات المحدثة بل أصل الوصف المفيد للتحديد والمغاير للذات.
ففي إثبات الوصية للمسعودي عن علي (عليه السّلام) في خطبة: فسبحانك ملأت كلّ شيء وباينت كلّ شيء فأنت لا يفقدك شيء وأنت الفعال لما تشاء تباركت يا من كل مدرك من خلقه وكل محدود من صنعه.
وخطب علي والرضا (عليهما السّلام) وكلمات سائر الأئمة (عليهم السّلام) مملوءة من هذا المعنى ومن المعلوم أن نفس الصفة تحديد وتعيين ونفس المفهوم مدرك فافهم.
وفي التوحيد مسندًا عن عبد الأعلى عن الصادق (عليه السّلام) تسمى بأسمائه فهو غير أسمائه والأسماء غيره والموصوف غير الوصف.
وقوله الموصوف غير الوصف إشارة إلى أن المراد بالغيرية الغيرية التي يستدعيها مفهوم الوصف المحدّد مصداقًا لا أن ألفاظ الأسماء غيره سبحانه وهو ظاهر.
ومن هذا الباب ما ورد في الحديث من أن معنى الله أكبر الله أكبر من أن يوصف رواه الصدوق في المعاني بطريقين.
ومنها ما في الكافي والتوحيد عن إبراهيم بن عمر عن الصادق (عليه السّلام) قال: إن الله تبارك وتعالى خلق أسماء بالحروف غير متصوت وباللفظ غير منطق وبالشخص غير مجسّد وبالتشبيه غير موصوف وباللون غير مصبوغ منفي عنه الأقطار مبعد عنه الحدود محجوب عنه حس كل متوهم مستتر غير مستور فجعله كلمة تامة على أربعة أجزاء معًا ليس واحد منها قبل الآخر فاظهر منها ثلاثة أشياء لفاقة الخلق إليها وحجب واحدًا منها وهو الاسم المكنون المخزون بهذه الأسماء الثلاثة التي أظهرت فالظاهر هو الله وتبارك وسبحان لكل اسم من هذه أربعة أركان فذلك اثنا عشر ركنا ثم خلق لكل ركن منها ثلاثين اسمًا فعلاً منسوبًا إليها فهو الرحمن الرحيم الملك القدوس الخالق الباري المصور الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم العليم الخبير السميع البصير العزيز الجبار المتكبر العليّ العظيم المقتدر القادر السّلام المؤمن المهيمن البارئ المنشئ البديع الرفيع الجليل الكريم الرازق المحيي المميت الباعث الوارث فهذه الأسماء وما كان من الأسماء الحسنى حتّى تتم ثلاثمائة وستين اسمًا فهي نسبة لهذه الأسماء الثلاثة وهذه الأسماء الثلاثة أركان وحجب للاسم الواحد المكنون المخزون بهذه الأسماء الثلاثة وذلك قوله عزّ وجلّ: (قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى).
وهذه الرواية الشريفة في دلالتها على تأخر الأسماء عن مقام إطلاق الذات لا تحتاج إلى تقريب وهي على نفاستها تدل على أصول جمة من علم الأسماء وتنزل الاسم من الاسم وتفرع الخلق عليها: ومنها ما في الإرشاد وغيره عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) في كلام له: إن الله أجل من أن يحتجب عن شيء أو يحتجب عنه شيء، وما عن التوحيد مسندًا عن يعقوب بن جعفر الجعفري عن موسى بن جعفر (عليه السّلام) في كلام له: ليس بينه وبين خلقه حجاب غير خلقه احتجب بغير حجاب محجوب واستتر بغير ستر مستور. وقد جمع هذا الخبر بين ظهوره تعالى بالأشياء واستتاره بها بعينها وهو معنى لطيف مرجعه إلى خفائه من شدة ظهوره.
قد ظهر أن التوحيد الإطلاقي أرفع وأجلّ من أن يوصف بوصف وفي الحديث من سأل عن التوحيد فهو جاهل ومن أجابه فهو مشرك.
[فصل 5 اختصاص التوحيد الإطلاقي بالملة الإسلامية]
وهذا المعنى من التوحيد أعني الإطلاقي مما انفرد بإثباته الملة المقدسة الإسلامية وفاقت به الملك والشرائع السالفة فظاهر ما بلغنا منهم في التوحيد هو مقام الواحدية وأنه تعالى الذات الواجبة المستجمعة لصفات الكمال فغاية ما وصل إلينا من معنى التوحيد من الملل السابقين وكلمات الحكماء المتألهين.... والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
عدنان الحاجي
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ جعفر السبحاني
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ محمد جواد مغنية
السيد منير الخباز القطيفي
الشيخ محمد صنقور
السيد عادل العلوي
الشيخ فوزي آل سيف
السيد عباس نور الدين
أحمد الرويعي
حسين حسن آل جامع
عبدالله طاهر المعيبد
حبيب المعاتيق
حسين آل سهوان
أسمهان آل تراب
أحمد الماجد
فريد عبد الله النمر
علي النمر
زهراء الشوكان
أسلوب التواصل بين الطفل ووالديه تبادليّ الطابع، حتى لو كان بسنّ أربعة أشهر
رسالة في التوحيد (1)
موقف القرآن الكريم تجاه قانون العلّيّة
سورة البيّنة
الإمام زين العابدين (ع) يخلّد شهادة أبيه في ضمير الأمة
أدعية الإمام السّجّاد (ع) مدرسة ومنبر
بطولة الإمام السّجّاد (ع) في الأسر
ماذا تعرف عن القصور الوريدي المزمن؟
حول سيرة الإمام السجاد عليه السلام
الإمام زين العابدين وعلاج الفراغ الرّوحي