علمٌ وفكر

عقيدة الشيعة في النبوّة والنبيّ صلّى الله عليه وآله

 

الشيخ المفيد
حقيقة النبوّة
اتّفقت الإمامية على أنّ العقل محتاجٌ في علمه ونتائجه إلى السمع، وأنّه غير منفكّ عن سمعٍ ينبّه العاقل على كيفية الاستدلال، وأنّه لا بدّ في أوّل التكليف وابتدائه في العالم من رسول.
النبوّة تفضّل من الله تعالى على مَن اختصّه بكرامته لعلمه بحميد عاقبته، واجتماع الخلال الموجبة في الحكمة بنبوّته في التفضيل على من سواه. فأمّا التعظيم على القيام بالنبوّة والتبجيل وفرض الطاعة فذلك يستحقّ بعلمه الذي ذكرناه. 
اتّفقت الإمامية على أنّ أنبياء الله عزّ وجلّ ورسله من البشر أفضلُ من الملائكة. 
إنّ رسل الله تعالى من البشر وأنبياءه والأئمّة من خلفائه مُحْدثون مصنوعون، ويحلّ بهم الموت... وأمّا أحوالهم بعد الوفاة، فإنّهم يُنقلون من تحت التراب فيسكنون بأجسامهم وأرواحهم جنّة الله تعالى، فيكونون فيها أحياء يتنعّمون... يستبشرون بمَن يلحق بهم من صالحي أممهم وشيعتهم، ويلقونه بالكرامات، وينتظرون من يرِدُ عليهم من أمثال السابقين من ذوي الديانات، وإنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله، والأئمّة من عترته خاصة، لا يَخفى عليهم، بعد الوفاة، أحوال شيعتهم في دار الدنيا بإعلام الله تعالى لهم ذلك حالاً بعد حال، ويسمعون كلام المناجي لهم في مشاهدهم المكرّمة العظام بلطيفةٍ من لطائف الله تعالى بينهم [ينبّئهم] بها من جمهور العباد، وتبلغهم المناجاة من بُعد كما جاءت به الرواية، وهذا مذهب فقهاء الإمامية كافّة وحمَلة الآثار منهم، ولست أعرف فيه لمتكلّميهم من قبل مقالاً. 


آباء النبيّ
اتّفقت الإمامية على أنّ آباء رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، من لدنْ آدم إلى عبد الله بن عبد المطّلب، مؤمنون بالله عزّ وجلّ، موحّدون له. واحتجّوا في ذلك بالأخبار والقرآن. قال الله عزّ وجلّ: ﴿الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ﴾. [الشعراء:218-219]
وقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «لمْ يَزلْ يَنقلُني من أصلابِ الطّاهرينَ، إلى أرحامِ المُطهّراتِ حتّى أخرجَني في عالَمِكم هذا». فدلّ على أنّ آباءه كلّهم كانوا مؤمنين، إذ لو كان فيهم كافرٌ لمَا استحقّ الوصف بالطهارة، لقول الله تعالى: ﴿..إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ..﴾ [لتوبة:28]، فحَكَم على الكفّار بالنجاسة، فلمّا قضى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، بطهارة آبائه كلّهم ووصفهم بذلك، دلّ على أنّهم كانوا مؤمنين.
وأجمعوا على أنّ عمّه أبا طالب رحمه الله مات مؤمناً، وأنّ آمنة بنت وهب كانت على التوحيد، وأنّها تُحشر في جملة المؤمنين. 

العصمة
إنّ نبيّنا محمّداً صلّى الله عليه وآله وسلّم، ممّن لم يعصِ الله عزّ وجلّ منذ خلقه الله عزّ وجلّ، إلى أن قبضه، ولا تعمّد له خلافاً، ولا أذنب ذنباً على التعمّد ولا النسيان، وبذلك نطق القرآن وتواتر الخبر عن آل محمّدٍ عليهم السلام، وهو مذهب جمهور الإمامية.... 
العصمة من الله تعالى لحُجَجه هي التوفيق، واللطف، والاعتصام من الحُجج بها [بهما] عن الذنوب... والعصمة تفضّلٌ من الله تعالى... وهي الشيء الذي يعلم الله تعالى أنّه إذا فعله بعبدٍ من عبيده لم يُؤْثِر معه معصيته له، وليس كلّ الخلق يُعلم هذا من حاله، بل المعلوم منهم ذلك هم الصفوة والأخيار. قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَىٰ أُولَٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾. [الأنبياء:101]
وقال سبحانه: ﴿وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ﴾. [ص:47]
وقال سبحانه: ﴿وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَىٰ عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾. [الدخان:32]

الشفاعة
اتّفقت الإمامية على أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، يشفع يوم القيامة لجماعة من مرتكبي الكبائر من أمّته... 
إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يشفع يوم القيامة في مذنبي أمّته من الشيعة خاصّة، فيُشفّعه الله عزّ وجلّ... وعلى هذا القول إجماع الإمامية، إلّا مَن شذّ منهم... 
 

علّة الإيجاد
النبيّ المبعوث إلينا، صلّى الله عليه وآله، والمفروض طاعتُه من الله علينا، أعلى الأنبياء قدراً، وأرفع الرُّسل في الملأ الأعلى ذِكراً، الذي بَشّرت الرسُل بظهوره، وخُلِقت الأنوار كلَّها بعد نوره، علّة الإيجاد، وحبيب ربّ العباد، محمّد المختار صلّى الله عليه وآله وسلّم، وأحمد صفوة الجبّار، ذو المعجزات الباهرة، والآيات الظاهرة: كانشقاق القمر، وتظليل الغمام، وحنين الجِذع، وتسبيح الحصى، وتكليم الموتى... ونزول المطر عند استسقائه... وإخباره بالمغيّبات، كإنبائه عن العترة الطاهرة، واحداً بعد واحد، وما يجري عليهم من الأعداء في وقعة كربلاء وغيرها... وإخبار الأحبار عنه عليه السلام قبل ولادته بسنين وأعوام.
ومن ذلك ما ظهر له من الكرامات عند ميلاده... وتهنئة أمّه من جهة السماء، وما ظهر لها من الكرامات حين الحمل. وكفى بكتاب الله معجزاً مستمرّاً مدى الدهر...

على أنّ في النظر في أخلاقه الكريمة وأحواله المستقيمة كفايةً لمَن نظر، وحجّة واضحة لمَن استبصر، ككثرة الحِلم، وسَعة الخُلق، وتواضع النفس، والعفو عن المسيء، ورحمة الفقراء، وإعانة الضعفاء، وتحمّل المشاقّ، وجمع مكارم الأخلاق...
وتجب معرفة عصمته بالدليل، ويكفي فيه أنّه لو جاز عليه الخطأ والخطيئة لم يبقَ وثوقٌ بإخباره، ولا اعتماد على وعده ووعيده، فتنتفي فائدة البعثة... وكان كما وصفه ولده الباقر عليه السلام: «..لم يُرَ مثلَ نبيّ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قبلَه ولا بعدَه».


العقلُ الأوّل
اعلم أنّ المراد من العقول هي الموجودات المقدّسة، والجواهر الخالصة المنزَّهة من شَوب المادّة والمادّي، والجسم والجسمانيّ. ومعروفٌ أنّ العقل هو الجوهر المجرّد في ذاته وفي فعله. واتّفق الحكماء بالأدلّة والبراهين المحكمة، كقاعدة «إمكان الأشرف» وغيرها: أنّ العقول أوّل الموجودات، ومبدأ الصوادر، ووسائطُ الفيض...
وبيان ذلك إجمالاً هو: بحكم القاعدة المبرهنة في محلّها، وهي أنّ (الواحد لا يصدر عنه إلّا الواحد) لا بدّ وأن يكون الصادر الأوّل من الواحد البسيط من جميع الجهات، هو الواحد. ولمّا كان الحقّ سبحانه واحداً من جميع الجهات، وبسيطاً من كلّ الحيثيات، فلا بدّ وأن يكون الصادر الأوّل من ذاته الأحدية العقل الأوّل. والأحاديث الشريفة عند الفريقين متواترة، وفي كتاب (الكافي) وغيره من الجوامع الحديثية مرويّة من أنّ «أوّل ما خلقَ اللهُ العقلَ، فقال له: أقبِل..» إلخ، وهذا العقل الأوّل عبارة عن مرتبة العقل المحمّديّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، ولهذه الجهة قال صلّى الله عليه وآله: «أوّل ما خلَق اللهُ نوري»، فلا تنافي بين هذين الحديثين، وهذا العقل الأوّل هو الذي يعبَّر عنه في لسان الشرع المقدّس بالعبارات المختلفة؛ فهو العقل الأوّل، والحقيقة المحمّدية، ونور محمّدٍ وآله، ورحمتُه التي وسعت كلّ شيء.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد