هلّ القرن السادس عشر وظهرت بعض الآراء العلمية في الفلكيات والعلوم الطبيعية، وكان ذلك سبباً لإيقاظ الشكوك الكامنة في النفوس وتوليد الشبهات، وكان أوّل من اجترأ على إحياء المذهب المادّي الفيلسوف الإيطالي «بطرس بومباتيوس» فنشر عام 1516 م كتاباً ثار فيه على نظرية «أرسطو» في خلود النفس، ولكن مع ذلك فقد نقل «بوخنر» في مقالته السادسة أنّ «بطرس بومباتيوس» كان من حماة الدين وحماة تعاليم المسيح، غير أنّه أضاف جملة أخرى: أنّ التظاهر بالديانة كان أمراً دارجاً بين العلماء الطبيعيين، لسلطان رجال الكنيسة أو لرسوخ الإيمان الوراثي في قلوبهم.
وفي عام 1770 م نشر «البارون هولباخ» الألماني كتابه الذي أسماه (نظام الطبيعة) وممّا جاء فيه: أنّ كل شيء محصور في الطبيعة وأنّ كل ما يتخيّل وراءها وهم في وهم.
وقد أخرج أوّل دائرة معارف بالفرنسية في القرن الثامن عشر، وكان من أعضاء لجنتها «ديدرو» و«هولباخ» و«دلامبرت» وكان الأوّل مادّياً محضاً، وقد صرّح في رسالته التي أسماها (المادّة والحركة) بأنّ ما نراه من خروج كائن حي من البيضة بواسطة الحرارة وحدها ينقض تعاليم اللاهوتيين.
نقل «بوخنر» أنّ «دلامبرت» كان من المتوقّفين في العوالم الروحانية.
جاء القرن التاسع عشر، وقد قطعت العلوم الفرعية شوطاً بعيداً من التقدّم وأثمرت ثمراتها اليانعة في الصناعة والزراعة واستخدام القوى الطبيعية، وصارت البيئة الغربية بيئة مادّية صرفة لم يبق فيها من العقائد الدينية إلّا شيء لا يعتد به.
وبينما الناس على هذا الوضع يكاد ينهار صرح عقائدهم فإذا بحادث جلل حدث في العلوم الطبيعية عام 1859 م، فقضى على البقية الباقية، ألا وهو مذهب «دارون» الذي جاء بنظرية حديثة في تحليل وجود الأنواع الحيّة وفسّره بناموس الانتخاب الطبيعي، فكان لظهوره أثر عميق في تزعزع المذهب الإلهي وبحدوثه قطعت الرابطة القديمة بين المادّيين والإلهيين، فتفرّدت المادّية بالسلطان وبلغ الغرور العلمي أقصى ما يمكن أن يبلغه.
أجل لم يكن «دارون» مادّياً في عقائده وإن استفاد منه المادّيون لتحكيم مبادئهم. قال الدكتور شبلي شميل في مقدمة كتابه (فلسفة النشوء والارتقاء): إنّ نظرية التطوّر في الحيوانات الحيّة ليست إلّا تحليلًا علمياً عند «دارون» لا فلسفياً، ولم يكن الغرض منه إلّا تحليل تلك التطوّرات من طريق العلم دون الفلسفة وإن جعلها بعض أصحاب الفلسفة المادّية أساساً لبنائها وسنداً لصحّتها، ولكن «دارون» مع أنّه المؤسس لمذهب التطوّر لم يتوفّق لاستنتاج عامّة ما يترتّب عليه من النتائج.
وينقل عن «دارون» هذه الجملة: إنّ الموجودات الحيّة كلّها منقادة بنظام خاص ونواميس ميكانيكية، وإنّ الأنواع كلّها مشتقّة من أصل واحد، وهذا الأصل أوّل موجود حيّ هبط إلى دار الوجود وقد نفخ فيه الخالق روح الحياة.
وهذا تصريح من الرجل باعتقاده بالمبدأ الحي الذي منه يستمد الموجودات، وأنّ ظهور الحياة في النوع الأوّل كان مستنداً إلى خالق أوجدها ثم تنوّعت الحياة والأنواع حسب الانتخاب الطبيعي.
وفي أواسط هذا القرن (التاسع عشر) بلغ الغرور العلمي للمادّيين إلى حدّ تخيّلوا أنّهم قد حلّوا طلاسم الطبيعة وفكّوا معميات الحقيقة، وكشفوا غوامض القوى الكونية وأنّ أحكامهم لا تتحمل نقداً ولا ردّاً، وقد أعانتهم في تدعيم طريقهم الأصول الدارونية حتى استولت المادّية على السواد الأعظم، ولم يسجّل تاريخ العلم مذهباً كان له مثل تأثير المادّية على النفوس في عصر من العصور، وما زالت سماسرة الأهواء يبثّون الإلحاد بين الناشئة الجديدة حتى حسبوها حقائق راهنة.
أظهرت المادّية سلطانها حينما ظهر هذا الحادث الجلل وبلغت إلى أوجها، حتى جاءت الأقوال البالية تباع وتشترى بصورة خاصة غير مسبوقة، ولبست المادّية لبوس الفلسفة، وجاءت في تطوّرها النهائي بصورة الفلسفة المادّية الجدلية ووضع حجرها الأساس «كارل ماركس» 1818 - 1883 م، ووازره في ذلك قرينه «فردريك انجلس» 1820 - 1895 م وعند ذلك خلعت المادّية لباس الجمود ورفضت التمسّك بأصول ثابتة دائمة.
أخذ مبتكر المذهب المادّي في هذا القرن الأصول الفلسفة الجدلية الديالكتيكية عن أستاذه «هيجل» لكن الأستاذ لم يكن مادّياً وإن استحسن تلميذه جل ما أخذه عنه في الفلسفة الإلحادية.
الشيخ محمد مهدي شمس الدين
الشيخ محمد جواد مغنية
السيد محمد حسين الطبطبائي
الأستاذ عبد الوهاب حسين
الشيخ شفيق جرادي
الشيخ محمد مصباح يزدي
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ محمد هادي معرفة
عدنان الحاجي
الشيخ باقر القرشي
حسين حسن آل جامع
الشيخ عبد الحميد المرهون
الشيخ علي الجشي
ناجي حرابة
عبدالله طاهر المعيبد
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
ياسر آل غريب