الشيخ محمد هادي معرفة
التفسير: مبالغة في الفَسْر بمعنى الكشف والإبانة.
قال تعالى: (ولا يأتونك بمثلٍ إلا جئناك بالحق وأحسنَ تفسيراً) الفرقان/ 32، أي تبييناً وتوضيحاً.
والفَسْر والسَّفْر من أصل واحد ـ في الاشتقاق الكبير ـ كلاهما بمعنى الإبراز والإظهار.. قال الراغب الأصفهاني: هما متقاربا المعنى كتقارب لفظيهما، لكن جُعل الفَسْر لإظهار المعنى المعقول، والسَفْر لإبراز الأعيان للأبصار. يقال: سفرت المرأة عن وجهها وأسفرت، أي كشفت عن وجهها بمعنى رفع النقاب. وأسفَرَ الصبحُ إذا بدا وطلع الفجرُ.
والفَسْر والتفسير ـ مجرداً ومزيداً فيه ـ كلاهما بمعنى الكشف والغبانة، متعديان إلى المفعول به.. غير أن في التفعيل مبالغة ليست في المجرد.. نظير الكشف والاكتشاف، معديين إلى المفعول به، يقال: كشفه واكتشفه، بمعنىً واحد، سوى أن في الانتقال مبالغة وصرف جهد لم يكن في الثلاثي.. فمطلق الكشف عن الشيء لا يقال له الاكتشاف إلا إذا كانت في كشفه وإظهاره مزيد عناية وبذل جهد كثير.. وهكذا الفرق بين الفسر والتفسير، لا يكون تفسيراً إذا لم يكن هناك عناء وبذل جهد في رفع الإبهام عن وجه الآية، وإلا فمجرد ترجمة الألفاظ أو تبديلها بنظائرها في إفادة المعنى، لا يكون تفسيراً..
ومن ثم كان التفسير ـ في المصطلح ـ هو: بذل الجهد في رفع الإبهام عن اللفظ المشكل.. فلابد هناك من إشكال في اللفظ قد أوجب إبهاماً في المعنى، فيبذل المفسر عنايته برفع ذلك الإبهام ودفع الإشكال، حسبما أوتي من حول وقوة وما تهيأ له من أدوات التفسير وأسبابه.
المنهج في تفسير القرآن:
والتفسير ـ في ماهيته ـ على نوعين: أثري ونظري.
ويعني الأول: التفسير بما ورد من آثار الأقدمين من أقوال وآراء حول تبيين الآيات الكريمة.. في مثل أحاديث الرسول (ص) وأقوال صحابته المرضيين وآراء التابعين لهم بإحسان.. مضافاً إليها ما ورد من روايات أهل بيته الطاهرين (ع) وهذا ما يسمى بالتفسير بالمأثور أو التفسير النقلي.
وفي هذا قد يكتفى بذكر الأثر، مجرداً عن أي نقد أو بيان، كما دأب عليه جلال الدين السيوطي في تفسيره الدر المنثور، والسيد هاشم البحراني في البرهان، والعروسي الحويزي في تفسيره نور الثقلين..
والآخر ما يصحبه البيان والنقد أحياناً، كما نجده في تفسير جامع البيان للطبري وتفسير ابن كثير وتفسير الصافي للفيض الكاشاني وكنز الدقائق للمشهدي.
والنوع الثاني من التفسير، هو التفسير الاجتهادي المبتني على إعمال الرأي والنظر في فهم معاني القرآن الكريم.
وللاجتهاد في التفسير أسس ودعائم ترسو عليها قواعده وتبتنى أصوله.. على ما شرحه الراغب في مقدمته في التفسير، وسنشير إليها..
والتفسير يرتفع في أصوله إلى زمن الرسول (ص) حيثُ كان الصحابة ربما أشكل عليهم فهم آية (فيراجعون) النبي ويسألونه الإيضاح والتبيين، فيجيبهم عليه حسب وظيفته الرسالية في تبيين مفاهيم القرآن.
قال تعالى: (ونزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون) النحل/ 44.
فقد أنزل القرآن على النبي ليبين للناس معانيه مما أشكل عليهم فهمه.. وليكون ذلك ذريعة إلى مزاولة فهمهم وفكرتهم هم في استخراج معانيه والبسط فيها..
ومما سئل النبي (ص) عن المعنى المراد من الآية، ما جاء سؤالاً عن "السائحين" في قوله تعالى: (التائبن العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون) التوبة/ 12، حيثُ وقع هذا الوصف مدحاً يزاوله المؤمنون.
فقال (ص): (هم الصائمون).
قال الطبرسي: السائح، مِنْ ساحَ في الأرض يسيح سيحاً إذا استمر في الذهاب، ومنه السيح للماء الجاري. قال: ومن ذلك يسمى الصائم سائحاً، لاستمراره على الطاعة في ترك المشتهى. قال: وروي عن النبي (ص) انه قال: (سياحة أمتي الصيام).
نعم، إنما كان الصيام سياحة للمؤمن، لأنها عبادة خالصة يقوم بها العبد، طالباً وجه ربه، بعيداً عن شوائب الرياء والضمائم التي قد تعتري سائر العبادات.. فالصائم خالص بوجهه لله، هائم في بيداء عبادة ربه الكريم.. لا يثنيه عن عزمه شوائب الأكدار ودنائس الأقذار.
وسأله رجل من هذيل عن قوله تعالى: (ومَن كفر فإن الله غني عن العالمين) المائدة/ 89.
ما هو المراد من الكفر هنا، حيث كان ترك الحج ـ وهو فريضة كسائر الفرائض ـ لا يوجب تركه كفراً بالله تعالى، فقال (ص): (مَن تركه لا يخاف عقوبته ولا يرجو مثوبته) أي مَن ترك الحج ترك جحود، ناشئاً عن عدم الإيمان بشريعة الله تعالى.
وهكذا في سائر الموارد، حينما يجدون إبهاماً في وجه الآية، يرجعون إليه ويسألونه الحل والإيضاح.. وقد أوردنا غرراً من ذلك في كتابنا (التفسير والمفسرون).
وأيضاً كان (ص) يتعرض للتفسير بنفسه عندما يلقي على أصحابه بعضاً من آيات الذكر الحكيم.
وكان (ص) يتلو على أصحابه العشر من الآيات، لا يتجاوزها حتى يعلمهم تفسيرها وتأويلها.. فقد أخرج ابن جرير بإسناده عن ابن مسعود، قال: (كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات، لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهنّ.. وقال أبو عبد الرحمان السُّلَمي: حدثنا الذين كانوا يقرئوننا، أنهم كانوا يستقرئون من النبي (ص) فكانوا إذا تعلموا عشر آيات، لم يخلفوها حتى يعملوا بما فيها من العمل. قال: فتعلمنا القرآن والعمل جميعاً).
وهكذا دأب رسول الله (ص) على تعليم أصحابه الأجلاء معاني القرآن وتفسير ما أُبهم منه، إلى جنب تعليم قراءته وتلاوته.
والمقصود من العمل به: كيفية استنباط المسائل منه، بمعنى الاجتهاد في استخراج مفاهيمه العامة الجارية مدى الأيام.
غير أن المأثور من التفسير المرفوع إلى النبي (ص) قليل جداً، حسبما جمعه جلال الدين السيوطي في آخر كتابه الاتقان، حيث بغل ما يقرب من مئتين وخمسين حديثاً مرفوعاً إلى النبي (ص)، وقال: (الذي صح من ذلك قليل جداً، بل أصل المرفوع منه في غاية القلة).
وأخيراً قام السيد محمد برهاني نجل العلامة المحدث البحراني صاحب تفسير البرهان، بجمع ما أثر من تفاسير مرفوعة إلى النبي (ص) مروية عن طريق أهل البيت (ع) فبلغ لحد الآن نحو أربعة آلاف حديث مرفوع إلى النبي (ص) في التفسير، ولا يزال يزيد ما دام العمل مستمراً.
محمود حيدر
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان