قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد محمد حسين الطبطبائي
عن الكاتب :
مفسر للقرآن،علامة، فيلسوف عارف، مفكر عظيم

العلوم الخاصة بالقرآن

يتدارس المسلمون علومًا موضوعها القرآن الكريم نفسه. ويرجع تاريخ ظهور هذه العلوم إلى أوائل عصر النزول، وقد نضجت مسائلها وبلغت المرحلة المطلوبة لطول البحث فيها وأصبحت بحيث وضع لها المحققون الرسائل والكتب الكثيرة.

 

وهذه العلوم بصورة عامة تنقسم إلى فئتين: ما يبحث فيه عن الألفاظ، وما يبحث فيه عن المعاني.

 

العلوم الباحثة في ألفاظ القرآن هي فنون التجويد والقراءة:

 

فن في كيفية تلفظ الحروف والعوارض التي تطرأها عند الأفراد والتركيب، كالإدغام والإبدال وأحكام الوقف والابتداء ونظائرها.

 

وفن في ضبط وتوجيه القراءات السبع والقراءات الثلاث الأخرى وقراءات الصحابة وشواذ القراءات الأخرى.

 

وفن في عدد السور والآيات والكلمات والحروف، وضبط أعداد جميع السور والآيات والكلمات والحروف.

 

وفن في خصوص ضبط رسم القرآن وما فيها من الاختلاف مع رسم الخط المعروف المعمول به.

 

وأما العلوم التي تبحث في معاني القرآن:

 

ففن يبحث عن كليات المعاني كالتنزيل والتأويل والظاهر والباطن والمحكم والمتشابه والناسخ والمنسوخ.

 

وفن يبحث في آيات الأحكام، وهو في الحقيقة فرع من الأبحاث الفقهية.

 

وفن يبحث عن معاني القرآن، وهو المعروف بالتفسير.

 

ولقد ألف علماء الإسلام والمحققون في كل هاتيك العلوم كتبًا ورسائل كثيرة.

 

العلوم التي كان القرآن عاملاً في ظهورها:

 

لا شك أن العلوم الدينية التي يتداولها المسلمون اليوم إنما يرجع تاريخ نشأتها إلى عصر البعثة النبوية ونزول القرآن الكريم.

 

لقد تداول الصحابة والتابعون هذه العلوم في القرن الأول الهجري بصورة غير منظمة بسب المنع الذي واجه تدوين العلم بكل فروعه، وكانت طريقة التلقي والمدارسة هي الحفظ والأخذ الشفوي، إلا مدونات قليلة جدًّا في الفقه والتفسير والحديث.

 

وفي أوائل القرن الثاني الهجري عندما ارتفع المنع (1) بدأ المسلمون بتدوين الحديث أولًا، ثم وضعوا المؤلفات في بقية فروع العلم وأوجدوا الأنظمة الخاصة للتأليف والتصنيف فكانت نتيجة المساعي: فن الحديث، وعلم الرجال والدراية وفن أصول الفقه، وعلم الحديث، وعلم الكلام، وغيرها.

 

وحتى الفلسفة المنقولة من اليونانية إلى العربية في بداية أمرها والتي بقيت على شكلها اليوناني لفترة غير قصيرة، فإن البيئة أثرت فيها مادة وصورة وتحولت من شكلها البدائي إلى شكل يغايره كل المغايرة. وأحسن شاهد لذلك المسائل الفلسفية المتداولة بين المسلمين اليوم، فإنك لا ترى مسألة فلسفية في المعارف الإلهية إلا ويمكن أن تجد متنها وبراهينها وأدلتها لها في طيات الآيات القرآنية والأحاديث المروية.

 

ويمكن إعادة هذا القول في العلوم الأدبية أيضًا، فإن أمثال الصرف والنحو والمعاني والبيان والبديع واللغة وفقهها والاشتقاق بالرغم من أنها تشمل اللغة العربية بصورة عامة، إلا أن الذي دفع الناس إلى مدارستها والبحث فيها والفحص عنها إنما هو كلام الله المجيد الذي له الحلاوة والتلاوة وحسن الأسلوب في التعبير والإعجاز في الفصاحة والبلاغة، فانجذبت إليه القلوب وكان السبب في السير وراء معرفة خصائصه والفحص عن الشواهد والنظائر له ومعرفة وجوه الفصاحة والبلاغة فيه والأسرار الكامنة تحت جمله وألفاظه، وبالتالي لهذه العوامل وجدت العلوم اللسانية التي ذكرناها.

 

كان ابن عباس من كبار مفسري الصحابة، وكان يستشهد في التفسير بالشعر العربي، وكان يأمر بجمع الشعر وحفظه ويقول: الشعر ديوان العرب.

 

بمثل هذه العناية والاهتمام ضبط النثر العربي وشعره وبلغت الحالة إلى أن العالم الشيعي خليل بن أحمد الفراهيدي البصري ألف في اللغة كتاب العين ووضع علم العروض لمعرفة الأوزان الشعرية. وهكذا وضع العلماء الآخرون في هذين العلمين أيضًا المؤلفات القيمة.

 

وعلم التاريخ أيضًا من مشتقات علم الحديث، ففي أوله كان مجموعة من قصص الأنبياء والأمم، وبدأ من سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ثم أضيف إليه تاريخ صدر الإسلام وفيما بعد أصبح بصورة تاريخ عام للعالم وكتب المؤرخون أمثال الطبري والمسعودي واليعقوبي والواقدي ومؤلفاتهم التاريخية.

 

ويمكن القول بصراحة بأن القرآن هو الدافع الأول لاشتغال المسلمين بالعلوم العقلية من طبيعية ورياضية بشكل نقل من اللغات الأخرى في البداية ثم استقلال وابتكار في مسائلها.

 

ترجمت العلوم بتشجيع من الخلافة في ذلك اليوم من اليونانية والسريانية والهندية إلى العربية، ثم وضعت في متناول أيدي المسلمين بمختلف جالياتهم، وأخذت دائرة التحقيقات تتسع حتى أصبحت بشكل عميق ودقيق جدًّا.

 

إن مدينة الإسلام التي شملت قطعة عظيمة من المعمورة بعد رحلة الرسول وكان لها الحكم المطلق والتي امتدت حتى هذا اليوم الذي يعيش فيه أكثر من ستمائة مليون مسلم، وهذه المدينة هي أثر واحد من آثار القرآن الكريم (مع العلم أننا نحن الشيعة نعارض دائمًا سياسة الخلفاء والملوك حيث تساهلوا في نشر التعاليم الدينية وتطبيق قوانين الإسلام تطبيقًا كاملًا، مع هذا نعتقد أن ضرورة الإسلام المنتشر بهذا المقدار في أرجاء المعمورة إنما هو إشراقة من إشراقات القرآن العظيم).

 

من الواضح البديهي أن هذا التحول العظيم الذي هو حلقة مهمة من حلقات حوادث العالم، سيؤثر تأثيرًا مباشرًا في الحلقات المستقبلية. ومن هنا يأتي الاعتقاد بأن إحدى علل التحول العلمي الهائل الذي نشاهده اليوم هي من تأثير القرآن الكريم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ارتفع المنع بإجماع المؤرخين على يد الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز بين سنتي 99 - 101.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد