عيد الغدير هو الیوم الذي تاب الله فيه علی آدم علیه السلام، فصامه شكراً للّه علی ذلك الیوم. وإنّه الیوم الذي نجّى الله تعالی فيه إبراهيم علیه السلام من النار فصام شُكْراً للّه تعالی. وإنّه الیوم الذي أقام موسى علیه السلام هارون علیه السلام عَلَماً، فصام شكراً للّه تعالی ذلك الیوم. وإنّه الیوم الذي أظهر عيسى علیه السلام وصيّه شمعون الصفا، فصام شكراً للّه عزّ وجلّ ذلك الیوم. وإنّه الیوم الذي أقام رسول الله صلّى الله علیه وآله علیاً علیه السلام للناس عَلَماً، وأبان فيه فضله ووصيّه، فصام شكراً للّه تعالی ذلك الیوم. وإنّه ليوم صيام، وقيام، وإطعام، وصلة الإخوان، وفيه مرضاة الرحمن، ومرغمة الشيطان. [1]
وذكر السيّد ابن طاووس.... فصلاً في عِلَل وموجبات فضل عيد الغدير، وقال: فَصْلٌ في جواب من سأل عمّا في يوم الغدير من الفضل، وقصر فهمه عمّا ذكرناه من ذلك النقل.
اعلم أنّ من التنبيه علی أنّ فضل يوم الغدير ما عرف مثله بعده ولا قبله لأحد من الأوصياء والأعيان فيما مضي من الأزمان، وجوه منها:
إنّ الله جلّ جلاله جعل نفس عليّ علیه السلام نفس النبيّ صلّى الله علیه وآله في آية المباهلة، فقال تعالی: (فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَآءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ).[2]
وقد ذكرنا في كتاب «الطرائف» عن المخالفين (من أهل السنّة) أنّ الأبناء: الحَسَن، والحسين، والنساء: فاطمة، وأنفُسَنا: علي ّبن أبي طالب، علیهم السلام.
ومنها: جرى من التعظيم لنفس رسول الله. فمولانا عليّ علیه السلام داخل فيما يكن دخوله فيه من ذلك المقام. ولو اقتصرنا علی هذا الوجه الكبير لكفى في تعظيم يوم الغدير.
ومنها: أنّنا روينا في «الطرائف» عن المخالف أنّ نور عليّ علیه السلام من نور النبيّ صلّى الله علیه وآله في أصل خلقتهما، وأنّ ذلك بيّنة علی تعظيم منزلتهما.
ومنها: أنّ مولانا عليّ علیه السلام في أُمّة رسولالله صلّى الله علیه وآله. [3]
ومنها: كلّما عصمت حرمة المنصوص علیه بالخلافة، كان ذلك تعظيماً لمن كان عنه. ومولانا عليّ علیه السلام نائب عن الله ورسوله في كلّ رحمة ورأفة. وأمان من كلّ آفة ومخافة.
ومنها: إنّ الله جلّ جلاله قال: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ). [4] فيكون عليّ علیه السلام بمقتضى هذا الوصف المتمثّل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي لا يجحد ولا ينكر، الرئيس من الله ورسوله علی هذه الأمّة التي هي خير الأمم، أعظم من كلّ رئيس في شرف القِدَم وعلوّ الهِمَمم وكمال القسم.
ومنها: أنّ الامتحان بنصّ الله جلّ جلاله ورسوله صلوات الله علیه علی مولانا عليّ بن أبي طالب علیه السلام، وجدناه أعظم من كلّ امتحان عرفناه للأوصياء، لأجل ما اتّفق لمولانا علي من كثرة الحاسدين وأعداء الدين الذين عاداهم وجاهدهم في الله ربّ العالمين، وفي نصرة سيّد المرسلين؛ وقد شهدت عدالة الألباب أنّ المنازل في الفضل تزيد بزيادة الامتحان الوارد من جانب مالك الأسباب.
ومنها: أنّ مولانا علیاً علیه السلام وقى النبيّ صلّى الله علیه وآله، وحفظ الإسلام والمسلمين في عدّة مقامات عجز عنها كثير من قوّة العالمين. فجازاه الله جلّ جلاله، ورسوله صلّى الله علیه وآله شرف ذلك الفضل المبين بهذا المقام المكين، مثل أنّه بات علی فراش رسول الله بمكّة، وقد عجز عنها كلّ من قرب منه، وكانوا بين هارب وعاجز عنه، ولهذا فكلّما جرى بالمهاجرة من الشهادة في الدنيا والآخرة، فمولانا حيث فداه بمهجته، أصل الفوائد بنبوّته.
ومنها: أنّ علیاً علیه السلام أدّى سورة براءة ونبذ عهود المشركين لمّا نزل إلی خاتم النبيّين: إِنَّهُ لاَ يُؤَدِّيَها إلاَّ أنْتَ أوْ رَجُلٌ مِنْكَ. فكان القائم مقام النبوّة مَوْلاَنَا علیّ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ علیهِ السَّلاَمُ.
ومنها: مقامات مولانا عليّ علیه السلام في بَدْر، وخَيبر، وحُنَيْن، وأُحُد، وفي كلّ موقف كان يمكن أن يخذل الوالد ولده.
ومنها: قتل مولانا عليّ علیه السلام عَمْرو بن عَبْد ودٍّ العظيم الشأن. وقد روينا في كتاب «الطرائف» عن المخالفين من العامّة أنّ النبيّ صلّى الله علیه وآله قال: لَضَرْبَةُ علیٍّ لِعَمْرو بْنِ عَبْد وُدٍّ أفْضَلُ مِنْ عَمَلِ أُمَّتِي إلی يَوْمِ القِيَامَةِ. وفي حديث آخر: لَضَرْبَةُ علیٍّ يَوْمَ الخَنْدَقِ أفْضَلُ مِنْ عِبَادَةِ الثَّقَلَيْنِ.
أمير المؤمنين علی بن أبي طالب علیه السلام هو الإسلام كلّه
وكذلك قال النبيّ صلّيالله علیه وآله لمّا برز مولانا علیي إلی عمرو بن عبد ودّ: بَرَزَ الإسلام كُلُّهُ إلی الكُفْرِ كُلِّهِ. فما ظنّك برجل يرى النبيّ صلّى الله علیه وآله أنّه هو الإسلام كلّه؟! وكيف يدرك بالبيان والتبيان فضله؟
وللّه درّ القائل: يَفْنَي الكَلاَمُ وَلاَ يُحيطُ بِوَصْفِهِ أيُحيطُ مَا يَفْنَي بِمَا لاَ يَنفَدُ
ومنها: أنّ الله جلّ جلاله جعل النصّ منه جلّ جلاله، ومن رسوله صلوات الله علیه وآله بالخلافة لعليّ صلواتالله علیه، يقوم مقام جميع فضل الرسالة والنبوّة. وهذا مقام لا يبلغ وصفي حقيقته. فقال جلّ جلاله: (يَأ اَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إلیكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رَسَالَتَهُ وَاللَهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ). [5]
وقد ذكرنا في كتاب «الطرائف» عن المخالف، وفي كتاب: «الإقبال» أنّ المراد بهذه الآية ولاية علیّ علیه السلام يوم الغدير من غير ارتياب.
ومنها: أنّ عناية الله جلّ جلاله بمولانا علیيّ علیه السلام بلغت بتكرار الآيات والمعجزات والكرامات إلی أن ادّعى فيه خلق عظيم باقون إلی هذه الأوقات ما ادّعى بعض النصاري في عيسيى علیه السلام، وأنّه ربّ العالمين الذي يجب أن توجّه العبادات إلیه.
ومنها: أنّ مولانا علیاً علیه السلام عذّب الذين ادّعوا فيه الإلهيّة، كما أمره صاحب النبوّة الربّانيّة، ولم يزدهم تعذيبه لهم إلاّ ملزماً بأنّه ربّ العالمين.
وما عرفنا أنّ معبوداً عذّب من يعبده بمثل ذلك العذاب، وهو مقيم علی عبادته بالجدّ والاجتهاد. فكان ذلك تنبيهاً علی أنّ ظهور فضله خرق العقول والبصائر، حتّى بلغ إلی هذا الأمر الباهر.
وما نقدر علی شرح فضائل مولانا علي علیه السلام علی التفصيل. وقد ذكرنا في كتاب «الطرائف» وجوهاً دالّة علی مقامه الجليل. وقد نطق القرآن الشريف بنعم الله علی عباده مطلقاً علی التجميل، فقال: (وَإن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَهِ لاَ تُحْصُوهَا)،[6] فنعمة ولايته وإمامته، يكون من تلك النعم التي لا تحصى، لأنّ أمير المؤمنين علیه السلام رئيس القوم الذين ظفروا بها وحصّلوها. [7]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ـ «الإقبال» ص 466.
[2] ـ الآية 61، من السورة 3: آل عمران: فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَآءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَهِ علی الْكَـاذِبِينَ. أي: كلّ من جادلك وحاجَّك في عيسى ابن مريم هل هو الله أو ابن الله بعدما عرفت حقيقة المطلب من الله وعلمت أنّه مخلوق، فقل تعالوا نحن وإيّاكم وأبناءنا ونساءنا وأنفسنا ونتباهل وندعو بالهلاك علی الكاذب.
[3] ـ تحدّث سماحة أُستاذنا العلاّمة الطباطبائيّ رضوان الله علیه في الجزء الأوّل من «الميزان» ص 322 إلی 327 حديثاً جامعاً ومشبعاً عن أنّ المراد بالأمّة الوسطى في الآية الشريفة 143، من السورة 2: البقرة: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَـكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَآءَ علی النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ علیكُمْ شَهِيدًا، ليس الأمّة كلّها، لأنّ عنوان: شهداء علی الناس هو الاطّلاع علی أعمال الدنيا وأسرارهم فيها. وما لم يكن هذا العلم لأحد، فلا يمكن أن يكون شاهداً وشهيداً علی الناس يوم القيامة. ولا محالة أنّ الأمّة الوسطى أفراد مخصوصون من الأمّة، مطّلعون علی أسرار الناس ونيّاتهم وبواطنهم. يتحمّلون الشهادة ويؤدّونها يوم القيامة. وهذا يخُصّ الأئمّة الأطهار علیهم السلام وأولياء الله الشاهدين علی أعمال الناس، والنبيّ شاهد علی أعمالهم. فعلی هذا، وفي ضوء هذا البيان، أنّ أمير المؤمنين علیه السلام من أمّة رسول الله حقّاً، وهو داخل في هذه الجماعة فحسب.
[4] ـ الآية 110، من السورة 3: آل عمران.
[5] ـ الآية 67، من السورة 5: المائدة.
[6] ـ الآية 34، من السورة 14: إبراهيم.
[7] ـ «الإقبال» ص 466 و 467.
السيد عباس نور الدين
السيد محمد حسين الطهراني
حيدر حب الله
محمود حيدر
الشيخ علي رضا بناهيان
عدنان الحاجي
الشيخ محمد مهدي الآصفي
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
الفيض الكاشاني
الشيخ علي المشكيني
حسين حسن آل جامع
الشيخ علي الجشي
عبدالله طاهر المعيبد
حبيب المعاتيق
شفيق معتوق العبادي
جاسم بن محمد بن عساكر
رائد أنيس الجشي
ناجي حرابة
السيد رضا الهندي
عبد الوهّاب أبو زيد
وراثة رسول الله تعني قيادة المشروع الإلهيّ من بعده
يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات
ما نُوديَ بشيء مثلَ ما نُوديَ بالولاية
حقيقة الولاية: غديريّة السيّد علي القاضي
لماذا الجحفة وغدير خم؟
الغدير: يوم حاكميّة الإسلام
الغدير في عيون الشعراء
أرسل هواك إلى الغدير
الرؤية الكونية
كيف يمكن إثبات القصص القرآني؟