بعد هذه المقدّمة (المنهجية) نعرض في النقاط التالية إشارة سريعة تكشف عن نظرة الإسلام إلى كلّ عامل من العوامل الآنفة:
أوّلًا: العقل من وجهة نظر الإسلام
نؤكّد مجدّدا أنّ الإسلام ينظر باهتمام إلى تأثير العوامل المذكورة، حتى أنّ القرآن الكريم يعطي البشارة بالسعادة لعباد اللّه الذين يتحلّون بالتعقّل، حيث يقول سبحانه: «فبشّر عباد الذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه أولئك الذين هداهم اللّه وأولئك هم أولوا الألباب» «1».
ثانيًا: العلم من وجهة نظر الإسلام
يولي الإسلام اهتمامًا فائقًا لــ «العلم»، حتى أننا نستطيع أن تقول بأنّا لا نجد تيّارًا فكريًّا أو اتجاهًا عقائديًّا يعتني بالعلم ويحثّ على تحصيله كما يفعل الإسلام الذي يعطيه قيمة أساسية. يقول (تعالى): «يرفع اللّه الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات واللّه بما تعملون خبير» «2».
إننا نعرف أن مقياس الإسلام في تفضيل الإنسان لا يقوم على أساس الحسب والنسب، والمقام والمنصب، أو الجاه والثروة والمال وأشباه ذلك. لقد جاء الإسلام ليدوس هذه المعايير الجاهلية ويرميها جانبًا. وفي المقابل اعتبر الإسلام، العلم مقياسًا للتفوّق والفضيلة، وجعل للعلماء العاملين بعلمهم درجات كبيرة، وأوجب لهم على الناس الاحترام الفائق.
لقد جاء على لسان بعض العلماء الكبار قولهم: «العلم دليل المعرفة»، ومن ذلك يتّضح أنّ للعلم دورًا في توجيه الإنسان وإرشاده.
ثالثًا: موقف الإسلام من الوجدان الأخلاقي
لقد جاء ذكر «الوجدان الأخلاقي» في القرآن الكريم قرينًا لذكر القيامة، حيث ذكرا في مكان واحد، فقد أقسم اللّه (جل جلاله) بــ «النفس اللوّامة» التي هي تعبير مساوق لمصطلح «الوجدان الأخلاقي». يقول (تعالى) في ذلك: «لا أقسم بيوم القيامة. ولا أقسم بالنفس اللوّامة» «3».
إنّ استخدام القرآن الكريم لتعبير «النفس اللوّامة» وذكرها مع ذكر «القيامة» يستبطن معاني دقيقة. إذ المعروف أنّ الإنسان لا ينفعه في يوم القيامة مقامه ولا ثروته، ولا تقبل منه رشوة أوفدية «واتقوا يومًا لا تجزي نفس عن نفس شيئًا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون» «4».
وفي هذا الوقت الذي يواجه الإنسان فيه مصيره، يكون وخز الضمير وضربات «وجدانه الأخلاقي» الذي يصطلح عليه القرآن الكريم بـــ «النفس اللوّامة» من الشدّة والعنف بحيث لا يهدأ معه الإنسان ولا يستقرّ، ولا تنفعه الحيلة أو الزور.
من هذه الزاوية بالذات ننظر إلى «الوجدان الأخلاقي» بوصفه حارسًا يقظًا وعاملًا مؤثّرًا وفاعلًا. فالوجدان الأخلاقي يحذّر الإنسان باستمرار من مغّبة ارتكاب الذنب قبل ارتكابه، وينبّهه إلى العواقب السيّئة والوخيمة التي تترتّب عليه في الدنيا والآخرة. وفي حال ارتكاب الإنسان للمعصية والذنب، يعمل الوجدان الأخلاقي على ردع صاحبه عن الاستمرار في ذلك ويدعوه للأوبة والرجوع. أمّا بعد ارتكاب الذنب فيبدأ الوجدان الأخلاقي بتقريع صاحبه وتبكيته ولومه على ما صدر منه.
لهذه الأسباب يعبّر القرآن الكريم عن هذه الحالة بــ «النفس اللوّامة».
على صعيد آخر، نرى أنّ لــ «الوجدان الأخلاقي» بعدًا آخر. فعندما يهمّ الإنسان بفعل الخير، وأثناء فعله له وبعده، نجد الوجدان يشجع الإنسان ويرغبه في ذلك، ودوره من هذه الزاوية أنّه يمهّد لصاحبه الأرضية المناسبة اللائقة لإنجاز الأعمال الصالحة.
من ذلك كلّه نتبّين أهميّة هذا العامل ودوره؛ وما أقسم القرآن به في قوله (تعالى): «لا أقسم بيوم القيمة ولا أقسم بالنفس اللوّامة» «5» إلّا دليل آخر على أهميّة هذا العامل ودوره في مسيرة «الجهاد الأكبر».
رابعًا: العامل التربوي من وجهة نظر الإسلام
يعطي الإسلام العامل التربوي أهميّة كبيرة، بحيث يقول (سبحانه): «يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارًا وقودها الناس والحجارة» «6».
إنّ الآية الكريمة تدعو الإنسان إلى أن يسلك سبيل التربية الإلهية ليقي نفسه وأسرته من نار جهنّم.
وفي مكان آخر يقول (تعالى): «قل إنّ الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة، ألا ذلك هو الخسران المبين» «7».
تتحدّث الآية بصراحة عن فئة من الناس ينالها الشقاء والخسران في يوم القيامة؛ والسبب في شقاء هذه الطائفة أنّها لم تكن تهتم بتربية نفسها ورعاية أهليها في الحياة الدنيا، ولم تكن تعنى بإصلاح أمورهم، بل كانت تربيتها سيّئة.
والآيتان الكريمتان الآنفتان تكشفان عن أهمّية العامل التربوي ودوره من وجهة نظر الإسلام.
خامسًا: الإسلام والقانون
لا يخفى على أحد أنّ للإسلام مجموعة من القوانين والحدود والأنظمة الضابطة. والملاحظ أنّ هذه القوانين من السعة بحيث تشمل جوانب الحياة المختلفة، وتحيط بالموضوعات الحقوقية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعائلية والعبادية وغير ذلك. والقرآن الكريم يحثّ بشكل مؤكّد على رعاية هذه القوانين والالتزام بها، ويعتبر التعدّي عن حدودها ظلمًا. يقول (تعالى): «ومن يتعدّ حدود اللّه فأولئك هم الظالمون» «8».
ومن المؤكّد أنّ اللّه (سبحانه) لا يهدي الظالمين ولا يشملهم برحمته وعنايته وهدايته.
من ذلك نتبّين أنّ الإسلام يهتم بالعامل القانوني ويؤيّد دوره في الهداية ومسيرة «الجهاد الأكبر».
سادسًا: الإسلام والرقابة الاجتماعية
إنّ «الرقابة الاجتماعية» هي اصطلاح مساوق للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكلّنا يعرف أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فروع الدين الحنيف.
يقول تعالى: «كنتم خير أمّة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون باللّه» «9».
ومعنى الآية أنّ المجتمع لا يكون إسلاميًّا حقًّا إلّا بتحقّق فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وفي إشارة أخرى لأهمّية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يقول (تعالى): «والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر» «10».
يتّضح من هذه الإشارة المختصرة دور «الرقابة الاجتماعية» أو «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر».
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الزمر: 17. وعلينا أن ننبّه إلى أنّ الذي نعنيه بالعقل هو ما أشار إليه الإمام الصادق (عليه السلام) حينما سأله سائل بقوله: قلت له: ما العقل؟ قال (عليه السلام): «ما عبد به الرحمن واكتسب به الجنان» قال: قلت: فما الذي كان في معاوية؟ فقال (عليه السلام): «تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل». الكافي، ج 1، ص 11.
(2) المجادلة: 11.
(3) القيامة: 1 - 2.
(4) البقرة: 48.
(5) القيامة: 1 - 2.
(6) التحريم: 6.
(7) الزمر: 15.
(8) البقرة: 229.
(9) آل عمران: 110.
(10) التوبة: 71.
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ علي المشكيني
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيد جعفر مرتضى
الشيخ عبدالهادي الفضلي
عدنان الحاجي
الأستاذ عبد الوهاب حسين
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ محمد صنقور
الشيخ محمد هادي معرفة
عبد الوهّاب أبو زيد
ناجي حرابة
حسين حسن آل جامع
فريد عبد الله النمر
الشيخ علي الجشي
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان