ما الأخلاق؟
ما معنى «أخلاقيّة» فعلٍ ما؟ وكيف يتّصف عمل الإنسان بـ«الأخلاقيّة»؟
قد يبدو هذا السؤال ساذجاً إلى حدٍّ كبير، والجواب عنه سهل يسير، لكن بالتعمّق والتدقيق فيه، سوف نرى أنّ الجواب عنه -فضلاً عن كونه ليس سهلاً كما يبدو- من أصعب مسائل الفلسفة البشريّة، وأكثرها إثارة للإشكال.
منذ آلاف السنين وإلى اليوم، لم تتّفق نظريّات فلاسفة العالَم على رأي واحد بما يخصّ هذا الموضوع.
ونحن قبل أن نُبيِّن مَلَاك «الأخلاقيّة» ومناطها في المدارس والمذاهب المتعدّدة، وقبل ذكر ما قاله «أفلاطون» (Plato) ، و«أرسطو» (Aristotle)، و«أبيقور» (Epicurus) و«الغزّاليّ»، وفلاسفة أوروبّا في العصر الحديث، نذكر أمثلة واضحة وجليَّة للأفعال «الأخلاقيّة»، ثمّ نعطف عنان القلم نحو الشرح والتفسير؛ لأنَّه ليس صواباً شرح آراء الفلاسفة ونظريّاتهم قبل اتّضاح موارد «الفعل الأخلاقيّ». وقبل عرض هذه الأمثلة، لا بدَّ من التعرّض لِمَا يوضّح لنا أهمِّيّة هذا الموضوع.
ما الفرق بين الأفعال الأخلاقيّة وغيرها؟
ثمّة نوعٌ من أفعال الإنسان يُطلَق عليها «الأفعال الأخلاقيّة» أو «السلوك الأخلاقيّ»، ويقابلها الأفعال العاديّة والطبيعيّة. والفرق بين «الفعل الأخلاقيّ» وغيره، أنّ «الفعل الأخلاقيّ» جدير بالثناء والشكر، والبشر ينظرون إليه بعين الرضى والإعجاب، والقيمة الّتي يمنحها البشر لهذا الفعل ليست من نوع القيمة الّتي تُعطى للعامل إزاء عامله؛ لأنَّ العامِل يوجد لعمله قيمةً مادِّيّة، ومن ثمّ يكون مستحقّاً لمبلغ من المال أو لعَيْنٍ مقابل ذلك العمل. أمّا «الفعل الأخلاقيّ»، فله «قيمة» تفوق هذه القِيَم، فهو أعلى من أن يُقيَّم بالمال أو الأشياء المادِّيّة، مثلاً: حينما يجعل الجنديّ روحه فداءً للآخرين، فإنَّ لعمله هذا قيمة، لكنَّها ليست من نوع «القِيَم المادِّيَّة». نحن -أيضاً- نقول: عملُ ذلك العامِل يُعادل 25 توماناً، وعملُ ذلك البنَّاء يعادل 80 توماناً، وعملُ ذلك المهندس يساوي 100 تومان، أو العمل الكذائيّ يساوي 500 تومان أو 1000. هذا في ما يخصّ الأعمال العاديَّة.
أمَّا الأفعال الأخلاقيّة، فهي تملك قيمة أعلى ولها أهمِّيّة أكبر، قيمة لا يُدركها الذهن البشريّ؛ ولأنَّ أنواع القِيَم متفاوتة، فنحن حتّى لو أخذنا بأعلى المقاييس، فلن نتمكّن من قياس «القيمة الأخلاقيّة» بالمقاييس المادِّيّة؛ فالأعمال العظيمة الّتي قام بها الإمام عليّ (عليه السلام) غير قابلة لأنْ تُثَمَّن بكذا مليون أو مليار من الدولارات؛ إنَّ لها قيمة أخرى تختلف كلِّيّاً عن القيمة المادِّيّة.
بعد ثبوت التفاوت بين القِيَم، يطرح هذا السؤال نفسه، وهو: كيف نُحلِّل هذه القِيَم ونُفسّرها؟ وبأيّ معيارٍ يجري تفسير حقيقة هذه القِيَم المعنويّة لسلوك البشر الأخلاقيّ واستجلاؤها؟ وهل جميع المدارس والفلسفات قادرة على ذلك؟ أو إنّها كلّها عاجزة عن ذلك؟
لستُ الآن بصدد بسط الكلام في هذه المطلب، وإنَّما قصدتُ إعدادَكم ذهنيّاً لِمَا نحن بصدده؛ لتكون لديكم صورة إجماليّة عن طبيعة الموضوع المطروق.
جملة من المدارس الفلسفيّة غير قادرة على طرح مثل هذا التفسير، وقِسمٌ منها يُصرّح بالإنكار، ويقول: «الأخلاق» كلمة لا معنى لها ولا رصيد، و«الفعل الأخلاقيّ» مسبَّبٌ عن سذاجة الإنسان، والإنسان العاقل لا يسعى إلى ذلك، ولا يطلبه حثيثاً، بل يحثّ الخطى وراء الملذّات والشهوات؛ ذلك أنّه لا يوجد في هذا العالَم سوى اللذّة والمنفعة. من حسن الحظّ، أن يعترف هؤلاء ويقولوا: إنَّ هذا هو معتقد مدرستنا وحقيقة مذهبنا، وإلَّا فإنَّ بعض أصحاب المدارس -على الرغم من أنّ فكرها وفلسفتها يوصلان إلى هذه النتيجة نفسها- لا يعترفون بها، بل يقولون بالعكس، يقولون: نحن نعتقد بالقيم الأخلاقيّة، ونعترف ونقول بقيمة «الإنسانيّة».
على كلّ حال، سوف نشير إلى هذا المعنى في البحوث المقبلة.
نماذج من الأفعال الأخلاقيّة
1. العفو والتجاوز
الخطأ أو الجنحة الّتي يرتكبها الشخص، نوعان:
أ. خطأ مرتبط بذلك الشخص فحسب، مثل: الغيبة والتهمة، حيث تصدران من المغتاب والمتَّهِم؛ إذ ليس لذلك ارتباط بحقّ المجتمع العامّ.
ب. خطأ يرتبط جانب منه بذلك الشخص، ويرتبط جانبه الآخر بالمجتمع، فله جنبتان: فرديّة واجتماعيّة؛ وذلك كالقاتل الّذي يقتل إنساناً، إذ له جنبتان: جنبة مرتبطة بالمجتمع، وجنبة مرتبطة بالفرد.
وفي الحالتَين، يستطيع صاحب الحقّ المجنيّ عليه التجاوز عن حقّه، والإغماض عنه؛ يعني إذا طلب القاتلُ العفوَ، ومنحه أصحابُ الحقّ (أب المقتول وأمّه أو ابنه) عفوهم، أو يتجاوز ويعفو المكذوب عليه والمتَّهَم بهتاناً عن ظلمه، فهذا عمل أخلاقيّ، ويُعَدّ من الأعمال الشجاعة؛ إذ إنَّه يفوق العمل العاديّ.
قال الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) في حديث شريف: «يَا عَلِيّ، ثَلَاثُ خِصَالٍ مِنْ مَكَارِمِ الأَخْلَاقِ: تُعْطِي مَنْ حَرَمَكَ، وَتَصِلُ مَنْ قَطَعَكَ، وَتَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَكَ».
2. عرفان الإحسان والوفاء
رَدَّة فعل الإنسان المحسَن إليه تجاه المحسِن، يمكن أن تكون أحد نوعَين: فبعض هؤلاء الأشخاص نراهم لا يعتنون بمَن أَحسَن إليهم، وينسونهم بمجرَّد أن يستوفوا غرضهم من الآخرين، ويدركوا عدم احتياجهم لِمَن أسدى إليهم يد الإحسان.
وبعضٌ آخر يعرفون حقَّ مَن أحسَن إليهم ومدَّ يد المعروف نحوهم، ويعملون بمقتضاه إلى آخر العمر، ولا ينسون ذلك الجميل أبداً، وحتّى إذا انقضت سنون عديدة، واتّفق أن احتاج ذلك المحسِن لشيء ما، نراهم يبادرون لمجازاته عرفاناً للجميل، عملاً بقوله تعالى: ﴿هَلۡ جَزَآءُ ٱلۡإِحۡسَٰنِ إِلَّا ٱلۡإِحۡسَٰنُ﴾.
3. الرحمة بالحيوانات
الرأفة بالحيوانات -حتّى الحيوانات النجسة والـمُستقذَرة منها- مَظهرٌ أخلاقيّ. فالكلب مثلاً، وإن كان حاملاً للميكروبات الضارّة في جسمه أو لُعابه، إلَّا أنّ هذا لا يتنافى مع الشفقة عليه. وقد ورد أنّ رجلاً كان يسير في الصحراء، فرأى كلباً قد أجهده العطش، فكان لشدَّة عطشه يلطع مرطوب التراب، وكانت بالقرب منه بئر ماء، فرقَّ قلبُ الرجل له، فأخرج له مقداراً من الماء بخفّه وسقاه؛ فأنقذه من الهلاك. بعد ذلك، نزل الوحي السماويّ على النبيّ بأنْ «شَكَرَ اللهُ لَهُ وَأدخلَه الجنَّةَ».
ولنِعْمَ ما قال «سعدي» في ذلك:
في الصحراء كلبٌ نال منه العطش
ما زال به رمقٌ مِنَ الحياة
أدلى بقبّعته صاحب الدِين الحَسَن
جعل ذلك كالحبل وربط بيده
ولأجل خدمة الكلب شدَّ وسطه ومدَّ يده
ثمَّ سقى الكلب المسكين قليلاً من الماء بكفَّيه
أخبر الرسول عن حالِ ذلك الرجل
وأنّ الإله الحاكم غفر له ذنبه
إنْ كنت ظالِماً، ففكِّر وتأمَّل
وكن ذا وفاءٍ وكرم
إذا قابَل الله الإحسان للكلب بالثواب ولم يُضيِّعه
فكيف يضيع عنده تعالى الإحسان للرجل الصالح؟
فعليك بالإحسان ما استطعتَ إليه سبيلاً
فإنَّ الإله لا يغلق باب الخيرِ في وجهِ أحدٍ
وإنْ أنتَ لم تحفر بئراً في الصحراء
فضع في المعبدِ سراجاً منيراً يُستضاءُ به
الشيخ جعفر السبحاني
عدنان الحاجي
حيدر حب الله
الشيخ عبدالهادي الفضلي
السيد محمد باقر الحكيم
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
الشيخ محمد هادي معرفة
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيد محمد باقر الصدر
السيد عباس نور الدين
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
عبد الوهّاب أبو زيد
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
العـلاقة الوثيقة بين الأخلاق والعقائد
ختم الله على قلوبهم
أيهما أكثر صحّة، النّوم على الظّهر أم على أحد الجانبين؟
الدبوس، ضيف مجلس الزّهراء وحديث حول الإصابات الرّياضيّة
الابتلاء ومعنى ربطه بحبّ الله للعبد
تاريخ أصول الحديث
ضرورة الإمامة
الجوهر الفرد
بعض مصاديق الشّرك الخفي وعلائمه
زهور المستقبل، يحتفي بذوي الاحتياجات الخاصّة